كتاب التاريخ العسكري لليمن (1839م – 1967م) : الجـزء المفقود! 

منذ 2 سنوات

كتاب التاريخ العسكري لليمن (1839م – 1967م) : الجـزء المفقود! دفعني للكتابة حول هذا الموضوع بعض ملاحظات وأسئلة أتلقاها من حين لآخر، تدور حول طلب الإجابة على سؤال واحد: هل كتاب التاريخ العسكري لليمن لمؤلفه المؤرخ سلطان ناجي ( والدي الراحل) قد تعرض جزء منه للإخفاء القسري  أو البتر بفعل مقص الرقيب؟ و قد قيل أن والدي قد رددها لبعض أصدقائه والمقربين منه

و روى بعضهم أن والدي سلم المسودة كاملة إلى الرقيب والذي قام بقطع، أو بتر،  فصل كامل من المسودة وردها إليه، بالمعنى الحرفي للعبارة

كما وصل الأمر ببعض المجتهدين إلى القول بأن الرئيس السابق علي ناصر محمد كان ذلك الرقيب!   ====================================لقد صدرت الطبعة الأولى للكتاب سنة 1976م ، أي قبل حوالي 40 عاما من الآن و بعد الإستقلال عن بريطانيا بحوالي تسعة أعوام فقط

وإن ذلك  الجزء المفقود ،  المخفي أو المبتور جدلاً ،  يتعلق بالتاريخ السياسي للحركة الوطنية في دولة إتحاد الجنوب العربي، أي عدن ومحمياتها الشرقية والغربية، وتحديداً  يخص جزء من تاريخ نضال جبهة التحرير و المؤتمر العمالي و جناحه السياسي حزب الشعب الإشتراكي، و حزب الرابطة، و أحزاب وتنظيمات سياسية  و إجتماعية أخرى، وكذا يخص بعض الإنتفاضات و التمردات القبلية

أي جزء من تاريخ ذلك التيار السياسي الوطني ممن كان لهم أدوار أساسية ومهمة في مناوئة الإستعمار أثناء وجوده  وصولاً إلى يوم الجلاء في 30 نوفمبر 1967م

بالرغم من أنه في الأخير قادت الجبهة القومية ولوحدها مفاوضات الإستقلال  النهائية و أستلمت الحكم رسمياً من المستعمر البريطاني بإعتبارها الممثل الوحيد لشعب الجنوب العربي وذلك بعد أن خلت الساحة الوطنية لها عندما حققت نصراً ً حاسماً في الحرب الأهلية التي دارت بينها وبين بقية الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى قبيل الإستقلال بفترة وجيزة ( تلك الحرب المعروفة بالحرب  بين جبهة التحرير FLOSY والجبهة القومية NLF  )

   ولأن ذلك التيار من الحركة الوطنية كان مختلفاً أيدلوجياً و سياسياً و ثقافياً مع تيار الجبهة القومية وحلفائها المنتصرين الذين أستلموا حكم دولة إتحاد الجنوب العربي ( أو اليمن الجنوبية ، اليمن الديمقراطية الشعبية لاحقاً) ، فقد تم إقصاءه  وإقصاء زعمائه وأعضائه والمناصرين له تماماً وبصورة قاسية من المشهد السياسي و الإقتصادي و الإداري و  الإجتماعي لليمن الجنوبي

وكان مجرد الحديث بشأن ذلك التيار أو التطرق لتاريخه يُعد مخاطرة كبرى

فالإشارة إلى تاريخه أما محظورة أو  يشوبها الكثير من التضليل والتشويه والتخوين

 أن الرئيس علي ناصر محمد، رئيس الوزراء و وزير الدفاع في ذلك الحين، كان هو  صاحب الفكرة والتكليف معًا ، أي صاحب فكرة تأليف الكتاب و هو  من  أختار وكلف والدي للقيام بذلك العمل

و كما علمت من والدي، فقد كانت هناك محاولات سابقة لكتابة التاريخ العسكري وشُكلت لجنة أو لجان لهذا المهمة إلا أنها أخفقت في عملها

 لقد إشترط  - و بالأحرى أتفق - والدي مع  الرئيس علي ناصر بأنه سيقوم بهذه المهمة بمفرده دون مشاركة أو إرتباط بأي فرد أو  لجنة، كما أتفقا على إعطاء والدي حرية كاملة لإظهار ونشر الحقائق التاريخية المتعلقة بموضوع الكتاب و بحسب المراجع و المصادر التاريخية المؤرخة للفترة منذ الإحتلال وحتى الإستقلال ( 1839م – 1967م)

 فمن حيث المراجع، يمكن تقسيمها إلى جزئين: جزء متوفر لدى مكتبة الوالد  مما سهل مهمته ، حيث سبق له  أن ألف كتاباً أكاديمياً مرجعياً تخصصياً للباحثين بعنوان (ببلوجرافيا مختارة وتفسيرية عن اليمن) شمل حوالي (2600 ) مرجع عن تاريخ اليمن نشرته جامعة الكويت عام 1972م ، مما حقق له شهرة علمية وأكاديمية في مجال حفظ  وتجميع وتوثيق المراجع والمصادر التاريخية اليمنية

  أما الجزء الآخر فقد كان عبارة عن التقارير والملفات والوثائق ،  العادية والسرية ذات الصلة ، الخاصة بوزارة دفاع إتحاد الجنوب العربي،  وقوات الأمن العام، و أقسام المخابرات البريطانية المختلفة ، والجيش البريطاني،  و وزارة الدفاع البريطانية

و إلى ذلك الحين،  كانت (الملفات السرية) بعيدتين عن أيدي الباحثين، و قد أستخدمت موادها  للمرة الأولى في ذلك الكتاب كسراً لقاعدة السرية التي بموجبها تُحفظ لمدة ثلاثون عاماً قبل أن تنشر وتصبح متاحة للباحثين

  وهنا ربما تجدر الإشارة إلى أن الضابط  المسئول عن تلك الوثائق والملفات السرية و المكلف حينها بتسليمها يداً بيد لوالدي ، وأعتقد أن ذلك تم في مكتبة الوالد ببيتنا بخورمكسر، هو  الرئيس عبدربه منصور هادي_ رئيس الجمهورية حالياً

و قد أكد بنفسه هذه المعلومة لشقيقتي المرحومة د

أوراس لاحقاً عند التقاءه  بها في أحدى المناسبات! لست على يقين بشأن كيف و في أي موضع من الكتاب تحديداً  تدخل الرقيب، وهل حبّر والدي ذلك الجزء المفقود المفترض وقدمه كمسودة أم أنه تبادل بشأنه الأراء و التدابير مع الرئيس علي ناصر و وصلوا إلى حلول وسط (ممكنة و متاحة) تم بموجبها نشر المعلومات والحقائق بالصورة التي ظهرت في الكتاب

و أظن أن آلية عمل والدي كانت تقضي بأنه عند الإنتهاء من مسودة فصل أو جزء من الكتاب يقوم بتسليمها لمكتب رئيس الوزراء ( أي للرئيس علي ناصر) ، وأفترض جدلاً بأنه كان يتم عرضها لجهة أو أفراد أو ربما للمستشارين السوفيت ( أي الرقيب)  لإبداء الرأي والملاحظة، و ربما حينها تدور نقاشات أو إعتراضات حول محتوياتها، و لكن في الأخير من كان يواجهها هو الرئيس علي ناصر وليس والدي، حيث كان يقف حائلاً بين والدي وبين ذلك الرقيب الرهيب المفترض!

  إن والدي، بخلفيته العلمية والأكاديمية،  بل و السياسية و الإجتماعية أيضاً،  كان من أشد الراغبين في نشر تاريخ ذلك التيار الوطني الذي تم إقصاؤه في ذلك الحين مالم يكن هناك سبب وجيه منعه من ذلك

 و قد أكد بأنه لم يتمكن من نشر كل الحقائق التي كان يرغب في نشرها، بسبب ذلك الرقيب، ولكنه في نفس الوقت حافظ على مهنيته ونزاهته العلمية  و لم يقم بالتضليل أو التزوير

و أنه بعد أن قطع أشواطاً كبيرة في تأليف الكتاب كان أمام خيار التوقف وعدم إنهاءه و الإنسحاب من العمل برمته أو الإستمرار فيه ومحاولة كشف وإظهار أكبر قدر ممكن من الحقائق وترك المخفي منها لإظهاره في المستقبل سواء على يده أو على يد باحثين آخرين

و كان يردد ( أن أظهر الجزء الأكبر من الحقيقة أفضل من عدم إظهارها كاملة!)

  علماً بأن الكتاب في الأصل هو  دراسة تبحث في إرتباط نشؤ و تطور المؤسسات و الأنشطة العسكرية بالأوضاع و المتغيرات السياسية، بمعنى أنه تأريخاً عسكرياً أكثر منه تأريخاً سياسياً للحركة الوطنية  اليمنية

 ويبدو أن هذا الأمر ظل هاجساً يلازم والدي، ولاحقاً في الثمانينات  عندما أعُطيت له مساحات أكبر للحركة و الحرية، عوض ذلك التقصير  - الذي لا ذنب له فيه –  فألف و نشر على نطاق أكاديمي واسع دراسات وأبحاث تخصصية باللغتين العربية والإنجليزية  تغطي جانباَ مهماً من تاريخ ذلك التيار من الحركة الوطنية اليمنية

 هذا جوابي بخصوص ذلك السؤال الجدلي المطروح، كما أن الأمر متروك للرئيس السابق علي ناصر محمد ، والرئيس الحالي عبدربه منصور هادي لنفي أو تأكيد أو تصحيح  مانُشر فيما يخصهم أعلاه

  أوسان سلطان ناجي، 22 يناير 2019م