كيف استُخدم الذكاء الاصطناعي للتضليل بشأن أحداث “حضرموت” في اليمن؟

منذ 4 ساعات

تعز- محمد علي محروسانعكست سخونة الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، شرق اليمن، منذ مطلع ديسمبر 2025، وما لحقها من ردود فعل متباينة محليًا وإقليميًا ودوليًا، على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعيش السخونة ذاتها مع قدرٍ يوازي تباينات المواقف من حيث التحليلات والتجاذبات المستمرة، مع ارتفاع حدتها وصولًا إلى إصدار بيان سعودي رسمي تعليقًا على ما جرى، وتغريدة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان التي دعا فيها المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تغليب صوت العقل بالاستجابة لجهود الوساطة لإنهاء التصعيد وخروج قوات “الانتقالي” من المعسكرات في المحافظتين، وتسليمها سلميًا لقوات “درع الوطن” والسلطة المحلية

في وسائل التواصل الاجتماعي كانت الشائعات والمعلومات المضللة على تنوعها في صدارة المشهد من مؤيدي المجلس الانتقالي ومعارضيه، والجديد في ذلك استعانتهم بالذكاء الاصطناعي في توليد بعض المحتوى والتلاعب بالآخر ضمن سياقات مختلقة كليًا وبما يخدم رواية كل طرف ضد الآخر

من توليد الفيديوهات، إلى الدبلجة والترجمة، وصولًا إلى التعديل على الصور، تعددت الأساليب المستخدمة في عملية التضليل والتزييف، وهي تأتي في شكلها الأولي ضمن المناصرة التي يعتد بها كل طرف تجاه الآخر، لكنها تبقى واحدة من صور تأجيج الصراع وإطالة أمده

رصد معد التقرير يدويا من خلال البحث في منصات التواصل الاجتماعي مجموعة من التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها حسابات يمنية لنشر محتوى مضلل أو مفبرك بهدف إذكاء الصراع أو تقديم معلومات مضللة حول الصراع الدائر في حضرموت، شرق اليمن

وصلت مشاهدات هذه المنشورات الأصلية المختارة لوحدها قرابة 700 ألف مشاهدة، وهو ما يعادل أكثر من 15% من إجمالي المستخدمين النشطين لوسائل التواصل الاجتماعي في اليمن البالغ عددهم حوالي 4

40 مليون حتى بداية 2025، حسب “داتا بورتال“، منصة الكترونية تقدم بيانات استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي حول العالم

وقد تركزت مشاهدات هذه المواد المضللة بشكل أكبر على الفيسبوك، تلاها التك توك، ثم اكس

وكان النصيب الأكبر من هذه المشاهدات للفيديوهات المضللة القائمة على استنساخ الصوت بواسطة أدوات توليد المحتوى بواسطة الذكاء الاصطناعي بواقع 423 ألف، تبعها توليد الفيديوهات المزيفة باستخدام الذكاء الاصطناعي بأكثر من 210 ألف

واحتل في المرتبة الثالثة من المشاهدة لمادة مضللة قائمة على دبلجة ترجمة محرفة لتصريح مرئي للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش وفي المرتبة الأخيرة مادة مضللة قائمة على التلاعب بالصورة

في 11 ديسمبر الجاري انتشر فيديو ادّعى ناشروه أنه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرفض فيه تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، ويدين الخطوة التي اعتبرها -بحسب الفيديو- تخدم الحوثيين

لقيّ الفيديو عشرات الآلاف من المشاهدات، وتداولته حسابات عدة في “فيسبوك”، بينها حساب صادق المحمودي المتابع من 69 ألف شخص، حيث تفاعل معه نحو 1800، وأعاد مشاركته أكثر من 180 شخصًا، و61 ألف مشاهدة، منذ نشره

عند العودة إلى الفيديو الأصلي يظهر أنه بُث في قناة الحدث بتاريخ 10 سبتمبر 2025، وتشير المذيعة في بدايته إلى أنه من افتتاح الدورة التاسعة لمجلس الشورى كما لا يتطابق الكلام مع حركة الشفتين، إضافةً إلى نطق بعض الكلمات بشكل مختلف عن نطقها المتعارف عليه

الفيديو الذي جرى تعديله من فيديو قناة الحدث من الثانية 00:09 حتى 00:20 ثم ينتقل إلى الثانية 00:40 حتى 01:01 ثم من 01:21 حتى 01:58، استخدمت فيه تقنية استنساخ الصوت بالذكاء الاصطناعي، وهي تقنية تسمح بإنشاء نسخةٍ رقمية دقيقة من صوت شخصٍ ما، باستخدام عينات صوتية قصيرة

حساب على منصة “فيسبوك” باسم (يوسف الزبيدي) هو الناشر الأول للفيديو يوم 11 ديسمبر (نحو 300 ألف مشاهدة)، أرفقه بوصف يقول “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحذر المجلس الانتقالي بشأن تقسيم اليمن”

وعلّق الزبيدي على الفيديو لرويترز، “عدلت الفيديو باستخدام تقنية استنساخ الصوت بالذكاء الاصطناعي، وكان عملًا افتراضيًا ليس له علاقة بأي تصريح حقيقي، الفكرة لم تكن بهدف التضليل أو نسب كلامٍ إلى أي شخصيةٍ رسمية، إنما كانت رسالةً رمزية؛ دافعي لإنتاج هذا الفيديو كان مرتبطًا  بقلقي الشخصي من الخطاب الداعي لتقسيم اليمن”

في 22 ديسمبر عاد يوسف الزبيدي إلى تقنية استنساخ الصوت بالذكاء الاصطناعي، وهذه المرة كانت لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي، في فيديو يعلن فيه تعيين وزراء وسفراء، لقيّ 39 ألف مشاهدة، وبنفس الآلية السابقة لم يكن يتطابق في حركة الشفتين مع سرعةٍ غير منطقية لنبرة الصوت، كما أنه في ذكر اسم دولة “اليمن الشعبية الديمقراطية” بينما ما يتم تداوله وتبنيه من الزُبيدي وأنصاره هو مسمى دولة “الجنوب العربي”

من خلال ملامح الزُبيدي في الفيديو المضلل، يتضح أن المقطع قديم، وهو ما أكدته أداة Invid التي توصلت من خلال البحث العكسي في “جوجل” إلى أن المقطع تم اقتطاعه من فيديو بثته قناة الغد المشرق أثناء إعلان عيدروس الزُبيدي تأسيس هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي في 11 مايو 2017

حيث تم استنساخ صوت الزبيدي في الفيديو القديم، لنشر فيديو مضلل يعلن الانسحاب من حضرموت والمهرة في إطار إعادة التموضع أعيد نشر الفيديو ذاته، وهذه المرة لقيّ الفيديو 227 ألف مشاهدة، في 26 ديسمبر الجاري

بينما تظهر صور وفيديوهات حديثة لعيدروس الزُبيدي اختلافًا كبيرًا في ملامح وجهه ولون شعر رأسه ولحيته الذي بات يميل للأبيض أكثر مقارنةً مع الفيديو المنشور

وواصل يوسف الزبيدي لعبته المفضلة في توليد فيديوهات مضللة باستخدام الذكاء الاصطناعي

ففي 27 ديسمبر نشر فيديوهًا منسوبًا للناطق باسم القوات الجنوبية محمد النقيب، مدعيًا أنه بمثابة بيانٍ للقوات الجنوبية جراء غارات الطيران السعودي في حضرموت، لقيّ الفيديو 84 ألف مشاهدة، بينما أصل الفيديو يعود في حقيقته إلى 16 أغسطس 2024 بعد هجومٍ تعرضت له القوات الجنوبية في مديرية مودية بمحافظة أبين، جنوب البلاد

على مستوى الدبلجة كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، هو المستهدف من خلال تحريف ترجمة تصريحٍ له في مقابلته مع قناة العربية في 23 ديسمبر، واستبدال الصوت بترجمةٍ مختلقة كليًا وتقديمه كداعمٍ ومناصرٍ لإعلان دولة الجنوب العربي، بينما كان تصريح غوتيريش أن “التطورات في حضرموت تصعيد خطير وسنفعل كل ما في وسعنا لتجنبه وعودة السلام إلى ‎اليمن”

تقنية استنساخ الصوت لم تكن الوحيدة في معرض الشائعات والمعلومات المضللة المتداولة منذ تفجر الأوضاع في حضرموت مطلع ديسمبر

حيث وصلت حد توليد فيديوهاتٍ كاملة مع وضع سيناريوهات سياقية ونشرٍ مصاحبٍ مزيف كليًا

ففي 24 ديسمبر تداولت حسابات في منصات “فيسبوك” و“تيك توك” و“إكس” فيديو ادّعت أنه للحظة رفع علم الجنوب العربي إلى جانب علم دولة الإمارات في ساحة اعتصامٍ للجنوبيين بإمارة دبي

الناشر الأول للفيديو في “تيك توك” أشار إلى أنه مولد بالذكاء الاصطناعي، لكن المتداولين الآخرين في المنصتين لم يشيروا إلى ذلك، واكتفوا بنشره ضمن سياقات مختلفة تدعم ادّعاءاتهم، ولم تنشر أي وسيلة إعلامٍ إماراتية عن السماح باعتصام الجنوبيين في إمارة دبي

أظهر الفيديو الذي تحققت منه منصتا حقيقة ومسبار مؤشرات وتشوهات عدة تشير إلى أنه مولد بالذكاء الاصطناعي، فمن المشاهد غير المتطابقة في العنصر البشري الذي لم يكن متجانسًا أو متنوعًا، إضافةً إلى عدد الأصابع وحركة الوجوه التي بدت غير طبيعية، إلى الكثافة البشرية غير الواقعية بالنسبة للحشود، وصولًا إلى الأعلام والرموز غير الدقيقة، وحركة القماش المضطربة

ويواصل ameen

mansour  نشر فيديوهات على حسابه في “تيك توك” ولّدها باستخدام الذكاء الاصطناعي، منها ما هو مرتبط بالأحداث الراهنة وأخرى في إطار تصورٍ مستقبلي يخدم السياق ذاته

إضافةً للتضليل من خلال استنساخ الصوت، وتوليد الفيديو، ظهر أيضًا مع أحداث حضرموت التضليل باستخدام تعديل الصور والتلاعب بها

وهذا ما حدث مع صورة نشرت في 20 ديسمبر على أنها لحشود في اعتصام أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي بساحة العروض في عدن، نشرها حساب رشاد باعبدان اليافعي المتابع من 40 ألف شخص في “فيسبوك”

عند البحث العكسي في “جوجل” تبيّن أنها تعرضت للتعديل والتلاعب باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي؛ إذ تظهر الصورة الأصلية عكس ذلك تمامًا، وهي منشورة بذات التاريخ في حساب قناة عدن المستقلة التابعة للمجلس الانتقالي في منصة “إكس”

الفوارق بين الصورتين تبدو واضحة من خلال إزالة الخيام من منتصف الصورة الأصلية ويمينها، وتكثيف الحشود البشرية بدلًا عن الخيام المزالة، عكس ما تبدو عليه في الصورة المنشورة من قناة عدن المستقلة، إضافةً لتباين ألوان الأعلام وعدم تطابقها مع ما في الصورة الأصلية

لا يتوقف حد استخدام هذه التقنيات عند وسائل التواصل الاجتماعي، فلا التراشقات والتجاذبات التي تحصل في الواقع الافتراضي كافية لإنهاء كل شيء، بل تتجاوزها إلى الواقع لنشر الاحتقان والانقسام وتهديد السلم الاجتماعي وتأجيج الصراع وزيادة حدته، تمامًا كما تفعل الشائعات والمعلومات المضللة في أشكالها المعتادة، فكيف إذا استخدمت التقنيات لخدمة هذه الجوانب

تصف ساميةعلّام، مدققة معلومات ومدربة في استخدام الذكاء الاصطناعي بأنه كان مزعجًا ومؤسفًا؛ لأن الذكاء الاصطناعي لم يأتِ من أجل التضليل لكن أطراف الصراع تستغله باحترافيةٍ من أجل تحقيق أهدافهم

تواصل علام حديثها لـ”المشاهد”: “ينجم عن هذه المنشورات تفشي لخطاب الكراهية، وتعزيز الحرب النفسية من خلال الخوف وعدم الأمان لدى الفئات المهمشة”

سامية علام، مدققة معلومات ومدربة في استخدام الذكاء الاصطناعي: ينجم عن هذه المنشورات تفشي لخطاب الكراهية، وتعزيز الحرب النفسية من خلال الخوف وعدم الأمان لدى الفئات المهمشة”

ومن السهولة، وفقًا لعلّام، أن تنتشر المعلومات المضللة ومن الصعب انتشار التصحيح، وهو ما يحتاج إلى آليةٍ متكاملة تصل إلى كل الأطراف حتى تنجح في مهمة المكافحة بدءًا من وسائل الإعلام وصولًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا في ظل استخدام المعلومات المضللة

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: [email protected] تصلك أهم أخبار المشاهد نت إلى بريدك مباشرة

الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن