كارثة الحسوة بعدن.. السيل لا ينسى مجراه

منذ 8 ساعات

عدن – بديع سلطانأعلنت السلطات المحلية بمديرية البريقة، غرب اليمن، أمس الأحد، منطقة الحسوة، “منطقةً منكوبة”؛ بعد أن جرفت السيول منازل المواطنين وممتلكاتهم بالوادي الكبير

وشهدت عدن، يوم السبت الماضي، أمطارًا غزيرة تسببت بتدفق السيول؛ وإلحاق أضرارٍ بالغة بمختلف مديريات المحافظة

لكن ما تعرّض له الوادي الكبير في منطقتي الحسوة وبئر أحمد، بمديرية البريقة كان “كارثةً” بمعنى الكلمة، بحسب وصف مختصين

وشبّه المختصون الحادثةَ بكارثةِ مدينة درنة الليبية قبل سنوات، والتي قسّمت المدينة نصفين، وجرفت المنازل المبنية في مجرى السيول

مرد كارثة الحسوة بعدن؛ يعود إلى البناء العشوائي للمنازل في مجرى السيل، وفقًا للمختصين

حيث أغرت موجات الجفاف المتلاحقة منذ عقود المواطنين بالبناء وسط مسار السيل، دون أي رقابة رسمية من مؤسسات الدولة المعنية

الكارثة فرضت على السلطات فتح المدارس الحكومية لاستقبال الأسر المنكوبة، التي حوصرت منازلها بالسيول، وأغرقتها بالمياه

وتلفت -نتيجةً لذلك- مقتنيات المنازل، وباتت مئات الأسر بلا مأوى

ووثّقت كيانات مجتمعية في مديرية البريقة، إحصائيةً أولية -غير رسمية- لنزوح نحو 25 أسرة إلى المدارس بالحسوة

ورجحت مصادر في المنظمات والجمعيات المحلية أن يكون العدد أضعاف ذلك، في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة

تحذيراتالبناء العشوائي في مجرى السيول، كان السبب الرئيسي لكارثة الحسوة، وهو ما حذر منه خبراء ومختصون منذ سنوات

كما حذرت منه جهات حكومية، قبل نحو سنتين، وإن كانت تحذيراتها جاءت على استحياء، دون أي تحركٍ عملي

“المشاهد” رصد وثيقةً تعود إلى سبتمبر عام 2023، أصدرتها وزارة الزراعة والري بعدن، تحذّر من تكرار كارثة درنة الليبية في عدن

وقالت الوثيقة إن الوضع بمنطقتي الحسوة وبئر أحمد مماثل لما حدث في درنة، حيث يتم بناء مساكن وسط مجرى السيول

واقترحت الوثيقة، المعنونة بـ”تفادي الكارثة”، التنسيق مع السلطات في محافظتي عدن ولحج لتجنب أي مخاطر والعمل على “تفادي الكارثة”

بالإضافة إلى تحذيرات الجهات الحكومية، التي اكتفت بالوثيقة المشار إليها، دون القيام بأي تحركاتٍ عملية

يواصل الخبير البيئي والمناخي، الأكاديمي اليمني الدكتور فواز باحميش، منذ أكثر من 15 عامًا، التحذير من وقوع كارثةٍ كهذه

الدكتور باحميش، يشغل مدير مركز الدراسات البيئية والمناخية بجامعة عدن، وأستاذ “الجيومورفولوجيا التطبيقية” ونظم المعلومات الجغرافية المشارك بكلية التربية بالجامعة

كما يشغل موقع رئيس اللجنة الوطنية اليمنية للحدائق الجيولوجية

يتحدث الخبير البيئي في حوار مقتضب خاص مع “المشاهد” حول كارثة الحسوة، وتحذيراته الدائمة منذ سنوات من وقوعها

داعيًا المجتمع والدولة بمساندة المنكوبين أولًا قبل الحديث عن أي أسباب وعوامل أدت إلى الكارثة

وتابع: “مسار هذه السيول، الناتجة عن المنخفض الجوي الذي يضرب اليمن حاليًا، كان طبيعًا

حيث تتشكّل نتيجة هطول الأمطار على المرتفعات الشمالية، وتتدفق نحو السهول الجنوبية بغرض الوصول إلى البحر، خليج عدن”

واعتبر الدكتور باحميش أن هذا هو المجرى الطبيعي للسيول

لكن هذه المرة وجد السيل أمامه مصدات وعوائق؛ أدّت إلى وقوع الكارثة

تمثلت في المنازل المبنية عشوائيًا، والمدن السكنية المستحدثة في الوادي الكبير بمنطقة الحسوة، والتي بنيت منذ عقود بسبب جفاف مجرى السيل

وكون الوادي مسار طبيعي للسيل، فقد جرف كل ما يقف أمامه من منازل وأشجار ومصدات ترابية

مواصلًا طريقه نحو البحر

متمثلًا المقولة الشهيرة: “طريق السيل للسيل وإن طال أمده”

يعزو الخبير المناخي باحميش سبب الكارثة إلى غياب الدولة، وصرف مخططات سكنية بغير دراسة، والبناء العشوائي المنتشر في قعر الوادي

وأضاف: “حذرنا سابقًا، وما زلنا، من مخاطر العشوائيات المنتشرة في مرتفعات شبه جزيرة عدن التاريخية، كمديريات صيرة، المعلا والتواهي

بالإضافة إلى شبه جزيرة عدن الصغرى، بمديرية البريقة، والمنطقة المنبسطة في الحسوة والشعب، وهي مناطق مجاري سيول”

وقال: “يجب أن يكون البناء بعيدًا عن مجاري السيول، وأن نأخذ عظة ودرس مما حدث في مدينة درنة الليبية

حيث لم تستطع السدود الموجودة تحمل حجم المياه فانهارت بلحظات

وأدت إلى حدوث كارثة مأساوية، وانشقت المدينة إلى نصفين، شرقي وغربي”

وأوضح الدكتور فواز باحميش أن الحسوة تتكرر فيها المأساة، بعد انهيار المنازل وتصدعها

وأصبح الناس بلا مأوى، والسبب أنهم بنوا في مجرى السيل

مشيرًا إلى أن البعض غرس أشجارًا عملت كمصدات ومنعت السيل من التدفق وحرفت مساره

وباتت بعض المنازل محاصرة وسط السيل الذي تدفق إلى داخلها والتف حولها

الخبير الأكاديمي دعا الدولة للتحرك، وتعويض المتضررين بمنازل جديدة -إن استطاعت- ونقلهم من مجرى السيل

وتعمل بعد ذلك على إزالة العشوائيات الموجودة في الوادي، حتى يتم تجنب تكرار هذه المأساة مستقبلًا

وجدد الدكتور باحميش تحذيره من أن القادم سيكون أسوأ؛ ما لم تتحرك السلطات، خاصة محافظ عدن أحمد لملس

ويجب عليه جمع الخبراء والمختصين لدراسة الوضع بالمنطقة والمخاطر المحدقة بها نتيجة استمرار بقاء العشوائيات، واتخاذ القرارات المناسبة

ونادى الخبير الجغرافي بإنشاء “مجلس تخطيط حضري” بالمدينة، واستحداث مركز للإنذار المبكر، ولجنة أو وحدة طوارئ، متخصصة بهكذا حالات طارئة

تساعد الدولة على مواجهة الحالات المدارية والمنخفضات الجوية، وإطلاق التحذيرات للمواطنين في الوقت المناسب، ووضع دراسات تتحول إلى برامج عملية

بالإضافة إلى توعية الناس بالمخاطر وحشد إمكانيات الدفاع المدني ومؤسسات الصرف الصحي وصندوق النظافة

وتوجيهها لتصفية مجاري الأودية من الأشجار والأتربة حتى لا تعترض طريق السيول

لم تكن منطقة الحسوة بمديرية البريقة وحدها من استقبلت كارثة السيول والأمطار، فهناك مناطق نائية حلّت عليها الأهوال؛ نتيجة السيول

لعل أبرز تلك المناطق، قرية فُقُم الساحلية، الواقعة في أقاصي غرب مديرية البريقة، والتي تضررت منازل أهاليها من الصيادين

وبحسب ناشطين مجتمعي في المنطقة، تحدثوا لـ”المشاهد”، وطلب عدم نشر اسمه فإن الأمطار الغزيرة والسيول دمرت نحو مائة منزل في فقم وحدها

وفرضت على ساكني تلك البيوت النزوح إلى منازل أقاربهم، والذين لم يكونوا بمنأى عن تداعيات السيول وإن بدرجةٍ أقل

وأضاف الناشط أن السيول ألحقت أضرارًا حتى بالمساجد المتواجدة في مناطق مرتفعة، أو المبنية في أعالي القرية

مشيرين إلى أن حجم الكارثة أكبر بكثير، ولا توجد إحصائيات رسمية او دقيقة للأضرار والضحايا

كما اتهم الناشط مسؤولي المديرية بالتقصير بعد أن زارت القيادات قرية فقم واكتفت بالتقاط الصور، دون العمل على معالجة الأضرار

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير