فرحة خاصة وإزعاج عام  

منذ 5 أيام

تعز – فهمي عبد القابضارتبطت الأعراس في مدينة تعز، الخاضعة لسلطات حكومة مجلس القيادة الرئاسي، والكثير من المحافظات اليمنية، بعمل مكبرات صوتٍ تصدح بأغاني الأعراس في منزل العريس والعروس

حيث توضع في مكان ظاهر

وتبثّ عبرها أصوات الأغاني بشكل مرتفع

من باب الإعلان أن أصحاب هذا المنزل أو ذاك لديهم عرس

ويحرص أصحاب بيت العرس على تركيب مكبرات الصوت في منازلهم قبل مراسيم الزفاف بأيام، وتبدأ من الساعة الثامنة صباحًا وحتى العاشرة مساءً، ومنهم من يستمر إلى أكثر من ذلك

ولا تتوقف مكبرات الصوت خلال أيام العرس إلا في أوقات أذان الصلوات

ورغم أن سقف الحرية لمثل هذه الممارسات في مناطق سيطرة الحكومة كبير إلى حد إيذاء الآخرين، فإن الأمر مختلف تمامًا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، التي تسيطر على مناطق شمال اليمن الأكثر كثافة من ناحية السكان

ففي يوليو 2023، صادرت جماعة الحوثي أجهزة مكبرات الصوت من إحدى مخيمات الأعراس في محافظة ذمار، شمال اليمن

وفي بعض المحافظات تحظر جماعة الحوثي بثّ الأغاني في قاعات الأعراس وتلزِم منظمي حفلات العرس ببث “زوامل” و أغاني المولد النبوي

وبحسب وثيقة صادرة عن مكتب السياحة في محافظة صنعاء، تم التحقق منها من قبل منصة صدق اليمنية، في أكتوبر 2024، فإن سلطات جماعة الحوثي تلزِم ملّاك صالات الأعراس بمنع فتح مكبرات الصوت في الصالات

أو فتح النوافذ أو استقدام فنانين إلى صالات الأعراس النسائية

 لكن الوضع مختلف في تعز ومناطق أخرى واقعة ضمن سيطرة الحكومة

إذ يقول السكان إن فتح مكبرات الصوت بالأغاني في الأعراس تخرج كثيرًا عن قواعد احترام الجيران، ويتحول الفرح حينها إلى مصدر إزعاج للآخرين

  في الوقت الذي يبحث فيه البعض عن لحظات فرح مؤقتة، يعيش آخرون في دوامةٍ من الضجيج المستمر، وحرمان قسري من الراحة

هكذا تتحول أغاني الأعراس في محافظة تعز إلى معاناة يومية

تتجدد مع كل مناسبة

وتمتد آثارها السلبية إلى المرضى، كبار السن، والطلاب

يقول عبده هزاع الشراجي، أحد سكان مديرية جبل حبشي غرب تعز، إن استخدام مكبرات الصوت يتم بشكل مبالغ فيه في الأعراس، وذلك من حيث الوقت الذي تظل فيه هذه المكبرات تعمل، والتي تستمر أحيانًا إلى منتصف الليل

وقال الشراجي إن هذا يسبب إزعاجًا، حيث يكون هناك مرضى بحاجة للنوم فلا يستطيعون

ويضيف الشراجي خلال حديثه لـ”المشاهد”: لا أحد يمنع أي شخص من التعبير عن فرحته عبر مكبرات الصوت الصادحة بالأغاني

ويطالب الشراجي أن يكون ذلك ضمن حدودٍ لا تزعج المحيطين

مقترحًا حصر الأغاني خلال ساعات النهار، على أن تقتصر ليلًا داخل محيط منزل العرس فقط

من جهتها، عبرت فادية عبدالله، وهي موظفة من سكان مدينة تعز، عن انزعاجها من تصرفات بعض جيرانها ممن يكون عندهم عرس

ويستخدمون مكبرات الصوت بطريقةٍ مؤذية، تستمر إلى منتصف الليل

حيث يجبر الكثير من الجيران على عدم النوم

وخاصة من لديه التزام بدوام صباحي، فيضطر إلى الانتظار حتى تتوقف مكبرات الصوت في العرس ليستطيع النوم بعد ذلك

وتضيف فادية في حديثها لـ” المشاهد “: “تعلن مكبرات الصوت أن هناك عرسًا في بيت ما

وبإمكان أصحاب العرس توزيع دعوات بشكل شخصي أو عبر منصات التواصل الاجتماعي

ويكتفون بيوم واحد وهو يوم الزفة يحيونه أمام منزلهم عبر فرقة أغاني، لمدة ثلاث ساعات وانتهى الأمر، بشكل غير مزعج”

فادية : يصادف أن يكون هناك حزن في بيتٍ مجاور لمنزل صاحب العرس، ورغم ذلك لا يتم احترام مشاعر الحزن عند الآخرين الأكثر من ذلك هو الإزعاج النفسي، كما تقول فادية، “فأحيانًا يصادف أن يكون هناك حزن في بيتٍ مجاور لمنزل صاحب العرس

ورغم ذلك لا يتم احترام مشاعر الحزن عند الآخرين بشكل غير إنساني

ويستمرون في رفع مكبرات الصوت بالأغاني بشكل غير لائق، لا يعطي اعتبارًا لحقوق الجار، ومشاركته أحزانه

ترى الدكتورة ألطاف الأهدل، أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، أن استخدام المكبرات في الأعراس بشكل مزعج ظاهرة مرتبطة باضطرابات نفسية واجتماعية

وتقول في حديثها لـ”المشاهد”: “ضجيج الأغاني وسيلة تعويض نفسي عن ضغوط الحياة، لكنه يُمارس على حساب راحة الآخرين”

وترى أن التنشئة الاجتماعية تلعب دورًا في تعميم هذه الظاهرة، حيث تفرض أنماطًا من الفرح دون مراعاةٍ للذوق العام أو السياق الاجتماعي

وتتفق معها الأخصائية النفسية، عزية الحاشدي، حيث تقول لـ”المشاهد” إن مبالغة البعض في الضجيج ناتج عن كبت داخلي في التعبير المفرط والمزعج عن فرحته

وتصف هذا العمل من منظور نفسي أنه “حيلة دفاعية للهروب من الألم النفسي، عبر متعة مؤقتة توهم بالراحة”

وتعتقد الحاشدي أن هذه الممارسات تنتمي إلى تراث اجتماعي قديم، لكنها اليوم تجاوزت الحدود المعقولة؛ ما يجعل من الضروري معالجتها بوسائل بديلة، ووعي مجتمعي أكبر

وحول موقف الجهات الأمنية التي تقع على عاتقها هذه المسؤولية وعمل حلول للظاهرة

ويقول مساعد مدير أمن تعز لشؤون الأحياء، العقيد سمير الأشبط، إن الظاهرة مزعجة وتمارس بشكل واسع

وأضاف الأشبط في حديثه لـ”المشاهد”: “أصدرنا تعميمًا يمنع الأغاني بعد الثامنة مساءً، ووجهنا عقال الحارات بذلك، لكن لا يزال البعض يخالف”

ويشير إلى أن الرقابة تحتاج إلى تفاعل مجتمعي وإعلامي

معتبرًا أن وضع حلول لهذه الظاهرة مرتبط بالوعي والثقافة، قبل أن يكون قانونيًا، حسب تعبيره

فيما يقول الشيخ محمد عبدالرحمن، إمام وخطيب جامع شولق بتعز، لـ”المشاهد”: إن ما يحدث هو “إيذاء”

مضيفًا: “إيذاء الناس محرم شرعًا، وهذه الظاهرة تمارس على حساب المرضى، الطلاب، وحرمة المساجد”

داعيًا إلى تقنين هذه الظاهرة ومحاربتها من قبل الجهات المختصة

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير