في حوار مع “المشاهد” : مدير هيئة المواصفات يحذر من الاستخدام المفرط للأسمدة الكيميائية والمبيدات الزراعية

منذ 5 ساعات

عدن – حوار بشرى الحميدي في ظل تزايد المؤشرات الصحية المقلقة، وتنامي حالات الإصابة بالأورام والسرطانات في مختلف المحافظات اليمنية، يتزايد الجدل المجتمعي حول مسببات هذا التدهور الصحي الخطير

 ومع تواتر الشكاوى من فساد السلع وتردي جودة المواد الغذائية في الأسواق، تتجه الأنظار نحو الجهات الرقابية التي يقع على عاتقها حماية المستهلك وضبط جودة السلع، وأبرزها الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة

وسط بيئةٍ تجارية مضطربة، وضعف الرقابة الميدانية، وتحديات الكهرباء والتخزين والتداول، تكافح الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة في عدن؛ لتطبيق المهام المناطة بها رغم محدودية الإمكانات وتداخل الاختصاصات مع جهاتٍ أخرى، في بلدٍ تعيش انقسامًا مؤسسيًا حادًا بين حكومتي صنعاء وعدن، وتدهورًا شاملًا في البنية التحتية

بشكل عام، الهيئة في عدن تواجه واقعًا عسيرًا نتيجة الانقسام الحاصل، لكنها تواصل دورها الرقابي بحسب الموارد والإمكانيات المتاحة، وتبقى إحدى أهم خطوط الدفاع عن صحة وسلامة المواطن اليمني في هذه الظروف المعقدة

“المشاهد” أجرى حوارًا خاصًا مع المهندس، حديد الماس، المدير العام التنفيذي للهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة في عدن الذي فتح ملفًا شائكًا وواسعًا حول علاقة البيئة والمواد الغذائية بانتشار السرطان

وكشف الماس عن جهود الهيئة في حماية الأطفال من منتجاتٍ تحتوي على ملوّنات ومُحلياتٍ محظورة، إضافةً إلى تفاصيل خلافية حول مشروع مختبرٍ متطورٍ لم يرَ النور بعد؛ بسبب ما وصفه بـ”التحريض الممنهج” الذي أعاق نقله إلى المبنى الجديد

وفيما يلي نص الحوار:المشاهد: بدايةً

هل تعتقدون أن ارتفاع نسب الإصابة ببعض أنواع السرطان في محافظاتٍ بعينها، يمكن أن يُقرأ كمؤشرٍ على وجود ممارساتٍ غير آمنةٍ في البيئة المحلية؟الماس: بالفعل، يمكن قراءة ترتيب نسب الإصابة بأنواع معينة من السرطان كمؤشرٍ للكشف عن المسببات المحتملة

فعلى سبيل المثال، عندما يتصدر سرطان اللثة والفم أو الغدد اللمفاوية في محافظةٍ بعينها، فإنّ ذلك قد يدل على ممارساتٍ خطرة مثل الإفراط في استخدام مبيداتٍ زراعية في زراعة القات أو الخضروات، أو تعاطي بعض أنواع “الشمة” و”النشوق”

 أما المواد الغذائية، ورغم أنّ الإفراط في تناول الحلويات والسكاكر الموجهة للأطفال والتي تحتوي على أصباغٍ وملوّناتٍ محظورة قد يشكّل خطرًا، فإنني أستبعد أن تُصنف ضمن الأسباب الرئيسية الأربعة الأولى المؤدية للسرطان

لكن الخطورة الحقيقية تكمن في التلوث الناتج عن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية، والأسمدة والمبيدات في الزراعة، بل وحتى استخدام مياه الصرف الصحي في ري الخضروات

المشاهد: في حديثنا السابق، أشرتم إلى الخلل في أسواق اليمن

هل يمكن أن توضحوا لنا أبرز أوجه هذا الخلل من منظوركم كجهةٍ رقابيةٍ مسؤولة عن الجودة والمواصفات؟الماس: الرقابة المستمرة على الأسواق ليست ترفًا، بل ضرورة، خاصةً في بيئةٍ كاليمن تعاني من انتهاكاتٍ واسعة

هناك خلل في عمليات العرض والتخزين مثل عرض السلع في حرارة الشمس أو في محالٍ دون تكييف، أو تخزينها في “بدرومات” رطبة

 إضافةً إلى مشاكل النقل، كاستخدام سيارات غير مبردةٍ لنقل اللحوم والدواجن

أضف إلى ذلك عدم انتظام التيار الكهربائي، ممّا يؤدي إلى تلف المنتجات أو تغيّر خصائصها رغم دخولها البلاد بشكل مطابق للمواصفات

المشاهد: البعض يُحمل الهيئة مسؤولية ما يُعرض في الأسواق من منتجاتٍ مخالفة، فهل تتضمن مهام الهيئة الرقابة الميدانية المباشرة على الأسواق؟الماس: لا

الهيئة مسؤولة عن فحص المنتجات والسلع والخامات قبل دخولها الأسواق، أما الرقابة على الأسواق فتقع تحت اختصاص جهاتٍ أخرى، كوزارة الأشغال العامة والطرق عبر صحة البيئة، ووزارة الصناعة والتجارة عبر مكاتبها في المحافظات

نحن نشارك في بعض الحملات المشتركة عند الحاجة، لكن المختبرات التابعة للهيئة تبقى المرجع الحاسم في تقييم أي منتج يُشتبه بمخالفته للمواصفات

المشاهد: بصفتكم الجهة المسؤولة عن ضبط جودة المنتجات، كيف تتعاملون مع المنتجات الغذائية المخصصة للأطفال، خاصةً في ظل انتشار منتجات تحتوي على ملونات ومُحليات صناعية؟الماس: نتعامل مع هذا الملف بصرامة

لدينا إحصائيات كبيرة حول منتجات أطفال تم رفضها لمخالفتها المواصفات، إما لاحتوائها على مُحلياتٍ صناعية محظورة أو ملوناتٍ ممنوعة وفق الكودكس العالمي

الهيئة على تواصل مع أكثر من تسع منظماتٍ دولية، ونتلقى تحذيراتٍ فورية، مثلما حدث مع مادة ثاني أكسيد التيتانيوم (E171) التي تم حظر استخدامها عالميًا مؤخرًا

المشاهد: المنتجات منتهية الصلاحية التي نجدها في بعض المحال، إلى أي مدى تشكل خطرًا فعليًا على المستهلك؟الماس: تناول منتج منتهي الصلاحية قد يؤدي إلى اضطراباتٍ هضمية، أو في حالاتٍ أكثر حدة، إلى تسممٍ غذائي

لذلك فإنّ هذه المسألة بالغة الخطورة، وتتطلب رقابةً ميدانيةً دائمة، وهي من مسؤولية جهاتٍ أخرى كما ذكرت

المشاهد: وماذا عن الأدوية والمستحضرات الطبية؟ هل تخضع لاختبارات الهيئة، أم أنها خارج اختصاصكم؟الماس: الأدوية والمستلزمات الطبية تقع تحت مسؤولية الهيئة العليا للأدوية، وليس ضمن اختصاصنا في الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس

المشاهد: نود أن نعرف منكم، كيف تُقيّمون أداء فرع الهيئة في محافظة تعز؟الماس: فرع الهيئة في تعز يقوم بمهامه على أكمل وجهٍ رغم الظروف، كما أنّ لنا مكتبًا نشطًا في ميناء المخا، يعمل وفق الإمكانيات المتاحة

المشاهد: في موضوعٍ حساس، يهمنا أن يتم توضحيه للقراء

ما علاقة الهيئة بمياه “العلاقي” (مياه تباع في أكياس بلاستيكية للشرب) المُعالَجة جزئيًا، والتي تُستخدم في بعض المدن؟الماس: مياه “العلاقي” تندرج تحت اختصاص وزارة الأشغال العامة وصحة البيئة

أما المياه المعبأة مثل “حدة” و”شملان” فهي ضمن اختصاص الهيئة وتخضع للفحص والرقابة المستمرة

المشاهد: سمعنا عن مشروعٍ لمختبرٍ متكاملٍ في مبنىً جديد لم يرَ النور بعد

ما الذي حدث؟الماس: بالفعل، كنا بصدد الانتقال إلى مبنى جديد مكون من سبعة طوابق ليحتوي على مختبراتٍ شاملة، لكن تم منعنا من الانتقال بعد حملة تحريضٍ وتخويف غير مبررة للأهالي، أدّت إلى عرقلة المشروع، وخسارتنا لمبلغ الإيجار المدفوع والذي بلغ 35 ألف دولار

المبنى يقع في حي ريمي بين مصلحة الجمارك ووزارة التعليم العالي

المشاهد: ما صحة ما يُشاع بأنّ السكان رفضوا وجود المختبر في منطقتهم؟ وهل هذا سبب منطقي لتعطيل مشروعٍ بمثل هذه الأهمية؟الماس: هذا غير دقيق

التقرير الذي استند إليه المعترضون صادر عن فرع الهيئة العامة لحماية البيئة، وهو غير علمي إطلاقًا

لا مجال للمقارنة بين مختبراتنا التي تفحص الأغذية، والمختبرات الطبية المجاورة للمنازل في كل مدينة

المشاهد: من موقعكم في اللجنة العليا لمكافحة التهريب، هل تجدون أنّ هناك جدية فعلية في التصدي للتهريب الغذائي؟الماس: هناك لجنة عليا لمكافحة التهريب لكن الهيئة ليست عضوًا فيها، والتهريب مسؤولية مشتركة بين عدة جهات، والهيئة تبذل أقصى جهدها في مكافحة التهريب من خلال الرقابة على المواصفات ومنع دخول أي منتجٍ مخالفة، ووَفق توجيهات معالي وزير الصناعة والتجارة رئيس مجلس إدارة الهيئة وعضو اللجنة الوزارية العليا لمكافحة التهريب

المشاهد: لو تحدثنا عن الإمكانيات الفنية، هل تمتلك الهيئة اليوم مختبراتٍ قادرة على الفحص الكامل لكافة أنواع السلع؟الماس: إمكاناتنا الحالية تتيح لنا إجراء الفحوص الكيميائية والميكروبية على الأغذية فقط

وقد وقّعنا مذكرات تفاهم مع مختبراتٍ متعددة داخل عدن لتعويض النقص، منها مختبرات مصافي عدن، وكلية الهندسة، والمختبر المركزي، وهيئة الأدوية، وغيرها

المشاهد: أخيرًا، كيف تستقبلون شكاوى المواطنين؟ وهل هناك نماذج واقعية يمكن أن تطمّن القارئ بأنّ الهيئة تستجيب بفعالية لما يصلها من بلاغات؟الماس: الهيئة تستقبل الشكاوى بكل جدية، وقد نفذنا زياراتٍ ميدانيةً على إثر بلاغات مواطنين، آخرها ما أثير حول منتجات الزبادي والحقين

نحن نرحب بأي بلاغ، ونتعامل معه بسريةٍ ومهنية تامة دون الإفصاح عن الأسماء

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير