كوارث خزانات حصاد المياه في موسم الأمطار

منذ 16 ساعات

تعز- فهمي عبدالقابضتتكرر خسائر انفجار خزانات وحواجز حصاد المياه في اليمن سنويًا، متسببةً بخسائر بشرية وزراعية وحيوانية كبيرة

في 26 أغسطس 2025، فجع سكان منطقة العراري التابعة لمديرية جبل حبشي، غرب تعز بانفجار خزاني مياه شيّدا على مقربة من مجاري السيول

المنطقة شهدت هطول أمطار غزيرة تسببت بانهيارات صخرية وانفجار خزانين لحصاد المياه؛ ما نتج عنها وفاة مواطنَين اثنين من أسرة واحدة، وإصابة ثلاثة آخرين، بالإضافة لخسائر فادحة في الماشية والممتلكات والمركبات والأراضي الزراعية

وتعيد الحادثة إلى الأذهان ما حصل في أغسطس من العام الماضي في مديرية ملحان، محافظة المحويت، حين هطلت أمطارًا غزيرة ومتواصلة تسببت بكارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ المحافظة

حيث تسببت بوفاة 43 مواطنًا وانهيار 37 منزلًا؛ كما أدت إلى انفجار حوالي عشر خزانات حصاد مياه وجرف مساحات زراعية واسعة، وسقوط العديد من المنازل والمساجد والمدراس

يقول مقداد العراري، وهو أحد أقارب أسرة فؤاد بجاش الذي جرفته السيول هو وابنة أخيه: “بينما كان محمد بجاش وابنته يحاولان تغيير مسار السيول عن بيتهما، زادت غزارة السيول حتى تسببت بانزلاقات صخرية تسببت بجرف محمد، وحاولت ابنته إنقاذه فسحبها السيل مع والدها، وفي هذه اللحظة تدخل فؤاد بجاش لانقاذهما فسحبه السيل هو الآخر، وكانت النتيجة وفاته ووفاة ابنة أخيه، فيما أصيب محمد وزوجته وابنة أخيه فؤاد وشخص آخر، ونقلوا إلى المستشفى حملًا على الأكتاف عبر طرق وتضاريس سيئة؛ نتيجة ما أحدثته السيول في ذاك المساء”

يضيف العراري في حديث مع “المشاهد” أن السيول الجارفة استمرت لخمس ساعات، وما زاد من كارثيتها أنها مرت بخزاني حصاد مياه فجرفتهما حتى عثر على جثتي فؤاد بعد خمس ساعات تقريبًا وابنة أخيه بعد اثنا عشر ساعة

يعطي العراري صورة لمنطقة العراري فيقول إنها “أصبحت أشبه بجزيرة محاصرة بالمياه من كل الجهات، حيث لم يتمكن الأهالي من إسعاف المصابين والعثور على المفقودين إلا بعد ساعات وقد كان السيل قد قذف بهم في مسارات بعيدة عن الطرق ومسارات السيل المعتادة”

يقول مدير مكتب الزراعة في مديرية جبل حبشي، المهندس فهد الواسعي إن حجم كارثة سيول هذا الموسم كان كبيرًا؛ وما يضاعف من حدتها أن السيول تعبر مناطق تتواجد فيها منازل مواطنين وخزانات حصاد مياه الأمطار

مدير مكتب الزراعة في مديرية جبل حبشي، المهندس فهد الواسعي: حجم كارثة سيول هذا الموسم كان كبيرًا؛ وما يضاعف من حدتها أن السيول تعبر مناطق تتواجد فيها منازل مواطنين وخزانات حصاد مياه الأمطار

”ويضيف لـ”المشاهد” أن مديرية جبل حبشي، غرب تعز، شهدت كارثةً إنسانية بعد مساء ممطر؛ نتج عنه سيول جارفة؛ تسببت بوفاة شخصين وإصابة ثلاثة آخرين، وتضرر 500 أسرة، وتحديدًا في عزلتي المراتبة وبني بكاري، كما تمثلت الأضرار بتضرر 120 هكتارًا من الأراضي الزراعية بشكل كلي و 100 هكتار بشكل جزئي، بالإضافة لجرف أربعة مطابخ ونفوق 40 رأس من الأغنام وثلاث أبقار وثلاثة حمير و 500 عود نحل وعشرات المركبات والمحال التجارية والبسطات

وفي منطقة ذبحان بمديرية الشمايتين، بمحافظة تعز نفسها،أحدثت السيول  تشققات لجدران سد العدوف، وبدأ تسريب المياه من جدرانه

وهذا يعطي مؤشرًا علي انهيار السد بالكامل إذا لم يتم وضع خطة لإعادة ترميم جدرانه، وإزالة الشوائب والمخلفات من قاعه، وعمل قنوات رئيسية وأخرى تحويلية لري المساحات الزراعية الواقعة بجانب السد، وفقًا للمتخصص بحصاد مياه الأمطار، رئيس قسم الأراضي والمياه بمحطة أبحاث المرتفعات الجنوبية (تعز- إب)، المهندس محمد سيف غالب

ويقول غالب في حديث مع “المشاهد” إن المنخفض الجوي الذي شهدته وما زالت تشهده اليمن حتى الآن أحدث أضرارًا جسيمة على مستوى اليمن، وتمثلت الأضرار بالبنيية التحتية في مناطق عدة، متسبيةً بفقدان للأرواح والممتلكات، وكثير من هذه الأضرار كانت بسبب انفجار بعض حواجز وخزانات حصاد المياه التي شيّدت في مجاري سيول الأمطار

ويستعرض الخسائر في مناطق التأثر بهذا المنخفض، مثل منطقة طور الباحة في محافظة لحج، حيث تضررت الخطوط الرابطة بين لحج وتعز، ولحج وعدن بشكل كبير، وتضررت أيضًا شبكات الري

كما تضررت مناطق متفرقة من محافظة حضرموت متسببةً بوفاة مواطن وتهدم مساكن كثيرة بنيت بشكل عشوائي في مجاري السيول

 وتضررت مناطق في محافظة أبين حيث جرفت شبكات الري وأتلفت مساحات واسعة من مزارع البطيخ والشمام وتهدمت العديد من المنازل

أما في محافظة الحديدة وبالتحديد في منطقة المراوعة فقد أدت السيول لتضرر العديد من المنازل والتي شيدت بمحاذاة الوديان متسببةً بوفاة ثلاثة مزارعين ومواطن آخر في منطقة الزهري في ذات المحافظة، وفي محافظة عدن تسببت السيول بفيضانات بمنطقة بئر أحمد والحسوة وانهارت بعض المنازل

في العادة تشهد اليمن أمطارًا غزيرةً نتيجة منخفضات جوية سيما في شهري أغسطس وسبتمبر، لكن تكمن الخطورة تزداد سوءًا عندما تجري السيول باتجاه خزانات حصاد مياه الأمطار؛ إذ يؤدي امتلائها وتدفق المياه منها بانفجارها متسببةً بخطر على السكان

وعادة ما تشيّد خزانات وحواجز حصاد المياه في اليمن بشكل عشوائي أو لا تخضع للصيانة الدورية، والتي تكون عادةً مبنيةً على جرف ترابي أو المبنية على سفوح الجبال أو التي تتواجد أعلاها صخور قابلة للسقوط، حيث تزيد من احتمالية تعرض المباني لأضرار جسيمة، وتسهم في تدهور البنية التحتية، وتهدد الحياة البشرية؛ بسبب احتمالية انهيارها أو تسببها في فيضانات أخرى، خاصة في المناطق ذات البنية التحتية الضعيفة، وبالتالي لا بد من دراسات واستراتيجيات تضمن التخفيف من حدة هذه الكوراث والتقليل من خسائرها، وفقًا لخبراء هندسيين

يقول المهندس المعماري خيرالله العمري إن تشييد الخزانات والحواجز المائية في الأودية والقرى الجبلية وفي مجاري السيول يمثل سيفًا ذو حدين؛ فهي وسيلة للحفاظ على المياه وتنميتها تفاديًا للأزمات المحتملة كما حصل مؤخرًا في تعز، لكنها قد تتحول إلى مصدر خطر جسيم إذا لم تشيّد وفق معايير هندسية دقيقة

المهندس المعماري خيرالله العمري: إن تشييد الخزانات والحواجز المائية في الأودية والقرى الجبلية وفي مجاري السيول يمثل سيفًا ذو حدين؛ فهي وسيلة للحفاظ على المياه وتنميتها تفاديًا للأزمات المحتملة كما حصل مؤخرًا في تعز، لكنها قد تتحول إلى مصدر خطر جسيم إذا لم تشيّد وفق معايير هندسية دقيقة

”ويضيف في حديثه لـ”المشاهد” أنه يمكن إدارة خطورة هذه المشكلة بشكل ممكن إذا التُزم بمبادئ واضحة تراعي خصوصية التضاريس والبيئة اليمنية

ويشير العمري إلى أن مخاطر تشييد وبناء الخزانات والحواجز المائية على السكان والممتلكات تتمثل بالانهيار المفاجئ الذي يولد موجات جارفة من المياه تجتاح البيوت الواقعة أسفلها، بالإضافة إلى التسربات لفترة طويلة والتي تضعف التربة تحت الأساسات وتؤدي إلى هبوط وانزلاقات أرضية ما يتسبب في تدمير الطرق والمسارات الحيوية والثروة الزراعية والحيوانية

يطرح العمري استراتيجيات مقننة لبناء وتشييد الخزانات والحواجز، منها اختيار الموقع والتصميم الهيدرولوجي (أحد فروع علم المياه ويهتم بدراسة إدارة موارد المياه بموازاة حماية البيئة من الفيضانات والكوراث)، والابتعاد عن مجاري السيول

 وتشييد الخزانات على مصاطب جانبية أو أكتاف الوادي مع الإبقاء على ممر آمن للمياه، وتحديد سعة وتصريف الخزان وفق فترة عودة لا تقل عن 25–50 سنة وبقيم أكبر للحواجز الكبيرة

ورفع منسوب حافة الخزان بما لا يقل عن متر واحد فوق أعلى منسوب فيضان متوقع، وإنشاء مفيض قادر على تمرير الفيضانات وتوجيهها بعيدًا عن التجمعات السكنية والأراضي الزراعية، كما يجب التأسيس على أرض صلبة مع حفر كافٍ للوصول إلى طبقات صخرية، ويلزم بناء جدران بسماكة مناسبة تمنع الانزلاق والانقلاب، مع ترابط متين لمواد البناء وفق المواصفات الآمنة، بالإضافة للتشغيل والصيانة قبل موسم الأمطار بحيث يلزم خفض منسوب التخزين لتوفير سعة آمنة

وينصح بتنظيف قنوات التصريف من المخلفات، وفحص الجدران بحثًا عن الشقوق أو الانتفاخات، وتوجيه القنوات والمجاري بعيدًا عن الخزانات إذا بلغت مستويات التخزين حدود الامتلاء

ويقول إن تكرار حوادث انهيار وانفجار خزانات المياه في مناطق مختلفة من اليمن يعكس الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في أسلوب تشييد هذه المنشآت، وعدم إقامتها فوق القرى السكنية لتفادي المخاطر الكارثية، فسوء تخطيط مواقع الخزانات والحواجز المائية وضعف معايير إنشائها يعد مشكلةً وكارثةً طبيعية تتطلب تبني استراتيجيات هندسية سليمة، مدعومة بوعي مجتمعي وصيانة دورية كفيلة بتحويل هذه المنشآت من مصادر تهديد إلى ركيزة للتنمية المستدامة في القرى اليمنية

وللحد من الأضرار الناجمة عن السيول العابرة على خزانات حصاد المياه والسدود، يقول غالب إنه لا بد من اتباع إجراءات عديدة تتضمن التخطيط السليم لإقامة السدود أو الحواجز مع مراعاة عمل الصيانة الدورية السنوية لها، وعمل قنوات لتصريف مياه السدود من خلال إنشاء قنوات رئيسية وقنوات فرعية، وإقامة الجدران علي جانبي الوديان ويلزم أن تكون مرتفعةً عن مستوى سطح الأرض بارتفاع لا يقل عن ثلاثة أمتار

ويطالب الجهات المسؤولة بالقيام بالرقابة علي المباني التي تقام بمحاذاة الوديان ومنع تشييدها لخطورتها على السكان والثروة الحيوانية والزراعية ومختلف الممتلكات، والقيام بعمل حملات توعوية بأضرار البناء العشوائي في مجاري السيول وبطون الأودية، وفرض غرامات مالية لمن يخالف ذلك

حوادث انهيار الخزانات والحواجز المائية ليست جديدة في المناطق التي شهدت سيولًا جارفة مؤخرًا في مديرية جبل حبشي في تعز، ففي عام 1973 انهار خزان كبير في منطقة الكدشة في عزلة البريهة بجبل حبشي، مخلفًا دمارًا واسعًا في الأراضي الزراعية وأضرارًا مادية جسيمة

وسبق أن شهدت مديرية وصاب الأسفل في محافظة ذمار عام 2010 انفجار حاجز مائي؛ تسبب بوفاة خمسة أشخاص وإصابة 5 آخرين، وتكررت ذات الكارثة في مديرية وصاب الأسفل أيضًا في العام 2024 بانفجار حاجز مائي متسببًا بوفاة 27 شخصًا وإصابة ثمانية أشخاص وفقدان حالتين

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير