لحج: “الباعة الجائلون” خارج نطاق الدعم

منذ 5 ساعات

لحج- أنسام عبداللهتزايدت الأعباء الاقتصادية على المواطنين في اليمن عمومًا، ومحافظة لحج خصوصًا؛ نتيجة ظروف ما بعد حرب 2015، التي أدّت إلى انهيار مؤسسات الدولة، وظهور قطاعات أعمال غير منظمة

قطاعات مستحدثة لا تخضع للتسجيل الرسمي أو الإحصاءات الحكومية المنتظمة، وتزايدت نتيجة فقدان الوظائف الحكومية، وعدم انتظام صرف المرتبات؛ ما جعل الأعمال الحرة، “مثل الباعة الجائلين”، حلًا لا بد منه؛ لتجاوز الظروف الإنسانية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها الناس

والباعة المتجولون غالباً هم من الفقراء الذين يعتمدون على هذا النشاط كمصدر دخل أساسي، حيث يعتبرون البسطات والعربات الصغيرة بديلاً اقتصادياً ملائماً في ظل الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة

وتقول “منظمة الأمم المتحدة للأغذية” والزراعة (الفاو) في نشرتها الدورية عن السوق والتجارة، نشرت في 26 أكتوبر 2025، أن أكثر من 18 مليون شخص في البلاد، أي ما يقرب من نصف السكان سيضلون يعانون انعدم الأمن الغذائي الحاد حتى فبراير 2026

وهذا يعني أساسا أن هذا النوع من الباعة في تزايد مستمر

بطبيعة الحال الباعة المتجولون ليس لهم موقع ثابت لعرض منتجاتهم أو خدماتهم وبالتالي ليس عليهم التزامات مالية وإدارية مثل دفع إيجار المحل، دفع الضرائب، فواتير الكهرباء أو حتى تسجيل النشاط التجاري

وتحاول السلطات منع تجمعهم في الطرقات العامة حتى تحاظ على نظام السير

وفي بعض المحافظات أنشأت السلطات المحلية أسواقا شعبية مركزية بمثابة نقاط تجمع لهذا الصنف من الباعة للحد من سلبيات تجمعهم في الشوارع والطرقات

ويستفيد بعض الباعة المتجولين من خدمات الدفع الالكتروني بهدف تسهيل بيع منتجاتهم

حيث يعلقون لوحات بارزة للزبان تظهر رقم الخدمة المالية الخاصة بالبائع وعليها شعار أو اسم مزود الخدمة

لكن هذه الأعمال ليست سهلة، ومحفوفة بالمخاطر؛ نتيجة عدم استقرارها وتعرض الباعة لملاحقات؛ نتيجة عدم التزامهم بالبيع في الأسواق المركزية المعتمدة

“خالد قاسم”، نازح من محافظة تعز، مديرية “سامع”، منذ قرابة تسع سنوات؛ بسبب ظروف الحرب، يسكن مع أسرته المكونة من 15 شخصًا في منطقة صبر بمحافظة لحج، في بيت إيجار

يتحدث عن عمله كبائع جائل: “كنتُ أعمل في بيع وشراء المزروعات، ووضعي مستقر ماديًا، إلا أن ظروف الحرب أجبرتني على النزوح مع أسرتي، واستقر بنا الحال في صبر”

ويضيف لـ”المشاهد”: “اضطررتُ للعمل كبائع جائل بعربتي هذه، حيث أبيع العصائر، وفي فصل الصيف أستطيع تحقيق الأرباح، لكن في الشتاء اضطر للاستدانة لتوفير احتياجات عملي الأساسية؛ نظرًا لإقبال الناس على العصائر في فصل الصيف بشكل أكبر، كما أتناوب مع أبنائي في عملي، أنا نهارًا وهم ليلًا”

خالد قاسم، بائع متجول في لحج: اضطررتُ للعمل كبائع جائل بعربتي هذه، حيث أبيع العصائر، وفي فصل الصيف أستطيع تحقيق الأرباح، لكن في الشتاء اضطر للاستدانة لتوفير احتياجات عملي الأساسية؛ نظرًا لإقبال الناس على العصائر في فصل الصيف بشكل أكبر

”وتابع: أتحاشى الوقوف على الطرق العامة قدر الإمكان، ورغم ذلك تظل حملات البلدية تتابعنا باستمرار، وآخر مرة أخذوا مني المولد الكهربائي، والعصّارة، واضطررتُ إلى إخراجهم بمبلغ مالي، مع التزامي بالعمل بعيدًا عن الطريق العام”

وحول حصوله على دعمٍ من المنظمات المجتمعية، أشار إلى أن ثلاث جمعيات أخذت بياناته في شهر رمضان الماضي، على أساس مساعدته ببناء بيت، كونه يعيش في منزل بالإيجار؛ لكنه لم يحصل على شيء

وقال: “لم أحظى بالانضمام لأي قائمة للمشاريع الصغيرة التي تدعمها المنظمات الدولية، وأتمنى الاستفادة منها لاستخراج الترخيص وتطوير مشروعي، لكن للأسف يتم استثناءنا، ولا نعلم ما السبب”

داعيًا مكتبي الشؤون الاجتماعية والأشغال بالمحافظة للتعاون مع الباعة الجائلين، والنظر إليهم بعين الرحمة

في ركن بفناء مدرسة “سامية مبروك” بمنطقة صبر، تتوارى “أم محمد” خلف الطالبات الذين يشترون منها “بطاطس المقرمشات” أثناء الفسحة

وهي تبيع على استحياء، اقتربنا منها لنسألها عن حالها، فتحدثت بخجل لـ”المشاهد”: “أعيل أسرتي المكونة من طفلين، وأساعد زوجي في مصاريف البيت، وليس لدينا دخل ثابت، فزوجي يعمل بالأجر اليومي”

وتضيف: “تخرجتُ من الثانوية العامة وكنتُ آمل بالالتحاق بالكلية، إلا أن ظروفنا الصعبة حالت دون القدرة على تكاليف الكلية

فرأى أهلي أن الزواج أنسب حل

فتزوجتُ وها أنا أساعد أسرتي بإصرار، ولم استسلم للظروف، رغم المعوقات التي تعترض طريقنا”

فأنا وزوجي نقيم في منزل أهلي، وليس في منزله بقريته “هران”، وذلك بحثًا عن بيئة عمل، فمنطقة صبر العمل فيها أفضل”

وعن برامج الدعم التي تنتهجها بعض المؤسسات النسوية والدولية قالت: “تمنيتُ الالتحاق بالدورات التأهيلية التي يقيمونها في صنع المعجنات، والطبخ، والتي تأتي ضمن مشاريع تمنح المستفيدات أدوات طبخ ومبالغ مالية لمساعدتهنّ على البدء بمشروعهنّ

وذهبت عدة مرات إلى مسؤولة تسجيل الحالات لكنها قالت إن قائمة الأسماء تأتي جاهزة وليست هي من تسجل المستفيدات”

وتتساءل بحسرة: “ماذا لو شملوني بإحدى هذه المشاريع، وحصلتُ على أدوات الطبخ، لكنتُ الآن في بيتي معززة مكرمة، ولديّ مشروع توصيل للمنازل ودخلي ممتاز، لكن في كل مرة يحدث فيها تسجيل يتم استثنائي؛ نتيجة الوساطات والمحسوبيات في عمل بعض المؤسسات”

أم محمد، بائعة متجولة في تبن لحج:ماذا لو شملوني بإحدى هذه المشاريع، وحصلتُ على أدوات الطبخ، لكنتُ الآن في بيتي معززة مكرمة، ولديّ مشروع توصيل للمنازل ودخلي ممتاز، لكن في كل مرة يحدث فيها تسجيل يتم استثنائي؛ نتيجة الوساطات والمحسوبيات في عمل بعض المؤسسات”

في الشارع الخلفي بمدينة حوطة لحج المحروسة، يقف “عبدالواحد سعد عبدالله” خلف صندوقه الخشبي البسيط، مخبئًا فيه بعض المأكولات الخفيفة اعتاد على بيعها طوال 15 عامًا؛ معيلًا أسرته المكونة من خمسة أفراد، دون أي دخل آخر

يقول عبدالواحد لـ”المشاهد”: “خلال هذه السنين لم يأتِ إليّ أحد لتسجيلي ضمن المشاريع الصغيرة، ولم يتم دعمي بأي شيء

وأتمنى أن يتم إعطائي سلة غذائية شهريًا، كمساعدة في دعم مشروعي وتطويره، فالظروف الاقتصادية صعبة والأسعار في ارتفاع

لافتًا إلى أنه يتجنب الإضرار بحركة المارة في الشارع قدر الإمكان، حيث لم يغير مكانه طيلة هذه السنين

مدونة سلوك تمنع دعم البائعات المتجولات رئيسة جمعية “شباب الحمراء” بقرية الحمراء، مديرية تبن، في لحج، نجلاء شائف، تقول لـ”المشاهد”: دعمنا النساء البائعات في المنازل لأنه يهمنا حمايتهنّ من أي تحرشات أو مضايقات في الشارع

لكن يصعب توفير الدعم للبائعات الجائلات؛ لأننا بذلك نلحق بهنّ الضرر؛ لذا نحن لا نتعدى مدونة السلوك الخاصة بحقوق الإنسان لمنظمة “انترسوس” العاملة بمجال الدعم الإنساني في لحج، وتقضي بحماية النساء والأطفال من التعرض لأي عنف، لكننا نثمن جهودهنّ في العمل عوضًا عن التسول

من جانبه، يرى نائب مدير مكتب الأشغال العامة والطرقات، بمديرية تبن، محافظة لحج، جلال الظبي، “أن السوق المركزي الذي تم إنجازه منذ سنين ليست ببعيدة، وبلغت تكلفته قرابة مليون ريال يمني هو المكان الأنسب لجميع الباعة، سواءً الثابتين أو الجائلين، ممن يبيعون الخضار والأسماك والمأكولات الخفيفة”

“ورغم ذلك نحاول قدر الإمكان التعاون معهم، ونسمح لهم بالبيع

لكن دون الإضرار بمداخل الخطوط العامة وحركة السيارات مثلما كان حاصلًا في مفرق الوهط، ولا بأس بأن يعملوا في الأزقة وبعيدًا عن أماكن الازدحام المروري”

يقول الظبي لـ”المشاهد”

نائب مدير مكتب الأشغال العامة والطرقات، بمديرية تبن، محافظة لحج، جلال الظبي: نحاول قدر الإمكان التعاون معهم، ونسمح لهم بالبيع

لكن دون الإضرار بمداخل الخطوط العامة وحركة السيارات مثلما كان حاصلًا في مفرق الوهط، ولا بأس بأن يعملوا في الأزقة وبعيدًا عن أماكن الازدحام المروري”ويضيف: “الباعة الجائلون في سوق الفيوش ما يزالوا يشكلون عبئًا كبيرًا؛ نتيجة العشوائية التي أضرت بالطريق العام في السوق”

وتوعد برفعهم قائلًا: “عازمون على مواصلة حملات الإزالة للمخالفين ممن يعيقون حركة السير، وتأمين حق المارة في حرية الحركة”

تشير رئيسة مؤسسة عطاء بمنطقة صبر في لحج (منظمة غير حكومية)، رواية مجلي، في حديثها لـ”المشاهد”، إلى استفادة عدد من أصحاب المشاريع الصغيرة في لحج من التدخلات التي يقدمها برنامج الأمم المتحدة الانمائي، ومركز الملك سلمان للإغاثة والتنمية، ومؤسسة توكل كرمان الإغاثية، عن طريق مشاريع وتدخلات محددة، بحسب اختيار مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل، ووفق معايير معينة

وتضيف: “التمويل الأصغر متاح للمشاريع في لحج من قبل البنوك والمؤسسات المتخصصة، إلا أن تلك المشاريع والقروض الميّسرة لا تصل إلى مستحقيها الحقيقيين غالبًا

وتطغى المحسوبية على العمل، في ظل عدم وجود الرقابة الإدارية الكافية على نشاط المنظمات العاملة في لحج؛ مما يدفع كثيرًا من الفقراء للجوء للعمل كباعة جائلين”

راوية مجلي، رئيسة مؤسسة عطاء بمنطقة صبر في لحج: التمويل الأصغر متاح للمشاريع في لحج من قبل البنوك والمؤسسات المتخصصة، إلا أن تلك المشاريع والقروض الميّسرة لا تصل إلى مستحقيها الحقيقيين غالبًا

وتطغى المحسوبية على العمل، في ظل عدم وجود الرقابة الإدارية الكافية على نشاط المنظمات العاملة في لحج؛ مما يدفع كثيرًا من الفقراء للجوء للعمل كباعة جائلين

”وتواصل: “وهم بذلك يتحملون الكثير من المشكلات والمواجهات مع البلدية، ويتحملون أعباء الاستدانة، وعدم ضمان المردود المادي الكامل للبضاعة اليومية”

لذا تقترح مجلي عمل قاعدة بيانات تتسم بمصداقية تشمل الأسر الأشد فقرًا والباعة المتعففين المحتاجين للدعم العاجل لتجاوز هذه الظروف الصعبة التي تمر بها اليمن عمومًا

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن