في زمن الذكاء الاصطناعي.. الإبداع في “قفص الاتهام”
منذ 2 أيام
عدن- غادة الحسينيفي زمنٍ صار فيه الحرف يُحاسب قبل أن يُقرأ، باتت أقلام الكتّاب الحقيقيين عُرضةً للتشكيك، لا لقصور في الفكر، بل فقط لأنهم اختاروا أن يواكبوا العصر ويستفيدوا من أدواته
الكاتب الذي كان يُحترم لمخزونه الثقافي وتاريخه الصحفي، أصبح يُسأل: “هل هذا المقال لك؟ أم للذكاء الاصطناعي؟ هكذا، أصبح الإبداع في قفص الاتهام، وأُغلقت أبواب النشر في وجوه من قرروا استخدام التقنية كوسيلة دعم، لا بديل عن العقول
في مسح أجرته مؤسسة رويترز في أكتوبر 2024، فإن أكثر من 80 % من الصحفيين في الجنوب العالمي يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في عملهم
وبحسب المصدر نفسه فإن الصحفيين يستخدمون هذه الأدوات في صياغة وتحرير المحتوى، تدقيق المعلومات، البحث والترجمة لزيادة سرعة الإنتاج
ويشير مصطلح الجنوب العالمي إلى الدول الأقل تقدمًا اقتصاديًا وليس بالضرورة إلى موقع جغرافي
في الوطن العربي تبرز حالات استخدام الذكاء الاصطناعي على مستوى المؤسسات الإعلامية في مجالات متخصصة
فمثلًا قناة الجزيرة توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأخبار المضللة، من خلال التحقق من المصادر وإدارة تحرير الأخبار
وأصبح لافتًا الحديث بين قيادات المؤسسات الإعلامية حول الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وزيادة الإنتاج، مع التأكيد على الدور البشري في الإشراف على المنتج النهائي قبل مشاركته مع الجمهور
الكاتب الحقيقي يظل واضحًا في لغته، فكره، وزاويته الخاصة، حتى وإن استعان بأداةٍ للمساعدة، أما النصوص التي تُكتب كليًا بالذكاء، فتميل للركاكة العاطفية والسطحية الفكرية مهما بَدت لغتها جميلة
يقول الصحفي والكاتب فخر العزب، مراسل موقع وصحيفة العربي الجديد في اليمن لـ”المشاهد”: “الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يكون منافسًا للصحفي؛ لأنه يبقى ناقصًا في الإلمام بالموضوع المراد الكتابة حوله، على الأقل من جوانب مناقشته، وبتقديم المعلومات الجديدة والحية التي تبقى هي المهمة الرئيسية للصحفي
الصحفي فخر العزب: من ناحية استثماره لخدمة الصحفي فهو سلاح ذو حدين، فهناك الصحفي الكسول الذي يأخذ من الذكاء الاصطناعي بالنص، وهذا لابد من أن يُفضح أمره، خاصة أن بصمته الصحفية تظل غائبة عن المادة الصحفية”
“من ناحية استثماره لخدمة الصحفي فهو سلاح ذو حدين، فهناك الصحفي الكسول الذي يأخذ من الذكاء الاصطناعي بالنص، وهذا لابد من أن يُفضح أمره، خاصة أن بصمته الصحفية تظل غائبة عن المادة الصحفية”
بينما يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي كمساعد، تمامًا كما يتم استخدام محركات البحث لتوفير معلومات موثوقة من مصادر رئيسية، فهو يرشدك إلى المعلومة ومصادرها التي يجب عليك كصحفي أن تتأكد منها، وتوظفها لخدمة المادة الصحفية في حال اللزوم، بطريقتك الخاصة، وتدعيمها بمصادرك ومعلوماتك
يضيف العزب: بالنسبة للقارئ المثقف والواعي يعرف بصمتي الخاصة كصحفي، ويجيد تمييز ما أكتب، وأما بالنسبة للقارئ الجاهل فيمكن أن يشكك بي أو بغيري، وعزائي أن هذا القارئ لا أهتم برأيه
ويؤكد العزب أنه -بلا شك- أي صحفي له بصمته الخاصة التي تترسخ لدى القارئ مع طول الفترة التي يقضيها هذا الصحفي في بلاط صاحبة الجلالة، ولكل صحفي بصمة خاصة تظهر في أسلوب الصياغة، وسياسة تناول القضايا، واللغة التي تميزه عن غيره، وبلا شك فتجربتي محصنة من التشكيك من أي قارئ أو متابع موضوعي
ويشير العزب إلى أن مكانة الصحفي أمام القارئ في زمن التقنية السريعة يصنعها الصحفي بنفسه، من خلال التزامه بالموضوعية والمهنية والمصداقية، وهي معايير تضيف إلى الرصيد المهني والأخلاقي للصحفي، وتعزز من حضور اسمه كصحفي لا يُذكر اسمه إلا ووقف له القارئ بإجلال وتقدير، فتجربة ومسيرة الصحفي هي من تعزز من مكانته عند القراء”
القوانين الإعلامية لا تمنع الاستعانة بالذكاء الاصطناعي ما دام الكاتب مسؤولًا عن الفكرة والمحتوى
ويُشترط أن يكون الكاتب مسؤولًا عن المحتوى النهائي، وأن أدوات الذكاء الاصطناعي لا تحل محل الإبداع الفكري البشري بل تُستخدم كمساعدة
يقول الكاتب والصحفي شائف علي الحسيني لـ”المشاهد”: “غدت الكتابة فضاءً متلبسًا تتنازع فيه الأصالة والتقنية، ففي هذا الزمن تشابكت الخيوط بين الإبداع البشري والذكاء الاصطناعي، لم يعد التمييز بين ما هو نتاج بشري وما هو صياغة إلكترونية مهمةً يسيرة، بل أصبح عبئًا لا يتقنه سوى قلة من المتابعين الواعين القادرين على الفرز، وهم في نهاية المطاف استثناءٌ نادر في بحرٍ متلاطم من المعلومات”
ويتساءل الحسيني: هل جوهر السؤال يكمن في أصل النصوص؟ أم أن الأهم هو ما تتركه هذه النصوص في الوجدان الإنساني؟ إن القيمة الحقيقية ليست في هوية الكاتب، بل في أثر ما يكتب، هل يقرّب بين الثقافات؟ هل يُضيء دروب السلام العالمي؟ هل يمدّ يدًا إلى الفقراء والمرضى والمهمّشين؟ هنا يكمن المعنى، وهنا يتجلّى الفرق
ويضيف الحسيني: “واقعنا اليوم يظل معقّدًا، تقيده الحروب وتثقله المجاعات، حتى غدت المؤسسات الثقافية نفسها عاجزة عن ضبط البوصلة أو إعادة صياغة الاتجاه، وحده الهدوء العالمي، حين يحلّ، سيتيح لنا لحظة استراحة نعيد فيها التفكير، ونرسم من جديد أدوار الإنسان والآلة جنبًا إلى جنب، وعند تلك اللحظة، سيكون لزامًا علينا كتابة “ميثاق شرف” يحكم هذه العلاقة، ويرسم حدودها الأخلاقية، ويضمن أن تظل التكنولوجيا خادمة للإنسان، لا بديلة عنه”
ويقول: الذكاء الاصطناعي يمنحنا المعلومة فقط، فالمعلومة مهما بلغت أهميتها تبقى جامدة إن لم تُصغ برؤية حية تُحرك الوجدان وتبني الرأي العام
ويختم حديثه: “الكاتب هو من يشعل شرارة الفكرة، ويثير المشاعر التي تحدد المسارات، فيما تظل الآلة أداة مساعدة لا أكثر، وبرأيي، ما زال مبكرًا أن ننشغل بالفرز بين النص البشري والصناعي؛ فالعقل إنساني والروح لا تُستنسخ، ومع ذلك، لا يمكن إنكار فضل الذكاء الاصطناعي في تسهيل الوصول إلى المعرفة واختصار الوقت، مما يمنح الصحفيين والكتّاب مساحةً أوسع للإبداع، للتأمل، ولصناعة التأثير الذي يبقى الهدف الأسمى للكتابة”
قبل أن نُسرع في الحكم على مقال بأنه من إنتاج الذكاء الاصطناعي، علينا أن نراجع رصيد كاتبه، علينا ألا ننسى من كتب قبل أن تولد الأدوات، فهل من المنطقي أن نُشكك فجأة في صحفي بدأ الكتابة منذ عشرات السنين، وله عشرات المقالات التي نُشرت قبل ظهور أي أدوات مساعدة أو تقنيات ذكية، هؤلاء الكتّاب، الذين صنعوا أسماءهم بالجهد الفردي، قبل حتى أن تصبح شبكة الإنترنت مصدرًا غنيًا بالمعلومات، لا يمكن اختزالهم في أداة أو اتهام مبني على حدس تقني
يقول الصحفي حسن الفقيه: “مما لا شك فيه أن للذكاء الاصطناعي ثورته الطاغية خصوصًا في المجال الصحافي، فبالرغم مما أحدثه الذكاء الاصطناعي إلا أن هناك خيطًا رفيعًا بين هذا وذاك، خصوصًا من العاملين في حقل الصحافة، فالمتمرس قد يستفيد من التقنية بما لا يخل أو يؤثر بجوهر وروح عمله، فالعنوان مثلًا هو الابن الشرعي للصحفي ومثله مختلف الفنون الأخرى، ومهما حاولت التقنية التشويش والدخول على الخط، وسادت الضبابية بعض الشيء، وبالمجمل التشكيك بالمصداقية من الجمهور وارد، لكن العمل الصحافي المهني والمتعوب عليه والمحترم يقدم نفسه ببصمة وهوية لا تقبل التشكيك”
ويضيف الفقيه: “من الطبيعي أن يلجأ الصحفي إلى أدوات حديثة كوسيلة للتدقيق لغوي، أو إعادة ترتيب الأفكار، أو اختبار زوايا جديدة، لا لسرقة النصوص، بل لصقلها بما يليق بتجربته الثرية، حتى الأمس القريب، كانت أدوات التحرير، التدقيق، والمراجعة تُعدّ مساندة طبيعية للكاتب، أما اليوم، فمجرّد وجود صياغة سلسة أو بناء منطقي يُثير شبهة الاستخدام الكامل للذكاء الاصطناعي”
الصحفي حسن الفقيه: “من الطبيعي أن يلجأ الصحفي إلى أدوات حديثة كوسيلة للتدقيق لغوي، أو إعادة ترتيب الأفكار، أو اختبار زوايا جديدة، لا لسرقة النصوص، بل لصقلها بما يليق بتجربته الثرية، حتى الأمس القريب، كانت أدوات التحرير، التدقيق، والمراجعة تُعدّ مساندة طبيعية للكاتب، أما اليوم، فمجرّد وجود صياغة سلسة أو بناء منطقي يُثير شبهة الاستخدام الكامل للذكاء الاصطناعي”
لافتًا إلى أن الصحفي المتمكن ليس مضطر ليثبت إن كانت مواده جراء افكاره وجهده، أو إن كانت معدلة ومنتجة بالذكاء الاصطناعي، لكن يمكن للصحافي أن يعود للميدان الذي هو أصل وأساس العمل الصحفي، من خلال العمل على مواضيع حية تظهر فيه شخصيته بجلاء، فالتقنية الاصطناعية يقتصر عملها على الترتيب والتنسيق، والصحفي لديه مقدرة على التحليل والاستنتاج والربط، وغيرها من القدرات والمهارات التي تغيب عن الذكاء الاصطناعي”
استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبارمن خلال الحديث مع اثنين من قيادات المؤسسات الإعلامية في اليمن يظهر أن هناك وعي حول إمكانية ومخاطر استخدام هذه التكنولوجيا في صناعة المحتوى، لكن ليس هناك سياسات مكتوبة تُنظّم هذا الاستخدام
في الواقع تعتمد بعض المؤسسات الإعلامية اليمنية على سياسات شفوية تقوم على الثقة المهنية، الشفافية، والإفصاح عند الحاجة، إضافة إلى استخدام أدوات تدقيق متخصصة لضمان جودة وصحة المحتوى
وفي هذا الصدد، تقول ثريا دماج، رئيس تحرير موقع يمن فيوتشر، موقع إخباري يمني، في حديث مع “المشاهد”: “بالنسبة لطاقم فريق يمن فيوتشر فهم طاقم متجانس ويعرف مهنية بعضه البعض، وملتزم بسياسة تحريرية معينة تشير إلى الذكاء الاصطناعي في حال الاستعانة بصورة مثلًا لخدمة مادة معينة، وبحكم أنني أعرف قدراتهم منذ سنوات لا نحتاج للبحث عن هذا الأمر، وبالنسبة لمن ننشر لهم من خارج الطاقم أيضًا هم معروفون لدينا وهناك ثقة كبيرة بالتعامل بيننا”
وتضيف دماج: ” في حالة أخذنا مواد من صحفيين آخرين إما أن ننسبها للمصدر الذي قام بنشرها أو نقوم بالتدقيق عن طريق “شبكة أريج” التي أعطتنا منحة لتدقيق المعلومات ما قبل النشر، خاصة في التحقيقات، وهذه هي الطريقة التي نلجأ إليها عندما تكون المواد الصحفية من خارج الطاقم”
وبدوره يقول محمد الشرعبي، رئيس تحرير تعز تايم: “نحن كطاقم لا نعتمد على الذكاء الاصطناعي في الصياغات أو صناعة المحتوى، نكتفي أحيانًا بالاستفادة منه في التدقيق اللغوي”
وهناك وعي عند إدارة غرف الأخبار اليمنية بكشف أصل صناعة المحتوى
حيث يقول الشرعبي: “ما يصلنا ندقق فيه باستخدام أدوات تكشف إن كانت الصياغة مدخلة عبر تطبيقات الذكاء عن طريق GPTZero وهي أداة مشهورة للكشف عن النصوص المولدة بالذكاء الاصطناعي، تعطيك نسبة احتمال إن كان النص بشري أو آلي”
محمد الشرعبي، رئيس تحرير منصة تعز تايم: ما يصلنا ندقق فيه باستخدام أدوات تكشف إن كانت الصياغة مدخلة عبر تطبيقات الذكاء عن طريق GPTZero وهي أداة مشهورة للكشف عن النصوص المولدة بالذكاء الاصطناعي، تعطيك نسبة احتمال إن كان النص بشري أو آلي”
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير