لماذا غابت السعودية والكويت عن لقاء أبو ظبي؟
منذ 2 سنوات
اجتمع قادة قطر والأردن والبحرين وعُمان والإمارات ومصر في أبو ظبي مؤخرا تحت عنوان عام يمكن تلخيصه بالتشاور حول «الاستقرار والازدهار في المنطقة وترسيخ التعاون بين دولها»، وبما أن هذه القضايا تخص أيضا طرفين بارزين في منطقة الخليج، وهما السعودية والكويت، فقد أثار غيابهما عن الاجتماع، بعض التساؤلات
قبل الاجتماع الآنف بأسبوع طالب صندوق النقد الدولي «حلفاء مصر الخليجيين» الوفاء بتعهداتهم الاستثمارية، وتسهيل «شركاء مصر الدوليين والإقليميين وخاصة الدول الخليجية» منح 14 مليار دولار، وهو ما دفع مراقبين عديدين للاعتقاد بأن لقاء أبو ظبي كان لبحث تلك المطالبة
====================================كان صندوق النقد قد وافق على منح مصر قرضا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، غير أن هذا القرض لا يستطيع أن يسدّ أعباء خدمة الدين العام الذي شارف وقت سدادها هذا العام
إضافة لذلك فقد اشترط الصندوق على الدولة المصرية القيام بإصلاحات هيكلية واسعة، وتعزيز الشفافية بما يضمن بيع الأصول العامة، لسداد ديون الصندوق والشركاء الدوليين، والتي ستصل مع نهاية العام الحالي إلى 200 مليار دولار
يمكن لهذا أن يفسّر تصريحات وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، التي أطلقها بعد يوم من الاجتماع المذكور، من دافوس السويسرية، والتي أكد فيها أن المملكة ستغيّر طريقة تقديم المساعدات لحلفائها
كان لافتا قول الجدعان: «نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم»، وهو ما يمكن اعتباره نقدا ضمنيا للسياسات المالية للدول المعنية (التي لم يسمّها)
أقوال المسؤول السعودي كانت قد سبقتها، قبل أسبوع، تصريحات من أسامة شاهين، أمين سر مجلس الأمة الكويتي، الذي حذّر حكومة بلاده من الاستجابة لمطالبة صندوق النقد الدولي بتسديد 14 مليار دولار على شكل ودائع وقروض لمصر لسد العجز في ميزانيتها العامة، بل طالب حتى باستعادة الودائع الكويتية «المعطلة»، كما وصفها
تظهر التصريحات السعودية والكويتية، وحتى اشتراطات صندوق النقد الدولي، وجود إحساس بأن السياسات المالية للدولة المصرية أشبه بثقب أسود للأموال
تبدو المنح والقروض الخليجية، وحتى قروض الصندوق الدولي، بهذا المعنى، دفوعات مصروفة من مستقبل البلاد لتمويل المؤسسة العسكرية (صفقات الأسلحة)، والأجهزة الأمنية (التي امتدت شركاتها إلى الإنتاج التلفزيوني)، والصرف على المشروعات الكبرى، مثل إنشاء العاصمة الإدارية، وبناء مدن في الصحراء، وكذلك لتمويل شركات الجيش التي تنافس القطاع الخاص، وتتمتع بإعفاءات وامتيازات، وتتملك الأراضي الواسعة، وتسيطر على صناعات كبيرة، من محطات الوقود، إلى الزراعة، والنفط، والإسمنت، والصناعات الغذائية
الغائب الأكبر في هذه المعادلة هو الشعب المصري الذي يناضل أفراده للحصول على قوت يومهم، بعد أن زاد التضخم على 20٪، وانخفض الجنيه، منذ عام 2015 أكثر من أربع مرات ونصف (من 7 جنيهات للدولار إلى 32 جنيها)، وفي ظل هيمنة الجيش (المحميّ، والمعفى من الضرائب، والمتمتع بالامتيازات)، ومنافسته القاسية للقطاع الخاص، أكبر موظف للعمالة في البلاد، والذي يعاني من عجز في العملات الأجنبية، يتراجع الاقتصاد المصري من دون أفق للتحسّن، وتنضاف أعداد أكبر من المصريين إلى الطبقات الفقيرة، حيث يقبع قرابة 60 مليون مصري تحت خط الفقر
ينتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشكل متكرر، الزيادة السكانية الكبيرة في مصر، ويطالب المصريين بخفض الولادات، وتفرض السلطات ضرائب على الزيجات، ولكن الزيادة السكانية وحدها لا تفسر السياسات الخاطئة للحكومات المصرية، والمسؤولية في التدهور الحاصل مرتبط بالسياسات المالية التي تقوم بتوسيع العجز في الميزانية عبر الصرف الذي لا يتناسب مع الموارد، وتغطية ذلك بالحصول على قروض دولية كبيرة بفوائد تعتبر الأعلى في العالم، مضافا إلى ذلك الأعطاب الكبرى على الاقتصاد التي تخلفها هيمنة الجيش على الاقتصاد، وما يتبع ذلك من الإضرار الكبير بالقطاع الخاص، وصرف أموال القروض على مشروعات كبرى، ثم الاقتراض مجددا لدفع فوائد القروض