كيف تمكنت السعودية والإمارات من الإطاحة بالرئيس هادي وإخفائه دون شوشرة وصمت من جميع القوى اليمنية
منذ 2 سنوات
اليمن: محاولة لفهم المشكلة واقتراح الحل طاهر شمسان ==================================== لا نعرف جملة في التداول الإعلامي والسياسي اليومي في اليمن تنطوي على قدر وافر من الخفة والمغالطات المنطقية مثل جملة إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة
فالانقلاب المقصود هنا هو انقلاب مليشيا الحوثي، أما الدولة فهي مجرد هياكل مادية ملموسة على الحوثي أن يعيدها إلى المنقلَب عليهم طوعا أو كرها كما لو أنها قطعة أثرية سطا عليها مهرِّب آثار
وتناسى أصحاب هذه الجملة أن المجرد في الدولة أكثر من المحسوس، وأن الدولة في اليمن هي الغائب الأكبر الذي يبحث عنه اليمنيون منذ أن ثاروا على نظام الإمامة القروسطي منذ نحو ستين عاما ولم يعثروا عليها بعد لا في الشمال السبتمبري ولا في الجنوب الأكتوبري
كل المتقاتلين في المشهد اليمني الراهن انقلابيون باحثون عن سلطة للتَّحكُّم والدَّيولة وليس عن دولة للحُكْم وإدارة شؤون البلاد على قاعدة الشراكة الوطنية، وتاريخهم يكاد أن يكون سلسلة طويلة من الانقلابات منذ ما قبل 22 مايو 1990 وما بعده
لكن الانقلاب على وحدة 22 مايو بحرب 1994 كان-بعد انقلاب أغسطس 1968-هو الانقلاب المؤسس الثاني لكل هذا الخراب والدمار الذي يحيط بنا اليوم ويهددنا أرضا وإنسانا
والملفت لانتباه الباحث الفاحص أن القوى التي انقلبت على الشرعية الوطنية لثورة سبتمبر في أحداث أغسطس 1968 هي تقريبا نفسها التي انقلبت على الشرعية الوطنية لوحدة 22 مايو 1990 في صيف 1994
ولأن المقام هنا ليس مقام بحث في تاريخ الانقلابات فسنكتفي منها بالقريبة جدا
1-الانقلاب على ثورة 2011: هذا الانقلاب رعته وأشرفت عليه السعودية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، ونفذته الأطراف اليمنية التي وقعت على المبادرة الخليجية في الرياض وهم أحزاب تحالف اللقاء المشرك ومن معهم والمؤتمر الشعبي العام ومن معه
وهذه الأطراف مجتمعة كانت ومازالت أطراف أزمة وليس بينها طرف واحد يستطيع الآن أن يزعم أنه جزء من الحل
أما المُنقَلب عليه فهو الشعب اليمني-وقواعد الأحزاب جزء منه-الذي خرج عام 2011 يطالب بدولة مدنية لكل أبنائه
التجمع اليمني للإصلاح بجاهزيته التنظيمية وبجيش الجنرال على محسن الأحمر اخترق ثورة 2011 وانقلب عليها من داخلها، وقيادات أحزاب اللقاء المشترك تواطأت معه في هذه العملية
أما المبادرة الخليجية فقد كانت هي المرجعية التي قبل بها الانقلابيون وقبلوا بانقلابها على دستور حرب 1994 حين غلًّبوها عليه ووضعوها فوقه وتحت علي صالح الذي أعطته تلك المبادرة نصف الحكومة واحتفظت له بمعظم السلطات المركزية والمحلية ومنحته ومن معه الحصانة التي يريد وأبقته حاضرا في المشهد السياسي يخطط للانتقام من خصومه
وبهذا المعنى كانت المبادرة الخليجية أيضا انقلابا سعوديا على ثورة الشعب اليمني جاء في سياق موقف المملكة المتوجس خيفة من ثورات الربيع العربي التي تصدر واجهتها الاخوان المسلمون وأغرقوها بشعاراتهم ورمزياتهم وسوقوها على أنها ثوراتهم هم
أما لماذا وقفت المملكة ضد ثورات الربيع العربي فلأنها رأت في اختراقها من قبل الإخوان المسلمين تهديدا لرمزيتها الدينية وقيادتها للعالم الإسلامي السني لصالح تركيا أردوغان الحالم بعودة السلطنة العثمانية بلبوس جديد إلى مركز العالم الإسلامي
2-انقلاب التجمع اليمني للإصلاح على شركائه في تحالف اللقاء المشترك: في البداية سعى التجمع اليمني للإصلاح لاستقطاب عبد ربه منصور هادي إلى جانبه من خلال جهود مبكرة بذلها الجنرال علي محسن عندما كان هادي نائبا للرئيس
والحقيقة أن قيادة حزب الإصلاح حققت النجاح الذي أرادته في هذا المسعى، وعندما أصبح هادي رئيسا كانت قد ضمنت مواقفه معها وذهبت تتعاطى مع المخطط الأمريكي البريطاني لتقسيم اليمن إلى أقاليم ستة، وهدفها من ذلك محاصرة المنطقة الزيدية داخل إقليم أزال، والسيطرة المذهبية على بقية الأقاليم الخمسة، وإنهاء القضية الجنوبية
والصياغة النهائية لمشروع الأقاليم الستة جرت في منزل القيادي المعروف في حزب الإصلاح محمد قحطان الذي حمل المشروع إلى الرئيس هادي بعد التشاور مع الجنرال علي محسن
ومن جانبه عرض هادي المشروع على مستشاريه فاعترض عليه بشدة أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني حينها ياسين سعيد نعمان
ولأمر في نفس علي صالح أيدت قيادة المؤتمر الشعبي العام مشروع الأقاليم الستة الذي جرى إقراره خارج آليات مؤتمر الحوار الوطني خشية أن تذهب أغلبية المؤتمرين إلى ترجيح مشروع الإقليمين الذي أراده أمين عام الحزب الاشتراكي وعارضته الأطراف التي تحالفت ضد الاشتراكي في حرب 1994 وفي مقدمتها حزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام ومعهما الرئيس هادي
الجدير بالذكر أن أحزاب اللقاء المشترك دخلت مؤتمر الحوار الوطني دون أي تنسيق فيما بينها ما يعني أنها كانت قد تخلت ضمنيا عن هذا التحالف، والسبب يعود إلى حسابات خاصة لدى كل من قيادة الحزب الاشتراكي وقيادة حزب الإصلاح
فالقضية المركزية التي أرادت قيادة الاشتراكي تمريرها عبر مؤتمر الحوار الوطني هي فدرلة اليمن على أساس اقليمين بحدود ما قبل مايو 1990 ولعلمها سلفا أن أحدا في تحالف أحزاب اللقاء المشترك لن يجاريها في هذا الأمر فقد اعتبرت هذا التحالف منتهيا دون أن تعلن ذلك رسميا وعلى نحو صريح
باختصار شديد كانت الأقلمة الثنائية هي الأولوية الأكثر الحاحا بالنسبة لقيادة الاشتراكي، بينما كانت المرجعية الدينية للدولة هي الأولوية بالنسبة لقيادة حزب الإصلاح والسلفيين
ولهذا تركت قيادة الاشتراكي المرجعية الدينية للدولة تمر دون مقاومة، وعندما احتجت قواعد الحزب على موقفها هذا قالت ما معناه: لقد قبلنا المرجعية الدينية للدولة لأننا لا نريد أن تظل العين الحمراء واقعة عليكم
والحقيقة أن القيادة النافذة في الحزب الاشتراكي كانت-منذ ما بعد المؤتمر العام الخامس للحزب في يوليو 2005-قد بيَّتتْ النية لدفع الحزب تدريجيا وبدأبٍ مدروسٍ ومنظَّم للتغريد خارج برنامجه، وهذه حقيقة استشعرها مبكرا القائد الاشتراكي أنيس حسن يحي الذي طالما حذَّر من مخاطر تغييب مؤسسات الحزب ومصادرة قراراته، لكن أحدا في الاشتراكي وقتذاك لم يكن مهيئاً لفهم والتقاط ما كان يحذِّر منه هذا الرجل
أما قيادة التجمع اليمني للإصلاح فقد قرأت المشهد على أنه موسم حصاد واستئثار بالغنيمة وأن حزبها يتمتع بفائض قوة تنظيمية وعسكرية وقبلية وشعبية ومالية وله سطوة كبيرة على نصف حكومة باسندوة، وعلى باسندوة نفسه، وسطوة كاملة على الرئيس هادي ومؤسسة الرئاسة، فضلا عن تمتعه بدعم قطري وقبول تركي، ولهذا نفذت انقلابا غير معلن على تحالف اللقاء المشترك الذي لم يعد ذا قيمة بالنسبة لها، ولولا جروح علي صالح الشخصية ورغبته الجامحة في الانتقام لكانت قد انتصرت لعشرتها الطويلة معه وعادت إلى تحالفها القديم، الأمر الذي لم يتم لأن على صالح وقتذاك لم يعد يفكر بعقله وإنما بأوجاعه وأحقاده التي انتهت به إلى الموت بالطريقة التي نعرفها
3-انقلاب الحوثي-علي صالح: كان هذا الانقلاب في بداياته الخفية انقلابا سعوديا اماراتيا في إطار مناوئتهما لقطر وتركيا والاخوان المسلمين، وكان علي صالح قد فكَّر به واقترحه على سعودية الملك عبد الله عبر دولة الإمارات على أن تتولى مليشيا الحوثي وجيش علي صالح (المسمى ظلما جيش الدولة) عملية التنفيذ بينما يتظاهر علي صالح بالحياد إلى أن يجهز الحوثي على خصومه وبخاصة التجمع اليمني للإصلاح والجنرال علي محسن الأحمر والشيخ الزنداني، وفي هذه الأثناء سيعود علي صالح إلى السلطة على حصان أبيض وستضخ السعودية والإمارات المليارات من أجل عودة نظام الرئيس المنقذ المحاط دائما بالرعاية الإلهية
لكن الذي حدث أن الحوثي شارك في الانقلاب وهو يبيت سلفاً الخروج على السيناريو المرسوم وساعده على ذلك أمران اثنان، الأول: أنه كان قد تمكن منذ وقت مبكر من إحداث اختراقات واسعة في مفاصل جيش علي صالح شملت كل مستوياته القيادية تقريبا وعلى نحو يضمن ولاء الجيش له بنسبة عالية جدا؛ أما قابلية جيش علي صالح للاختراق فقد أتت من كونه جيشا جهويا في معظمه وبلا عقيدة وطنية
والثاني: أن الحوثي كان قد وجد في إيران حليفا خارجيا يمكن الاعتماد عليه من أجل الصمود واجتياز امتحان الزمن
وهذا ما حدث بالفعل حيث نجح الحوثي في الخروج على السيناريو وأجهز بسهولة على علي صالح وصمد في مواجهة عاصفة الحزم ومن معها في الداخل اليمني ووصلت صواريخه ومُسَيَّراتُه إلى العمقين السعودي والإماراتي
مشاركة الرئيس هادي في انقلاب الحوثي-علي صالح: برغم تحيز هادي المبكر لقيادة حزب الإصلاح إلا أن هذا لم يمنعه من السعي لأن يكون له حضور عصبوي قوي في الجيش يجعل منه حليفا لحزب الإصلاح وليس مجرد تابع واقع تحت الوصاية
وقد أدخله هذا السعي في خلاف غير معلن مع قيادة حزب الإصلاح إلى الحد الذي جعله يتواطأ مع انقلاب الحوثي-علي صالح بتركه يأخذ مجراه دون أي اعتراض أملا في تحجيم حزب الإصلاح وتقوية مركزه هو
وقد ذهب الخطاب الإعلامي لحزب الإصلاح حينها إلى التصريح دون مواربة بأن هادي خدم ذلك الانقلاب بأن وفر له الغطاء السياسي الذي تجلى من خلال زيارته الخاطفة إلى عمران ليعلن من هناك أن الدولة وصلت إلى تلك المحافظة لأول مرة ربما منذ العام 1962
لكن لابد من استدراك أن هادي لم يكن ليتصرف هذا التصرف ويذهب إلى عمران من تلقاء نفسه وإنما بإيعاز سعودي في إطار مخطط الانقلاب الذي لا يبدو أن الرجل كان على علم بكل تفاصيله الخطيرة حتى عليه
ومهما يكن من أمر استطاع حزب الإصلاح فيما بعد أن يمتص غدر هادي وأن يعيده إلى بيت الطاعة ليتسنى له-في إطار الحرب مع الحوثي-تسويق مليشياته على أنها هي الجيش الوطني وهي جيش الشرعية
علما أنه لا يوجد جيش وطني في اليمن بالمعنى المتعارف عليه للجيوش الوطنية لا قبل 2011 ولا بعد هذا التاريخ إلى اليوم
4-انقلاب الرياض على هادي: بداية يجب التأكيد أن هادي كان رئيسا توافقيا توافقت عليه أطراف أزمة النظام التي وقعت على المبادرة الخليجية، وشرعيته بالتالي كانت شرعية توافقية اعترف بها المجتمع الدولي، ومرجعيتها المبادرة الخليجية التي عطلت الدستور إلى يوم الناس هذا، ولم تكن أبدا شرعية دستورية
وانتخاب هادي بالطريقة التي نعرفها كان انقلابا على الدستور الذي ينص على أن تكون انتخابات الرئاسة تنافسية بين مرشحين اثنين على الأقل
والإعلان الرئاسي الذي تم في الرياض هو انقلاب على هادي، أي انقلاب على الانقلاب
ذلك أنه لا يوجد نص في دستور الجمهورية اليمنية يسمح لرئيس الجمهورية بتفويض صلاحياته، لا برجعة ولا بغير رجعة
أما القائم بهذا الانقلاب فهو السعودية بالتوافق مع دولة الإمارات، ومن المستبعد تماما أن يكون هذا قد تم دون علم وموافقة أمريكا وبريطانيا
إن انقلاب السعودية والإمارات على هادي-علي محسن هو عمليا انقلاب ضد الإخوان المسلمين الذين تمكنوا باكرا من وضع هادي تحت وصايتهم-ليصبحوا هم لحم الشرعية وهيكلها العظمي-وليس انقلابا ضد الشرعية الدستورية التي لا وجود لها
لكن هذا الانقلاب صادف هوى لدى مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي ومليشيا طارق صالح، والأرجح أنه راق أيضا لمليشيا الحوثي
التهيئة لانقلاب الرياض: تتمتع السعودية ودولة الإمارات بفائض كبير في القوة، وفائض كبير في المال، وفائض أكبر وأعمق في اختراق الداخل اليمني عبر تحالف شيوخ القبائل والإسلام السياسي الوهابي بشقيه الإخواني والسلفي، فضلا عن فائض في العلاقات الإقليمية والدولية
وهذه كلها عوامل كانت تؤهلهما لحسم الحرب في اليمن في بضعة أشهر
لكن الذي حدث أن الحرب استطالت وأدركت عامها الثامن
والسبب أن الحرب التي تخوضها هاتان الدولتان في اليمن ليست هي حرب الشرعية ضد الحوثي كما هو معلن في الخطابات الإعلامية والكتابات الصحفية التي تسوق هذه الحرب وتبررها وإنما هي حرب السعودية والإمارات نفسيهما لإعادة رسم خارطة القوة في اليمن على النحو الذي يضمن إضعاف هذا البلد ووقوعه تحت وصايتهما الكاملة موحداً أو مجزَّئاً
ولهذا ليس مستغربا أن تخوض هاتان الدولتان حربهما في اليمن تحت مسمى التحالف العربي لتسويقها على أنها حرب العرب ضد إيران وليس حرب السعودية والإمارات ضد اليمن
ولو أن انقلاب الرياض تم قبل سنتين أو ثلاث من حدوثه لما لقي القبول الذي لقيه يوم إعلانه، أما وقد جاء متأخرا بعض الشيء فلأن السعودية ودولة الإمارات لم تكونا قد تمكنتا من إنضاج الظروف التي هيأت له وسمحت بحدوثه
ومن بين هذه الظروف-وليس أهمها-حالة البؤس التي يعانيها الشعب اليمني جراء استطالة أمد الحرب والحصار وما ترتب على ذلك من بطالة ونزوح وتشرد وارتفاع معدلات الفقر والجوع والأمراض والوفيات وشحة الخدمات وارتفاع كلفتها الأمر الذي أوقع معظم اليمنيين تحت ضغط الحاجة إلى الطعام والدواء والحد الأدنى من الأمن والأمان وليس أكثر من ذلك
ومهما يكن من أمر فإنه من أجل التهيئة لانقلاب ناعم ضد هادي-علي محسن اشتغلت السعودية والإمارات على أكثر من مستوى وعلى النحو التالي: أولا: على مستوى التجمع اليمني للإصلاح
1-أدركت السعودية ودولة الإمارات مبكرا أن الرئيس هادي واقع تحت وصاية حزب التجمع اليمني للإصلاح ما يعني أن هذا الحزب يصادر الشرعية ويختزلها في نفسه ويسوق مليشياته المنتظمة في ألوية عسكرية على أنها هي الجيش الوطني وهي جيش الشرعية
وهذه واحدة من أخطاء حزب الإصلاح التي ترفعها حرب السعودية والإمارات ضد اليمن إلى مستوى الخطايا الكبرى
2-من الطبيعي أن أي حسم سريع للحرب سيعني في المقام الأول تسليم اليمن لحزب الإصلاح على طبق من فضة باعتباره الحزب الوحيد الذي يتمتع بالجاهزية وفائض القوة على كل المستويات التنظيمية والعسكرية والقبلية والجماهيرية والمالية
وهذه نتيجة لا تريدها السعودية وترفضها قطعا وبقوة دولة الإمارات، وفي الوقت نفسه لا تريدها أطراف يمنية كثيرة: مليشيا المجلس الانتقالي؛ مليشيا طارق صالح؛ الحزب الاشتراكي؛ الوحدوي الشعبي الناصر
الخ 3-سعت كل من السعودية ودولة الإمارات إلى إضعاف حزب الإصلاح عسكريا واستنزاف قواته وعدم السماح له بتحقيق أي انتصار على الأرض حتى وإن كان هذا الانتصار ضد الحوثي
4-ولأن القوات التي تواجه الحوثي في مأرب كلها محسوبة على حزب الإصلاح فقد تُركتْ في حالة دفاع ولم تقدم لها أية مساعدة تنقلها إلى حالة الهجوم
ولولا الطيران السعودي لكان الحوثي قد أسقط مدينة مأرب وسيطر على مناطق النفط والغاز، وهذا ما توقعناه وكتبنا عنه في حينه لكنه لم يقع لوجود ممانعة أمريكية بريطانية قوية تعتبر مناطق النفط والغاز خطوطا حمراء
5-لم تبدِ السعودية ولا دولة الإمارات حتى الآن أي اهتمام بالحصار الواقع على مدينة تعز وما يرتبه ذلك من معاناة لسكان هذه المحافظة، والسبب لأن الترسانة العسكرية المحسوبة للشرعية في هذه المحافظة كلها تقريبا تابعة للتجمع اليمني للإصلاح
ومن غير المستبعد أن تشهد تعز المدينة والمحافظة يوما ما مواجهات دامية هي الأعنف منذ بدء الحرب تنتهي بأن ينقل حزب الإصلاح مليشياته من هذه المحافظة إلى مأرب لتحل محلها مليشيا طارق صالح
6-وأخيرا تعرض حزب الإصلاح لضربة موجعة في شبوة لصالح دولة الإمارات
والخلاصة أن حزب التجمع اليمني للإصلاح دفع وسيظل يدفع ثمن سياسة الاستئثار التي يتبعها حتى في الأزمنة العصيبة التي تقتضي التخلي عنها لصالح تحالفات وطنية عريضة
ثانيا: على مستوى الشرعية
1-أدركت السعودية ودولة الإمارات باكرا أن عبد ربه منصور هادي رئيس توافقي معترف به دوليا وأنه بالتالي رمز الشرعية في اليمن، وأنه بهذا المعنى الدجاجة التي تبيض ذهبا
2-إن السعودية ودولة الإمارات عندما قررتا دعم الشرعية كانت لهما-ومازالت-مصالح لها الأولوية على ما سواها، وهذا أمر طبيعي لأنه لا توجد في الخارطة السياسية للعالم دولة واحدة تتصرف في علاقاتها الخارجية بروح الجمعية الخيرية
وبهذا المعنى كانت شرعية هادي هي وسيلة السعودية ودولة الإمارات لمواصلة التدخل والعربدة في الشأن اليمني، ولكن على نحو أخطر هذه المرة
3-منذ البداية وعلى امتداد سنوات الحرب عملت السعودية ودولة الإمارات على تقليم أظافر الرئيس هادي-ومعه حزب الإصلاح-بالتدريج:3-1-جعلتا الرئيس هادي غير قادر على إدارة أمور البلاد من العاصمة المؤقتة عدن
3-2-أجبرتا الرئيس هادي على الإقامة الدائمة في الرياض
3-3-غيرتا خارطة القوة على الأرض وأوجدتا توازنات جديدة أصبحت معها الشرعية هي الطرف الأضعف في الجبهة المناوئة للحوثي
وقد تم ذلك على النحو التالي:أولا: على مستوى الشمال
1: تمكين طارق صالح من الحضور الميداني كأمير حرب في الساحل الغربي: ليس لطارق صالح برنامج سياسي وطني بحجم اليمن يبرر وجوده في المشهد اليمني الراهن، أما النظام الجمهوري الذي يدعي الدفاع عنه فقد تم الانقلاب على مضامينه الوطنية في أحداث أغسطس 1968 وجاء علي صالح ليعمق ذلك الانقلاب بمشروع التوريث الذي فتح أبواب جهنم على اليمن كلها
ومع كل ذلك يلاحظ أن طارق صالح يتشكل كطرف وازن في معادلة القوة التي يجري تكريسها في اليمن وأنه يحظى بالقبول إماراتيا وسعوديا أيضا
2: تمكين عثمان مجلي من الحضور الميداني كحارس بوابة على امتداد الحدود البرية بين السعودية وشمال اليمن
وعثمان مجلي هو من كبار مشايخ صعدة إن لم يكن أكبرهم جميعا، وهو شيخ مشايخ قبيلة جُماعة التي تقطن مساحة واسعة جدا من الأرض في تلك المحافظة
ووالده من المشايخ الذين كانوا ضمن القوى التقليدية التي ناصرت الجمهورية ضد الملكيين في ستينيات القرن الماضي، وبعد أحداث أغسطس 1968 ارتبط بالسعودية شأنه كغيره من شيوخ القبائل، وبالوراثة نقل هذا الارتباط إلى أبنائه الذين راكموا أموالا طائلة جراء تدفق المال السياسي السعودي وأصبحوا من كبار أصحاب النفوذ والمكانة في اليمن
شارك عثمان مجلي في كل حروب صعدة الست مقاتلا ضد الحوثي، لكنه مني بالهزيمة الكاملة أمام هذا الأخير في الحرب السادسة عندما تم اقتحام وتدمير منزله في منطقة رحبان بمدينة صعدة، وعلى إثر ذلك ترك مجلي معقله في صعدة وهرب إلى العاصمة صنعاء
وعندما اجتاح الحوثي العاصمة تركها عثمان مجلي إلى الرياض ليصبح مقاتلا مع السعودية على جبهات الحدود الممتدة من نجران إلى عسير وعَلْبْ باتجاه مديرية باقم في صعدة
وفي الفترة الأخيرة سُلِّمتْ قيادة محور الحدود بالكامل إلى عمر مجلي شقيق عثمان مجلي، ويمتد هذا المحور على طول حدود السعودية مع اليمن مرورا بمحاذاة محافظتي صعدة وحجة إلى منطقة ميدي
وفي مقابل الجهود التي بذلها عثمان مجلي وشقيقه عمر في التحشيد وتشكيل الألوية القتالية على جبهات الحدود كافأته السعودية بتعيينه عضوا في المجلس الرئاسي الذي تشكَّلَ إثر الانقلاب على الرئيس هادي
ثانيا: على مستوى الجنوب
عام 1994 تم إقصاء الجنوب وإخراجه من معادلة القوة بواسطة الحرب وقد ترتب على ذلك مظلمة وطنية كبرى نفذت منها السعودية والإمارات إلى الجنوب على النحو التالي:1-شجعتا الحراك الجنوبي على تأطير نفسه سياسيا تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي وقدمت دولة الامارات لهذا المجلس دعما عسكريا وماليا محسوبا تبقيه تحت نفوها في مناطق معينة
2-بالتوازي مع المجلس الانتقالي الجنوبي أنشأت دولة الإمارات ألوية العمالقة وهي ألوية سلفية بقيادة أبو زرعة
وفي الوقت نفسه أقصت السعودية علي محسن الأحمر من قيادة المنطقة العسكرية الأولى التي تشمل حضرموت والمهرة وسقطرى وعينت بدلا عنه شخصا آخر مواليا لها
وبهذه الطريقة جرى توزيع القوة في الجنوب على ثلاثة أطراف القاسم المشترك الوحيد الذي يوحدها هو التبعية والارتهان للسعودية ودولة الإمارات
ثالثا: على مستوى الطبقة السياسية
لأول مرة منذ سبتمبر العام 1962 تمكنت المملكة العربية السعودية-ومعها دولة الإمارات-من استقطاب معظم الطبقة السياسية في اليمن بشقيها التقليدي والحديث بما في ذلك طابور طويل من المحسوبين على اليسار الماركسي والقومي بينهم قيادات عليا
وبسبب هذا الاستقطاب الكبير نشأ ما يمكن تسميته بالارتهان الجماعي للسعودية ودولة الإمارات
وتكمن خطورة هذا النوع من الارتهان في أن المنخرطين فيه يمارسونه بشجاعة كما لو كان مما يتقبله الضمير الأخلاقي والوطني والإنساني، وهذا بسبب جماعويته التي يحاول المُرْتَهنون أن يحولوها إلى سردية وطنية هم فيها الضحايا والحوثي هو الجلاد، مع أنهم تركوا البلاد للحوثي وأصبحوا أكثر المستفيدين من الحرب ولا يريدون لها أن تتوقف لأنها ببساطة موسم حصاد سخي لن يتكرر
الحل من وجهة نظر الحوثي: لم يقترح الحوثي حتى الآن حلاً سياسيا للمشكلة بقدر ما يسعى إلى فرض نفسه بالقوة كسلطة أمر واقع في الجغرافيا التي يسيطر عليها على أقل تقدير، دون أن يقول إن هذا هو سقف طموحه وإنه سيتوقف عند ذلك، وإنما يقول ويكرر القول بأنه الطرف الوطني الذي يمثل اليمن وأن القوى الأخرى مجرد مرتزقة تعمل لصالح العدوان وتمرير مشاريعه
ومعنى هذا أن الحوثي لا يملك مشروعا لحل سياسي يحرج به الأطراف الأخرى ويلزمها بالتعاطي معه
ومن لا يملك حلا يستوعب جميع الأطراف ليس من حقه أن يدَّعي الأفضلية
الحل من وجهة نظر الشرعية: بحسب وزير خارجية الشرعية أحمد عوض بن مبارك يكمن جذر المشكلة اليمنية في دعاوى الحق الإلهي، وبالتالي ليس هناك من حل سوى الحل العسكري الذي يجب أن يفضي إلى هزيمة ساحقة للحوثي تخرجه نهائيا من معادلة القوة ومن معادلة السياسة وربما من الحياة عموما
ومعنى هذا أن الشرعية هي الأخرى لا تملك مشروعا لحل سياسي يستوعب كل الأطراف، وأنها مستفيدة من الحرب ولا تريد لها أن تتوقف
أسئلة لابد من طرحها: إذا كان جذر المشكلة اليمنية يكمن في دعاوى الحق الإلهي كما تقول الشرعية على لسان وزير خارجيتها فعليها أن تتكرم وتقدم لنا إجابات على الأسئلة التالية:1-كيف نفسر إقدام الجبهة القومية عشية استقلال الجنوب على تصفية جبهة التحرير؟ وعلى افتراض أن ميزان القوى حينها مال لصالح هذه الأخيرة هل كانت ستقول للقوميين: من دخل بيت قحطان الشعبي فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن؟ 2-كيف نفسر تحالف حزب البعث مع القوى التقليدية للتنكيل بحركة القوميين العرب في أغسطس 1968؟ وعلى افتراض أن ميزان القوى في صنعاء مال حينها لصالح حركة القوميين العرب هل كانت ستقول لخصومها: من دخل بيت الشيخ عبد الله الأحمر فهو آمن، ومن دخل بيت الشيخ سنان أبو لحوم فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن؟3-لماذا عادت القوى التقليدية ونكلت بحزب البعث حليفها في أحداث أغسطس1968، هل لأنه ادَّعى الحق الإلهي في الحكم؟ 4-لماذا ذهب الحزب الاشتراكي إلى انقسام دموي في يناير 1986، هل لأن علي ناصر تذكر حَسَنِيَّتَه وادعى الحق الإلهي في الحكم؟5-لماذا كفَّر الشيخ الزنداني دستور دولة الوحدة وقال إنه يساوي بين من كان كافرا ومن كان مؤمنا؟ ولماذا اتكأ التجمع اليمني للإصلاح على فتاوى الزنداني وذهب يقرع طبول حرب 1994 بحماس لم نجد نظيرا له حتى عند حليفه في تلك الحرب المؤتمر الشعبي العام؟ 6-لماذا لم يستطع شعار الوحدة تَجُبُّ ما قبلها أن يحول دون مراكمة شروط أزمة دولة الوحدة ودفع البلاد نحو حرب 1994 التي أسَّستْ لكل الانهيارات التي تلتها بما في ذلك الانهيار الذي شهدته العلاقة بين حليفي تلك الحرب، والانهيار الذي نحن فيه اليوم؟ هل كل هذا حصل لأن الحزب الاشتراكي ادعى الحق الإلهي في الحكم؟7-هل الحوثي فعلا يدعي الحق الإلهي في الحكم ويقاتل من أجل هذا الحق؟ أم أن هذا الكلام يقال في إطار الحرب الإعلامية المتبادلة المنفلتة من كل قيود المسئولية الوطنية والاجتماعية؟ وعلى افتراض أن الحوثي يحلم في أعماق نفسه بعودة الإمامة ويعمل من أجل ذلك، هل هذا أمر ممكن من الناحية الموضوعية، أم هو مغامرة فاشلة وعواقبها كارثية حتى على الحوثي نفسه؟ جذر المشكلة اليمنية: إن جذر المشكلة اليمنية هو عدم قبولنا بالآخر الشريك معنا في الوطن لمجرد مغايرته لنا بهذا القدر أو ذاك مذهبيا أو جهويا أو عرقيا أو طبقيا أو أيديولوجيا أو سياسيا
الخ وبسبب هذه المغايرة نستبعد تماما إمكانية التعايش معه على قاعدة الندية والمساواة في الحقوق والواجبات لتصل العلاقة بيننا إلى الإقصاء المتبادل بواسطة القوة، والمنتصر هو الذي يحكم ويتحكم ويفرض مذهبيته أو جهويته أو عرقيته أو أيديولوجيته أو نهجه السياسي ثم يوظَّف كل إمكانيات الدولة والمجتمع لتكريس ما يريد كأمر واقع على حساب الاستقرار وعلى حساب التنمية
وعلى هذا الأساس يغيب الوطن وتتحول جغرافيته إلى مسرح لحروب دورية
وجذر المشكلة اليمنية قديم لا يجوز بأي حال من الأحوال اختزاله في جماعة الحوثي
الطبيعة الثقافية لجذر المشكلة اليمنية: وأول ما نلاحظه على جذر المشكلة اليمنية أنه ذو طبيعة ثقافية في المقام الأول، الأمر الذي يعني أنه ليس مُنتَجاً قاصراً على هذه الجماعة أو تلك ولا على هذا المكوِّن أو ذاك ولا على هذا الطيف السياسي أو ذاك وإنما هو منتج شاركت في صناعته كل الجماعات والمكونات والأطياف السياسية في اليمن ما دامت تلتقي في مشترك ثقافي واحد هو نتاج تفاعل تاريخ اليمنيين مع جغرافيتهم عبر القرون التي تشكل خلالها اليمن الحضاري الثقافي
وليس من الموضوعية في شيء إلقاء اللائمة على هذا الطرف أو ذاك
فعدم القبول بالآخر الشريك معنا في الوطن ظاهرة ملازمة لكل الاتجاهات السياسية في اليمن من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وتفاصيل صراعاتنا وحروبنا القريبة التي سلف ذكرها تؤكد هذه الحقيقة
والحرب الراهنة لا تخرج عن هذه القاعدة قيد أنملة
نشأة الجماعة الحوثية - المقدمات والأسباب: لم تهبط الجماعة الحوثية علينا من الفضاء الخارجي، ولا هي نبتة شيطانية غريبة كما يصورها خصومها الذين يسمون أنفسهم بعنصرية وقحة أقيال، وإنما لها جذورها المتأصلة في النسيج الاجتماعي لليمن، وبالتالي فإن التعرف على مقدمات وأسباب نشأتها أمر في حدود الإمكان وليس من قبيل اختراع العجلة، وهذا ما سنحاول توضيحه للقارئ اللبيب فيما يلي: 1-قبل ثورة 26 سبتمبر 1962 كانت شرعية الحكم في المملكة المتوكلية اليمنية شرعية دينية
وأي شرعية دينية هي بالضرورة شرعية مذهبية سواء كان الدين هو الإسلام أو غيره
2-المذهب الذي قامت عليه الشرعية الدينية للحكم في المملكة المتوكلية اليمنية هو المذهب الزيدي الهادوي الذي يقوم على حصر حق الإمامة في البطنين
3-الحامل الاجتماعي للمذهب الزيدي في اليمن هم كل الزيود سواء كانوا هاشميين أو قحطانيين
4-الحامل السياسي للمذهب الزيدي في اليمن هم فئة الهاشميين الزيود فقط، والإمام لا يجب أن يكون إلا حسينيا أو حسنيا من هذه الفئة
5-المذهب الزيدي متجذر في اليمن منذ قرون وهو أحد تنويعات الثقافة اليمنية
6-أطاحت ثورة سبتمبر 1962 بنظام الإمامة وألغت الشرعية الدينية للحكم وأعلنت عن قيام شرعية بديلة هي الشرعية الوطنية وأساسها المساواة بين جميع اليمنيين في الحقوق والواجبات باعتبارهم مواطنين بصرف النظر عن المذهب والجنس واللون ومحل الميلاد
7-شهدت اليمن حربا أهلية بين الملكيين والجمهوريين امتدت من سبتمبر 1962 إلى سبتمبر 1970 مني خلالها نظام الإمامة بهزيمة سياسية وعسكرية، لكنها ليست هزيمة ثقافية بالضرورة، لأن الثقافي يهزم بالثقافي وليس بالبندقية ولا بالبيانات والخطابات السياسية
8-منذ الأشهر الأولى لثورة 26 سبتمبر 1962 كان واضحا أن الفاعلين في الشأن اليمني منقسمون ثقافيا إلى قوى تقليدية ماضوية وقوى حداثية مستقبلية، ومنقسمون سياسيا وعسكريا إلى ملكيين وجمهوريين
9-كل القوى الحداثية تموضعت سياسيا وعسكريا في الصف الجمهوري، وكانت متمثلة في حركة القوميين العرب وحزب البعث إلى جانب الطلائع الأولى للناصريين والماركسيين والمستقلين
10-جزء من القوى التقليدية تموضع سياسيا وعسكريا في الصف الملكي، وجزء آخر تموضع سياسيا وعسكريا في الصف الجمهوري
ومن بين أبرز رموز القوى التقليدية التي تموضعت في الصف الجمهوري نذكر على سبيل المثال لا الحصر الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم والشيخ أحمد علي المطري
11-إن تموضع جزء من القوى التقليدية في الصف الجمهوري يعني أن هذا الجزء قد تموضع سياسيا وعسكريا خارج سياقه الثقافي
وإذا علمنا أن السياسي متغير تابع لمتغير مستقل هو الثقافي فمعنى ذلك أن تموضع ذلك الجزء من القوى التقليدية في الصف الجمهوري لم يكن تموضعا أصيلا، أي أنه لم يكن تموضعا متسقا مع الشرعية الوطنية التي أعلنتها وقامت من أجلها ثورة 26 سبتمبر 1962
12-إن تموضع جزء من القوى التقليدية سياسيا وعسكريا خارج سياقه الثقافي مكَّنه من التخطيط-بالتنسيق مع السعودية-لحرب مؤجلة مع القوى الحداثية في الصف الجمهوري ومن داخل الصف الجمهوري، والتخطيط لمصالحة مؤجلة مع القوى التقليدية في الصف الملكي ومن داخل الصف الجمهوري
وهذا ما حدث بالفعل حيث وقعت الحرب في أغسطس 1968 ووقعت المصالحة في سبتمبر 1970
13-إن قوى الحداثة في الصف الجمهوري هي الحامل السياسي للشرعية الوطنية التي أعلنتها وقامت من أجلها ثورة 26 سبتمبر 1962، والتنكيل بهذه القوى في أحداث أغسطس 1968 إنما عبَّرَ فيما عبَّرَ عن رفض القوى التقليدية للشرعية الوطنية
14-قامت مصالحة سبتمبر 1970 بين القوى التقليدية في الصف الجمهوري والقوى التقليدية في الصف الملكي على ركنين معلنين وثالث غير معلن كما يلي: 14-1-استبعاد بيت حميد الدين ومعها نظام الإمامة (معلن)
14-2-النظام الجمهوري (معلن)
14-3-قيام نظام الحكم على شرعية دينية وليس على شرعية وطنية (غير معلن)
والركن الثالث هو من صميم العقيدة الوهابية التي تنظر إلى الرابطة الوطنية على أنها بدعة ولا تقبل إلا بالرابطة الدينية
ولذلك ترفض الوهابية مفاهيم المواطن؛ والمواطنة؛ والأخوة في الوطن
والمفاهيم المعتمدة في العقيدة الوهابية هي مفهوم المؤمن ومفهوم الأخوة في الإيمان
15-بعد أحداث أغسطس 1968 تم بالتدريج-وعلى نحو غير معلن-تهميش الشرعية الوطنية لثورة 26 سبتمبر برسم القضاء عليها والشروع في إقامة شرعية دينية بديلة هي مذهبية بالضرورة، ولكن المذهب هذه المرة هو الوهابية
16-المذهب الوهابي هو الأيديولوجيا الرسمية والشعبية في المملكة العربية السعودية، وهو بالنسبة لليمن مذهب وافد ودخيل
17-أي توجه لنقل الوهابية إلى اليمن وتحويلها إلى أيديولوجيا رسمية وشعبية يعني وضع هذا البلد في حالة تبعية كاملة لمملكة آل سعود، وهذا ما كان يتم بالفعل
18-الحامل السياسي للوهابية في اليمن هو تحالف الإسلام القبلي والإسلام السياسي ممثلا بالإخوان المسلمين وبدعم مادي سعودي سخي
ومن بين أبرز رموز هذا التحالف نذكر على سبيل المثال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والشيخ عبد المجيد الزنداني
وهذا التحالف هو أكبر مُصَنِّعٍ لمشاكل اليمن
19-ليس للوهابية حامل اجتماعي في اليمن وإنما أريد فرضها على اليمنيين بالترغيب والترهيب عبر السيطرة على التعليم النظامي والموازي وعلى القضاء والأوقاف والشئون الدينية وعلى الإعلام والثقافة، وعبر شبكة واسعة من المعاهد الدينية، فضلا عن المحاضرات المنتظمة في معسكرات الجيش والأمن تحت شعار الله الوطن الثورة
والحقيقة أن الوطن والثورة في هذا الشعار للتمويه فقط، أما الله فليس هو الله الذي في وجدان وضمير الشعب اليمني المؤمن وإنما هو الله وفقا للتصور الوهابي، أي الله الذي يحب الوهابيين فقط ويكره غيرهم
20-منذ مطلع السبعينيات-وتحديدا بعيد المصالحة مع الملكيين-ذهبت سلطة تحالف الإسلام القبلي والإسلام السياسي الوهابي، مسنودة بمال سياسي سعودي سخي، تمارس اختراقا مذهبيا واسعا للمناطق الزيدية من خلال استحداث المعاهد العلمية والمعاهد السلفية دون أي مبرر منطقي أو وطني أو حتى ديني لهذا الاختراق
فالمذهب الزيدي مستقر في اليمن منذ قرون طويلة وهو مكوِّن أساس في ثقافة المجتمع اليمني، ولم يثبت أبدا أنه مثَّل يوما ما عامل إعاقة للتغيير والتنمية، بل الثابت بالأسماء وبالأرقام أن معظم أعضاء تنظيم الضباط الأحرار الذين خططوا للفعل الثوري وأطاحوا بنظام الإمامة ببطولة لافتة في 26 سبتمبر 1962 هم من فئة الهاشميين، ومن هذه الفئة كان أوائل شهداء الثورة ممن شاركوا في اقتحام قصر البشائر
21-التفسير الوحيد لاختراق المناطق الزيدية وهابيا هو الاعتقاد أن أية مقاومة متوقعة لتوطين الوهابية في اليمن ستأتي من داخل المذهب الزيدي ولذلك يجب اقتلاع هذا المذهب من جذوره، وليس من قبيل المصادفة أن أول معهد ديني وهابي بني في اليمن إنما بني في المنطقة الزيدية وهو معهد جحانة وسط خولان
22-إن استهداف المذهب الزيدي بالمعاهد العلمية والسلفية، وفي معقله التاريخي، لم يكن سوى استهدافا مبكرا للسلم الاجتماعي في عموم اليمن
وما تشكيل جماعة الشباب المؤمن إلا بداية رد الفعل على ذلك الاستهداف، وهي بداية انطوت على خطر لم يدركه مؤسس جماعة الشباب المؤمن الباحث في التراث الزيدي محمد عزان الذي وضع لنفسه ولجماعته هدفا ثقافيا خالصا هو إحياء المذهب الزيدي في مواجهة السلفية الوهابية التي أخذت تجتاح البلاد من داخل التعليم النظامي ومن خارجه
23- إن إحياء المذهب الزيدي لا يكون إلا عبر مؤسسات فكرية وثقافية يديرها باحثون ومثقفون ولها مخرجات فكرية وثقافية أبرزها الكتب والمجلات والندوات المفتوحة للمهتمين وليس عبر جماعة من الشباب المنتظم في مئات الخلايا والحلقات المتباعدة مكانيا والتي لا تصلح لإحياء التراث وإنما للتعبئة التي تأخذ طابعا أيديولوجيا بالضرورة
وهذا ما حدث بالفعل حيث أصبح المؤسس عزان يمارس-من حيث يدري أو لا يدري-دور الداعية الأيديولوجي وليس دور الباحث المجدد
ولهذا أفلت الأمر بمنتهى السهولة من يد المؤسس الذي أخطأ دوره ليقع بيد الداعية الأيديولوجي الذي يعرف ماذا يريد
24-ودون الدخول في التفاصيل نَشَأَتْ جماعة الحوثي وترعرعت في منطقة طرفية لم تصل إليها رياح التغيير التي هبت على اليمن مع ثورة 26 سبتمبر 1962 وذلك بسبب سيطرة تحالف الإسلام القبلي والإسلام السياسي الوهابي على مقاليد الأمور في البلاد منذ ما بعد أحداث أغسطس 1968 وانشغاله الشديد بملاحقة قوى الحداثة تحت مسمى محاربة الحزبية والأفكار المستوردة
25-هكذا كانت بدايات ومقدمات نشأة جماعة الحوثي قبل أن تردد الصرخة وقبل أن تحمل السلاح
وهكذا أيضا كانت بدايات الجماعات السلفية قبل أن تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى التدريب على استخدام السلاح والانتظام في عشرات الألوية القتالية المسماة ألوية الحماية وألوية العمالقة وألوية العربية السعيدة وقوات أبي العباس
لكن الأقيال يرون الرَّمد الذي في عيون أبو علي الحاكم ويوسف المداني ولا يرون الخشب الذي في عيون أبو زرعة وأبو العباس وقادة مليشيا حزب الإصلاح، وهذا من طبع المتحيزين عنصريا وطائفيا حين ينظرون إلى الأشياء بطريقة انتقائية فيرون عيوب عمرو ولا يرون عيوب زيد
لقد تحول الشباب المؤمن إلى جماعة قتالية ملتحمة بالسلاح ومتوحدة مع خصائص بيئتها الطبيعية والاجتماعية والثقافية، وخاضت حروبا ستة كانت خلالها تحظى بتعاطف إعلامي من قبل أحزاب اللقاء المشترك تبين أنه تعاطف تكتيكي نكاية برئيس الجمهورية حينها علي صالح وليس تعاطفا وطنيا صادقا يرتب على أصحابه سلوكا إيجابيا تجاه هذه الجماعة يولد لديها اطمئنانا على مصيرها السياسي كجماعة ذات رابطة تضامنية قوية خاضت ستة حروب وخرجت منها منتصرة
وعندما انعقد مؤتمر الحوار الوطني كانت السيطرة العسكرية والأمنية لهذه الجماعة قد تعدت حيدان ومران لتشمل كامل محافظة صعدة ومنطقة حرف سفيان ولها أنصار وقاعدة عضوية كبيرة في معظم محافظات شمال البلاد
التحول إلى مسمى أنصار الله: عشية انعقاد مؤتمر الحوار الوطني أطلقت جماعة الحوثي على نفسها مسمى أنصار الله
وكان هذا أقصى ما تقدر عليه جماعة طرفية منبهرة أيديولوجياً بنظام الملالي في إيران ولديها اعتقاد أن حزب الله اللبناني هو الأنموذج الوضَّاء لمعنى ومبنى الحزب السياسي
التجمع اليمني للإصلاح وأنصار الله: من سوء حظ أنصار الله أنهم تحولوا إلى هذا المسمى في وقت لم يكن فيه بين الأحزاب السياسية اليمنية التي تسمي نفسها عريقة حزب واحد يتمتع بالجاذبية والقدرة على استقطاب الشباب الباحث عن أدوار لتصريف طاقاته سوى التجمع اليمني للإصلاح النقيض الأيديولوجي لأنصار الله
وهذا التجمع هو الوعاء التنظيمي المعلن لتنظيم الإخوان المسلمين فرع اليمن الذي تأسس على قاعدة العداء للشرعية الوطنية لثورة 26 سبتمبر 1962 باعتبار الوطنية عنده بدعة، وشاركت طلائعه الأولى في أحداث أغسطس 1968
ومنذ ذلك الوقت بدأت الحقبة السعودية في اليمن، ومعها وفي ظلها بدأ التحام الإخوان المسلمين بالنظام السياسي فيما يشبه الزواج الكاثوليكي بينهم وبين مراكز القوى القبلية والعسكرية
وعندما أهلَّ العام 1990 كان الإخوان المسلمون قد أصبحوا القوة الوازنة الأكثر تأثيرا حتى داخل المؤتمر الشعبي العام، وكانوا هم الواجهة الأيديولوجية للنظام السياسي
ومن خلال التحامهم القوي بنظام الحكم ومنظومة المصالح القائمة استطاع الإخوان المسلمون أن يطبعوا كل شيء في البلاد بطابعهم حتى كاد نمط الحياة في الجمهورية العربية اليمنية أن يكون إخوانيا وهابيا بامتياز في المدن والأرياف وفي أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية وفي كل مرافق ومصالح الدولة إلى درجة لم يبقَ معها هامش حرية ولو محدود لما هو غير إخواني وغير وهابي
وعندما وقع علي صالح وعلي سالم البيض على اتفاق الوحدة في 30 نوفمبر 1989 عارض الإخوان المسلمون ذلك الاتفاق ووقفوا ضد الوحدة اليمنية ليس لأنهم لا يريدونها وإنما لأنها اقترنت بالديمقراطية وقامت على مبدأ الشراكة الوطنية والاعتراف المتبادل والقبول بالآخر، وهذا في أيديولوجيتهم وعقيدتهم السياسية غير مقبول
ولذلك أربكوا الحياة السياسية طوال الفترة الانتقالية التي أعقبت قيام الوحدة ولم يقر لهم قرار حتى نجحوا في دفع البلاد إلى الحرب وإخراج الحزب الاشتراكي من الشراكة الوطنية وتحويله إلى حزب شبه محظور
وقد تكرر موقف الإخوان المسلمين هذا مع أنصار الله حين اشترط عليهم التجمع اليمني للإصلاح تسليم السلاح والتحول إلى حزب سياسي مقابل الاعتراف بهم كشريك وطني والقبول بإدماجهم في المنظومة السياسية للبلاد
والحقيقة أن هذا الاشتراط يعني أشياء كثيرة نفصل بعضها على النحو التالي:1-كل من التجمع اليمني للإصلاح وأنصار الله تأسس على شرعية دينية هي بالضرورة مذهبية، لكنها في حالة التجمع مذهبية وهابية، وفي حالة الأنصار مذهبية زيدية، وكليهما (الوهابية والزيدية) على طرفي نقيض والعلاقة بينهما يحكمها مبدأ الاستبعاد المتبادل وليس القبول المتبادل
وهذه إشكالية مزمنة لا حل لها سوى أن يتخلى التجمع والأنصار عن الشرعية الدينية ويعيدا بناء نفسيهما على أساس الشرعية الوطنية
والتخلي عن الشرعية الدينية مطلوب ليس فقط لتسوية العلاقة الثنائية بين التجمع والأنصار وإنما لإقامة علاقة سوية مع كل القوى والمكونات السياسية في البلاد، ما لم فإن اليمنيين لن يتقدموا خطوة واحدة باتجاه الاستقرار
2-إن اشتراط التجمع اليمني للإصلاح على أنصار الله تسليم سلاحهم ينم إما عن غباء سياسي وإما عن دهاء سياسي
في الحالة الأولى كيف تطالب جماعة بتسلم سلاحها وأنت تعلم علم اليقين أن السلاح هو عنصر قوتها الوحيد وأنها بدونه لن تجد من يلتفت إليها
وفي الحالة الثانية يعبر هذا الاشتراط التعجيزي عن تحبيذ خيار الحرب مع الأنصار على خيار السلام مع تحميلهم كامل المسئولية المترتبة على ذلك
3-إن اشتراط التجمع اليمني للإصلاح على أنصار الله التحول إلى حزب سياسي هو شرط تعجيزي ليس له أي تفسير سوى أن التجمع لا يعي معنى ومبنى الحزب السياسي، ولا يدرك أنه هو نفسه ليس حزبا سياسيا بعد، وهذا حكم لا يسري عليه وحده وإنما يسري على كل الأحزاب في الساحة اليمنية بما في ذلك الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام والوحدوي الشعبي الناصري
والحقيقة أننا في هذه الجزئية أمام إشكالية معرفية تشمل إلى جانب مفردة الحزب السياسي مفردتي الدولة والديمقراطية، وما لم تخضع هذه المفردات المتداخلة لحوار مستفيض حولها بهدف بناء معرفة مشتركة بشأنها فمعنى ذلك أن الأطراف المعنية في اليمن ستظل غير مؤهلة للخروج من أزماتها المزمنة والسير باتجاه المستقبل
أنصار الله والحزب الاشتراكي اليمني: العلاقة بين أنصار الله والحزب الاشتراكي ستكون أحد الموضوعات الساخنة جدا إذا قدر لها يوما ما أن تكون موضوع نقاش جاد داخل هذا الحزب
نقول هذا لأن مشهد هذه العلاقة بعد عاصفة الحزم غير متسق كليا مع مشهدها قبل تلك العاصفة
ومن يعتقد أن القيادة النافذة في الحزب الاشتراكي أرعبها اجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء واضطرها إلى الرحيل مثلما هو الحال مع اليدومي والآنسي وحميد الأحمر سيكون ساذجا ومثقوب الذاكرة، وسيكون أكثر سذاجة إذا اعتقد أن المانشيت الذي استقبلت به صحيفة الثوري اجتياح الحوثي لصنعاء إنما كان يعبر عن موقف قيادة الاشتراكي
فقيادة الاشتراكي كانت تعلم أن عبد الملك الحوثي ليس الملك حسين وأن أبو علي الحاكم ليس وصفي التل، وتعلم أن علي محسن ليس ياسر عرفات ولا عبد المجيد الزنداني جورج حبش، وبالتالي فإن ذلك المانشيت باق مجهول الهوية إلى اليوم رغم أن الشهر كان بالفعل شهر أيلول
إن اجتياح مليشيا الحوثي لصنعاء كان في 21 سبتمبر 2014 ولم يصدر عن قيادة الاشتراكي ما يفيد أنها أيدت ذلك الحدث، لكن لم يصدر عنها أيضا ما يفيد أنها كانت ضده
وبعد أقل من ثلاثة أشهر على اجتياح صنعاء، وتحديدا يوم 15 ديسمبر كان حمزة الحوثي يلقي كلمة أنصار الله في الكونفرنس الحزبي الذي عقده الحزب الاشتراكي في مبنى الكلية الحربية بصنعاء
وعندما بدأ طيران عاصفة الحزم يغطي سماء صنعاء ويرعب ساكنيها في مارس 2015 أعلنت قيادة الاشتراكي أنها ضد الحرب وضد الانقلاب، لكنها بدأت ترحل اختياريا من صنعاء الواحد تلو الآخر فبدا الأمر كما لو أنها ضد الانقلاب وليس ضد الحرب
والحقيقة أن موقف قيادة الاشتراكي-وأقصد القيادة النافذة-ضد الانقلاب ليس موقفا أصيلا وإنما هو من مقتضيات وتجليات تأييدها للحرب حيث تأييد الحرب هو الأصل والعداء للانقلاب هو الفرع
ومهما يكن من أمر فإن أوضاع الحزب الاشتراكي الراهنة لا تحتمل مناقشة هذه القضية
لكن يجب أن يكون مفهوما من الآن أن علاقة الحزب الاشتراكي بأنصار الله لم تمر عبر مؤسسات الحزب وإنما صنعها في كل الأحوال نافذون في تلك المؤسسات، ولو أنها مرت عبر مؤسسات الحزب لكان مشهدها مختلفا، لا معهم ولا ضدهم، ولكان الحزب شوكة ميزان تشرئب إليه أعناق كل الأطراف
أما وقد سارت الأمور على النحو الذي رأيناه فإن خسارة الحزب كبيرة بما لا يقاس ومكاسب القيادة النافذة أيضا كبيرة بما لا يقاس
مشاركة أنصار الله في مؤتمر الحوار الوطني: المستقر في وعي كثير من اليمنيين أن مشاركة أنصار الله في مؤتمر الحوار الوطني تمت على خلفية الاعتراف بهم من قبل الأحزاب السياسية الأخرى وبخاصة التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام
وهذا كلام-ليس فقط غير دقيق-وإنما غير صحيح البتة
فأنصار الله شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني بعد أن فرضوا أنفسهم كقوة يتعذر تجاهلها أو تجاوزها وليس بمقدور حزب سياسي واحد أن يمنَّ عليهم بتلك المشاركة
ولو أن قيادات الأحزاب السياسية تحترم نفسها لكانت فئة المهمشين قد حصلت على تمثيل في مؤتمر الحوار الوطني أكبر من أي مكوِّن آخر بالنظر إلى حجمها العددي الكبير وإلى حجم المظلمة الواقعة عليها تاريخيا من قبل كل اليمنيين
حل المشكلة اليمنية: من استعراضنا السابق للمشكلة واضح أنها ذات بعدين داخلي وخارجي، وهذان البعدان متداخلان ويتبادلان التأثير إلى حد كبير إلى درجة يتعذر معها معالجة البعد الداخلي للمشكلة دون معالجة بعدها الخارجي، والعكس صحيح
والمقصود بالبعد الخارجي علاقة اليمن بجواره الإقليمي القريب ممثلا بالمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي
وهذه العلاقة قابلة للمعالجة الموضوعية الآن بالنظر إلى التحولات التي تشهدها المملكة العربية السعودية في ظل قياداتها الشابة المتحررة إلى حد كبير من أعباء العلاقة القديمة بين الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية
إن صياغة جديدة لعلاقة اليمن بالمملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي غير ممكنة ما لم تمر عبر مؤتمر إقليمي يناقش كل تفاصيل هذه العلاقة من المبادئ إلى الأهداف والإجراءات مرورا بمناقشة مخاوف كل الأطراف في سبيل صياغة إيجابية لعلاقة قائمة على الأمن المتبادل والمصالح المتبادلة بحيث تمر هذه العلاقة عبر المؤسسات الرسمية للدولة فقط ولا يخالطها شيء من الأيديولوجيا أو المال السياسي
أما البعد الداخلي للمشكلة اليمنية فيحتاج إلى معالجة يمنية-يمنية تستبعد الحل العسكري باعتباره خاطئا بالمطلق لأنه يفضي إلى منتصر غير مؤهل للانتصار على انتصاره، وإلى مهزوم يتربص للأخذ بالثأر، الأمر الذي يستحيل معه حدوث استقرار مستدام
أما الحل السياسي فيجب أن يمر عبر معالجة وطنية لجذر المشكلة المتمثل في عدم القبول بالآخر
وهذا يقتضي أن يكون موضوع حوار يمني-يمني سنأتي على تفاصيله في ورقة تالية
صنعاء 12 ديسمبر 2022