فتحي بن لزرق : ذات بلاد

منذ 3 ساعات

فتحي بن لزرق خصوم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح دائماً ما رددوا أنه أقسم بأن يُعيد عدن إلى قرية، لكن حين تبحث عن هذا التصريح في أي مصدر رسمي أو موثوق، لا تجد له أثراً على الإطلاق

 مجرد مزايدة سياسية، هدفها تشويه الرجل وتشويه مرحلة بكاملها من تاريخ اليمن الحديث

ولو لم تكن الصورة موجودة، والفيديوهات شاهدة، والناس الذين عاشوا تلك الحقبة ما زالوا أحياء، لزيفوا الواقع بلا خجل ولا وجل

لقالوا عشنا في مدن بلاء ضوء ولاخدمات ولا نظافة ولا رواتب ولا اي شيء

وطن بلا طريق، بلا راتب ، حتى الأكسجين كان يصرف بالقطارة

!تأمل هذه الصورة جيدًا… خذوا عدن كنموذج بسيط ، مدينة تتلألأ بالضوء، بامتداد نظرٍ لا ينتهي

أتذكر انني وخلال أيام دراستي الجامعية في عدن وفي ليلة سهرت فيها أستذكر الإمتحان طلب مني قريب لي ان ارافقه الى كورنيش ساحل أبين

كان الوقت متأخر جداً قلت له: الساعة ١٢بنلاقي من بالبحر بالله الان

؟قال : امشي وبس

وهناك هالني منظر الأسر وهي تصل الى المكان تفترش الساحل مع أطفالها في مشهد بديع وجميل

قال لي صديقي أحمد هاشم السيد: تصدق يافتحي كنا نصنف انا واصحابي نخرج من عدن الصباح ونتغدى في إب ونخزن الى المغرب وننطلق في طريق عودة سهلة وجميلة

قصة لو رويتها لأحدهم اليوم : لقال صاحبكم بمجنون!حكم صالح فعدل، وأمَّن البلاد فنام مطمئنًّا وسهرت الناس في أمان

انظر هناك — سيارة النجدة الهونداي، التي كان يجلس فيها جنديان اثنان فقط، ومع ذلك كانوا يؤمّنون عدن كلها بين عامي 2000 و2010

كانت المدينة تنام على الأمان وتستيقظ على النظام، كانت عدن تبتسم مثل لؤلؤة على الساحل

هذه هي عدن التي قالوا عنها زوراً إن صالح أراد أن يعيدها قرية

لكن الحقيقة أن الرجل تركها مدينة نظيفة، مضيئة، عامرة بالخدمات، ومرتّبة كعاصمة حقيقية

عدن تلك لم تكن تعرف الفوضى، ولا كانت تعرف القمامة في شوارعها، ولا السلاح في أيدي الناس، ولا العتمة التي صارت عنوانًا لأيامنا اليوم

كذبوا وصدقت الصورة

زوّروا التاريخ لكن ذاكرة الضوء لا تكذب

في عدن مول التقيت مغترب يمني لم يعد اليمن منذ العام 2008

قال لي : عدت الى صنعاء وزرت الحديدة وعدن ومررت في طريق عودتي بحضرموت ، هذه ليست اليمن التي تركتها أخر مرة

فين اليمن؟يا الله

!مأ اعظم السؤال ؟ويظل السؤال حائراً فعلاً باحثاً عن إجابة

فهذه البلاد التي بين أيادينا تتجول في أزقتها نظرات أعيننا الحائرة ليست اليمن ولن تكون

في المحصلة كل هذا الوجع والألم ليست قصة عدن وحدها، لصنعاء وشوارعها العتيقة تفاصيل مشابهة، ذات الوطن المقطع الأجزاء والأوصال المُدمى قلبه له ذاته الحكاية والرواية

الكتابة عن الماضي ، توهان في سراديب الذكريات والحكايا العتيقة بين كل حرف وأخر رائحة راتب، خرير ماء صنبور حكومي ، صوت طابور طلاب صباحي

هتاف من القلب

لن ترى الدنيا على أرضي وصيا

يخبو الصوت حتى يتلاشي مصعوقا بوجع الحاضر وقسوته

هذه عدن وصنعاء وتعز وإب والمكلا التي تركها صالح مدن حية، أنيقة، مضيئة، تنبض بالأمن والكرامة

ليتها تعود

ليت تلك الليالي الجميلة تعود، حين كانت هذه المدن تنام مطمئنة وتستيقظ على صباحٍ لا يعرف الخوف ولا الانقطاع

ليت اليمن كلها تعود