فتحي بن لزرق : أنا والمعبقي

منذ يوم

فتحي بن لزرق تلقيت خلال الأسابيع الماضية رسائل كثيرة من مواطنين طلبوا مني هذه الزيارة كجزء من مهام الصحافة للوقوف على واقع الحال الاقتصادي وللبحث عن إجابات لعشرات الأسئلة، يتصدرها السؤال الأكثر إشكالاً: لماذا ينهار سعر الصرف بهذا الشكل؟وقبل أن أبدأ بسرد تفاصيل اللقاء، أؤكد للقارئ الكريم أن هذه الزيارة لا تعني أبدًا أنني انحزت إلى صف البنك، أو أصبحت جزءًا من روايته أو منظومته الإعلامية

لست هنا في مهمة تلميع، ولا أحمل أجندة مسبقة للدفاع عن أحد

كل ما أفعله هو نقل همّ الناس، وأسئلتهم، وقلقهم من الانهيار

أبحث، كما يبحث الجميع، عن إجابات؛ وربما أجد ما يساعد في كشف ما يجري فعلاً

صباحًا، وعند الساعة 11، كنت أقف أمام مكتب المحافظ، وعلى طاولته نثرت الكثير من الأسئلة والتساؤلات الحارة والصادقة عن حال هذه البلاد التي يكافح فيها الناس من أجل البقاء

قلت له بداية إنني في مكتبه جئت حاملاً هم الناس وسؤالها وقلقها من القادم، وسأحاول أن أشعل جذوة الأمل من ركام هذا الحطام المتشظي، وقد أستطيع وقد لا

قلت له إننا في خضم ما يحدث نقف إلى جانب الناس في هذه المعركة التي تهددنا جميعًا، وإنني هنا في زيارة أتمنى منها أن أخرج بفكرة وواقع مغاير لما نراه ونخشاه

وجدت منه ترحابًا كبيرًا وبساطة في التعامل، وبذل جهدًا في الإيضاح وإيصال المعلومة، تحدّث مطولًا عن قضايا كثيرة، وأجاب عن أشياء أكثر

قال إن إدارة البنك المركزي اليمني في عدن تخوض حربًا صعبة ومعقدة، لكنها رغم ذلك ترفض الاستسلام

قال إن من أبرز المشاكل التي واجهتها الحكومة الشرعية هي توقف تصدير النفط، وهو ما أرهق كاهل الدولة، وجعلها تواجه التزامات تفوق قدراتها

وأوضح أن الحكومة تعمل منذ 2019 دون ميزانية رسمية، وهو ما صعّب مهامها وأربك أداء مؤسساتها، مؤكدًا أن وجود ميزانية حقيقية لدى الحكومة سيمكنها من معرفة واجباتها والتزاماتها والتخطيط المالي السليم

قال إن واحدة من أعقد المعضلات أن موارد الدولة لا تصل كاملة إلى البنك المركزي، بل يذهب جزء كبير منها إلى محلات صرافة أو يُصرف خارج الأطر دون رقابه وذكر أن ما يصل للبنك لا يغطي 25% الالتزامات ، وهي نسبة ضئيلة لا تسمح له بالقيام بوظائفه المالية والنقدية على النحو المطلوب

أشار إلى أن أكثر من (147 مؤسسة حكومية إيرادية) لا تخضع لأي رقابة حقيقية، ولا يعرف البنك المركزي أين تذهب إيراداتها، كما أوضحها دولة رئيس الوزراء الأسبق وأن ضبط هذه الموارد وتوجيهها للبنك ليس من صميم اختصاص البنك ذاته، بل مسؤولية مشتركة تتحملها الجهات التنفيذية والرقابية بالحكومة والدوله

وقال إن بعض المحافظات تقوم بالعبث بمواردها، وتتصرف بها خارج الأطر القانونية، دون تخطيط ودون مراعاة للأولويات الملحة بينما كان الأولى أن تذهب تلك الأموال لتمويل الرواتب وتحقيق الاستقرار الاقتصادي

وأضاف أن بعض المحافظات تدير ميزانيات وصرفيات خاصة بها لا تخضع لأي تقييم حقيقي، ولا رقابه من الحكومة وما يتبقى من الفتات يُرسل للبنك، بينما تُحمّله في الوقت ذاته مسؤولية تغطية كافة التزاماتها دون مراعاة للموارد الموردة إلى خزينة الدوله ولا التمويل المتاح من مصادر غير تضخميهـأكد أن الحل يكمن في تحرك فعلي للدولة بجميع مؤسساتها، بما في ذلك الرئاسة والحكومة والبنك المركزي، كمنظومة واحدة تتحرك بتناغم نحو هدف واحد: إنقاذ الاقتصاد الوطني

ـ كشف المحافظ أن المتبقي من الوديعة السعودية لا يتجاوز 225  مليون دولار، وان البنك المركزي لايملك التصرف بها دون اذن المودع وأن ماتم تحويله إلى حساب البنك استخدم  لتغطية المرتبات والنفقات الحكومية الأساسية، وهو ما يعني أن الاعتماد على موارد غير مستدامه  لم يعد ممكنًا

وفي ملف الصرافة، قال إن البنك المركزي اتخذ، ولا يزال يتخذ، إجراءات حازمة بحق محلات الصرافة المخالفة في عدن وما حولها ضمن نطاق قدراته، إلا أن بعض محلات الصرافة في المحافظات البعيدة تمارس دورًا سلبيًا دون أن يتمكن البنك من الوصول إليها أو إخضاعها لنفس الضوابط

ـ اتهم الحوثيين بشكل مباشر بأنهم يمارسون المضاربة بالعملة في عدن عبر ما يمتلكونه من نقد محلي، في محاولة لتخريب السوق، وأكد أن البنك يحاول التصدي لهذه التدخلات رغم محدودية الإمكانيات

وعن الدولار الجمركي، قال إن تحريره بات ضرورة، موضحًا أن التجار أصلًا يتعاملون وفق سعر الصرف اللحظي، وأن دعمهم بسعر منخفض لن يحقق الاستقرار

ودافع عن سياسة المزادات العلنية لبيع الدولار، مؤكدًا أن البنك لا يتدخل في تحديد السعر، وإنما يتيح آلية شفافة للمنافسة

وقال إن الطريق إلى وقف انهيار أسعار الصرف يمر بأربعة محاور أساسية:استئناف تصدير النفط،توجيه موارد الدولة للبنك المركزي،وجود ميزانية حكومية حقيقية،تحرير سعر صرف الدولار الجمركي

كلمة أخيرة

أكرر هنا، أنني لم أذهب لأبحث عن مرافعة لصالح البنك، ولا لأدوّن شهادة دفاع عن مؤسسات الدولة، بل ذهبت بصفتي صحفيًا مستقلًا، أحمل أسئلة الناس وأفتح بها الأبواب المغلقة

ذهبت بعين الصحافة، وعدت بنفس العين