في نقد الخطاب النخبوي

منذ 2 سنوات

يسود في أوساط النخب الثقافية منظوراً ثقافوياً تجاه المجتمع وثقافته وقيمه ومظاهر سلوكه

وينزع هذا المنظور الثقافوي إلى إدانة المجتمع ووصفه بأنه مجتمع محافظ وماضوي، وتحميله مسئولية تخلفه وتأخره وسيادة التطرف في أوساطه

هذا المَنزع الوصفي التقريري، يريح نفسه من عناء البحث والتقصي وذلك بتبني الصيغ الاختزالية السهلة وإصدار الأحكام القطعية دون ملامسة الجوهر، فيكتفي بـالنقر على السطح، بينما المطلوب الحفر في العمق وذلك باستكناه أسباب وعوامل التخلف والتأخر بهدف وضع معالجة موضوعية

إنّ التخلف لم يكن ــ أبداً ــ نتاج قرار ذاتي أو رغبة قمينة من المجتمع عينه، أو يعد سمة خالدة أو ماهية ثابتة، بل هو نتاج ظروف موضوعية اقتصادية وسياسية واجتماعية فُرضت على المجتمع، التي من أبرزها: التنمية المشوهة بفعل التبعية والتبادل اللامتكافئ، وتسيد الريع في التكوين الاقتصادي وانعكاس ذلك على العلاقات الاجتماعية حيث يسود نظام اجتماعي رعوي يقوم على ثنائية (السلطان / الرعايا) فالناس ـ في هذه الوضعيةـ لا يُعاملوا كمواطنين لديهم حقوق وتقع عليهم واجبات في إطار عقد اجتماعي توافقي، بل يظلوا مجرد رعايا تابعين

فضلاً عن ذلك، فإن النظم القمعية صادرت المجال العام وألغت الشعب كفاعل سياسي، وانتهجت سياسات الإفقار والنهب والقهر، وأعادت تشكيل الوعي بما يلبي حاجتها إلى البقاء والديمومة عبر ممارسة الهيمنة الثقافية في وسائل الإعلام الرسمية، وعبر السيطرة الأمنية على الجامعة (أو عقل الأمة وفقاً للفيلسوف د

أبوبكر السقاف) ومحاصرة الفكر النقدي، وتأطير الذهنية العامة في إطار نظام معياري قائم على التحريم والتجريم والتسليم، واعتماد المناهج والوسائل الدراسية على التقلين والحفظ والمحاكاة وليس على التفكير والابتكار والإبداع

اقرأ أيضاًد

محمود محيي الدين: تحقيق التنمية المستدامة وأهداف المناخ يتطلب حلول علمية قابلة للتطبيق والاستثمار في الوعي المجتمعيتقرير جديد يكشف عن تراجع العالم 5 سنوات على صعيد التنمية البشريةهذا ”الفرس” والمحافظات اليمنية الجنوبية ”الميدان”!توفي أحدهم الثلاثاء

«12» موظفا يمنيا في سفارة واشنطن لا يزالون محتجزين لدى الحوثيالدكتور محمود محيي الدين: ضرورة الاهتمام ببناء القدرات و الاستثمار في رأس المال البشري من أجل تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامةسفير يمني يكشف عن وضع كارثي لا يحتمل الانتظار حتى الوصول إلى اتفاق سلام في اليمنبِعْم التنمية البشريةتقرير أممي جديد بشأن التنمية في اليمن منذ انقلاب الحوثييننحتاج حساسية عالية تجاه قضية الحرية في الوطن العربي!لحظة تحوّل فارقة للشرق الأوسط

تحديات وفرص لمستقبل أفضلبرنامج التنمية الريفية في اليمن يكشف معاناة المواطنين في البيضاءشوقي هائل يتحدث عن منصة انطلاق تحقيق التنمية والازهادرإن المنظور الثقافوي إنما هو ترديد صدى بائس للمنظور الاستشراقي الذي يخلع على مجتمعاتنا تصاوير نمطية

إذ يدأب مستشرقون غربيون على القول بأن مجتمعاتنا مجتمعات بدائية (بربرية) تقوم على إدارة التوحش في علاقاتها الاجتماعية

وأنها مجتمعات تذررية (انشطارية) تنشطر على أساس العصبيات الأهلية والطائفية والجهوية

ومن ثمّ يصدّر هذا المنظور مقولات ثقافية أشبه باليقينيات كـ: (الاستثناء العربي، والاستبداد الشرقي، والاستعصاء الديمقراطي)، والخلوص إلى القول بأن هذه المجتمعات غير مؤهلة للديمقراطية

إنّ القول بوجود علاقة ماهويّة لمجتمعاتنا بظاهرة التطرف والعنف، هو قولٌ زائف بل وكاذب، فالتطرف والعنف ظاهرة تاريخية عامة عانتها كل المجتمعات في الدنيا، وهي في المقام الأول تعبير عن حالة احتجاج سلبي تجاه ظروف الواقع، ويستحيل تجاوزها بغير إحداث تغييرات بنيوية في طبيعة تلك الظروف باتجاه تحقيق التنمية الشعبية، تلك التنمية التي يُشرَك الشعب فيها بشكل فعلي على مستوى التخطيط والتنفيذ والنتائج