كيف بدأت الجمعيات التعاونية في اليمن؟
منذ 2 سنوات
لم يكن وضع الدولة اليمنية الجديدة قد استقر، فقد توالت الازمات والحروب نحو عقد من الزمان بعد قيام ثورة الـ 26 من سبتمبر وميلاد الجمهورية العربية اليمنية حينها
في تلك الفترة، لم تكن الدولة قادرة على تقديم شيء لمواطنيها في جانب الخدمات
فالصراعات التي اندلعت عقب الثورة مباشرة، كانت تستنزف دماء المواطنين واموالهم
لكن الناس كانوا يمرضون وكانوا يحتاجون الى الماء والتعليم والخدمات الاخرى التي لا يمكنها الانتظار
في ذلك الحين، كان أبناء عزلة الصنة بمديرية المعافر، بمحافظة تعز، يستدعون طبيبين، أحدهما كان يعمل في مدينة التربة بمديرية الشمايتين وآخر روسي مقيم في مدينة تعز
كان الطبيب الروسي يأتي كل خميس واثنين بعد أن قام الأهالي عبر جمعية أهلية محلية بافتتاح اول مستوصف اهلي في ريف تعز الجنوبي مطلع سبعينات القرن الماضي
لم يكن التواجد المؤقت للطبيبين يمثل حلا شاملا فهناك مرضى يحتاجون إلى ان يظلوا تحت الملاحظة الطبية مدة طويلة
كما أن المستوصف يحتاج تواجد طبيب مقيم يستقبل الحالات الطارئة التي تستلزم تقديم الإسعافات الأولية لذا كانت الفتاتين “قبول” “ومريم” الحل الثاني لمشروع جمعية الصنة فقد تم اقتراح تعليم فتاتين من القرية في المعهد الصحي بمحافظة تعز ليعملن كممرضات في المستوصف
ألهمت التجربة الناجحة في الصنة والشمايتين بتعز، خلال منتصف السبعينات في تبني الدولة إنشاء ما عرف بهيئات التطوير التعاوني أو الجمعيات التعاونية وتم تعميمها على كامل محافظات الجمهورية في وقتها
كانت هذه أول الحلول المجتمعية الجماعية التي قام بها أبناء الصنة في مواجهة مشكلة الاوبئة التي انتشرت في عزلتهم وباتت تهدد الجميع اواخر ستينات القرن الماضي
في العام 1969، تأسست جمعية الصنة تحت الحاح حاجة أبناء العزلة إلى الماء، لكن وبعد أن انتشرت الاوبئة رأى أبناء الصنة أن الصحة قبل الماء
يقول قاسم سعيد الصنوي (52 عاماً) عضو لجنة رقابة مشاريع الصنة يقول” من منطلق أن الصحة قبل الماء تحولنا من مشروع توفير المياه إلى بناء مستوصف بسيط مكّون من 5 غرف”ويوضح الصنوي أن” نسبة التبرعات التي بدأت بها الجمعية كانت تتراوح بين ريال واحد إلى خمسة ريالات يمنية ،مصدرها أبناء الصنة العاملين في بلاد المهجر وفي المحافظات اليمنية المختلفة”
بعد عام واحد من تاسيس الجمعية، اي في عام 1970 قامت جمعية الصنة التعاونية بافتتاح أول مشروع لها وهو المستوصف الذي بلغت تكلفته حينذاك نحو 22 ألف ريال يمني
مثل نجاح مشروع بناء المستوصف الذي قام به أبناء الصنة دافعا حفز الناس للتبرع لمشاريع أخرى كلٍ على حدة
وخلال العام 1974م بدأ بناء أول مدرسة مكوّنة من 3 فصول للصفوف الابتدائية بلغت تكلفتها 17 ألف ريال يمني، لتضاف اليها 6 فصول اخرى العام 1976
يقول قاسم الصنوي متذكرا ” أتذكر عند بناءها كنا ندرس عند الفقيه وهو شيخ يعلم القراءة والكتابة وبعد بناء المدرسة انتقلنا مباشرة الى التعليم المدرسي”
في السبعينات كان عدد سكان عزلة الصنة نحو 2,000 نسمة فقط، وكانوا يتبرعون بريال واحد إلى خمسة ريالات يمني واستطاعوا بناء مستوصف، مدرسة ومشروع مياه في ذلك الوقت
حاليا عدد السكان وصل إلى نحو 20 ألف نسمة، ومايزال ابناؤها يدفعون الاشتراكات بانتظام ويحظون بالخدمات حتى اليوم
كان عدد سكان عزلة الصنة في سبعينات القرن الماضي نحو 2000نسمة لكن هذا العدد من الناس امكنه ايجاد خدمتي الصحة والتعليم قبل ان تصل الى ثلثي البلد حينها
يبلغ طلاب مدارس العزلة اليوم نحو 10 الاف طالب مناصفة بين الذكور والاناث
وفي حين أصبح عدد سكان العزلة نحو 20 الف نسمة، يبلغ رأس مال مشاريع الجمعية اليوم أكثر من 100 مليون ريال يمني بحسب سجلات الجمعية
استمر أبناء الصنة بالتبرع لكل مشروع بشكل منفرد باستثناء اشتراك شهري دائم بمبلغ ١٠٠ ريال يمني عن كل مواطن ظل مستمرا لدعم مزارعي العزلة
ترتفع عزلة الصنة نحو 1,300 مترا عن مستوى سطح البحر وتعد من بين العزل التي تعاني شحا في المياه
أم مرسل(60 عاما) من نساء عزلة الصنة مديرية المعافر تقول ” بدأ حفر أولى الآبار في العام 1979 وحصلنا على اول مياه جوفية في العام 1981″ وتضيف “كان مشروعا صغيرا في منطقة اسمها الكاذية شرقي الصنة استمر تقريبا مدة خمس سنوات فقط”
في منتصف العام 1985 ومع ظهور مؤشرات انخفاض المياه في البئر الارتوازي، كان اهالي الصنة يتوزعون المهام مرة اخرى لحفر بئر جديد في منطقة تتمتع بمنسوب مياه جوفية عالية غربي العزلة، فقد أصبحت مهارات المسح اكثر تطورا من ذي قبل
وساهم طلاب المدارس في نقل المعدات، وساهم الموظفون والعاملون خارج المديرية بتوفير التمويل الى جانب ماتوفر من عائدات المشروع السابق، وكان النساء يقمن باعداد الطعام للعاملين المتطوعين في المشروع
تقول مشيرة وهي احدة نساء العزلة ايضا ” كان للنساء دور اضافي في تمويل هذا المشروع حيث توجهت بعضهن لبيع الحلي والمساهمة في توفير التمويل اللازم”
خلال شهر واحد تمكن اهالي الصنة من حفر بئر وضخ المياه الى الخزان
ويوضح قاسم سعيد الصنوي بالقول “بداية العام 1986 تحول الماء إلى منطقة الرهيبة كان الضخ بداية يتم الى خزان كبير في وسط العزلة ثم صار يغذي خزانات اصغر موزعة على الاحياء ثم تطور الأمر إلى امتلاك كل بيت خزان مع عداد وهي خدمة مستمرة منذ العام 1988وحتى يومنا هذا”تستعرض أم مرسل مشهدا من ذاكرتها حول المعاناة التي واجهها اهالي القرية قائلة ” أتذكر كيف كنّا نذهب إلى الأودية البعيدة لنأتي بالماء على رؤوسنا وظهور الحمير عبر الطرق الوعرة وتحت الشمس المحرِقة كان الامر مرهقا ومهدرا للوقت بشكل كبير”
في العام 1983 افتتحت الجمعية مشروع هاتف الصنة وهو عبارة عن مركز اتصالات تبعه مشروع الكهرباء العام 1987 تطلب انجازه مدة سنتين حتى تمكن المشروع من إيصال الاضاءة الى كل بيت في العزلة
تطورت مبادرات أبناء الصنة من حل المشكلات إلى حل الاحتياجات في ظل نجاح التجارب التي صارت ملهمة للمحيط حيث اصبح ابناء الصنة يصدرون الخبرة الى الدائرة الاوسع
يقول حسن الصنوي(28 عاماً) ” انتشرت تجربة أبناء الصنة في كثير من المناطق المجاورة، مثل الشعوبة والصلو والمسراخ وغيرها”
ويوضح حسن “تعود استمرارية فعالية المشاريع الى حسن الادارة ووضوح ادبياتها المنظمة ” تنتخب جمعية الصنة كل ثلاث سنوات قيادة جديدة مكونة من ثمانية إلى عشرة اشخاص، وثلاثة اشخاص اخرين كلجنة رقابية وذلك من خلال جمعية عمومية تمثل كامل قرى العزلة
في ،2020 جاءت منظمة إلى عزلة الصنة وقامت باستدعاء إدارة مشاريع القرى المجاورة لحضور دورات تدريبية في الصنة ، يتركز محتوى الدورات على أخذ نبذة من أبناء الصنة حول كيفية صناعة المشاريع وبناء الأنظمة واللوائح الداخلية والانظمة الإدارية والمحاسبية
تتضمن عزلة الصنة 22 قرية، ومايزال ابناؤها يدفعون الاشتراكات بانتظام ويحظون بالخدمات حتى اليوم
تجربة عزلة الصنة في مديرية المعافر ترافقت مع تجربة اخرى شبيهة في مديرية الشمايتين المجاورة
وألهمت التجربة الناجحة في الصنة والشمايتين خلال منتصف السبعينات في تبني الدولة إنشاء ما عرف بهيئات التطوير التعاوني أو الجمعيات التعاونية وتم تعميمها على كامل محافظات الجمهورية في وقتها
تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصاديليصلك كل جديدالاعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير