ليانغ سوو لي : التقدّم التكنولوجي يقود الزراعة الصينية نحو مسار التحديث الجديد

منذ 3 ساعات

ليانغ سوو لي عند المنعطف التاريخي بين ختام الخطة الخمسية الرابعة عشرة وبداية الخطة الخمسية الخامسة عشرة، تقف الزراعة الصينية على أعتاب مرحلة جديدة من التطور الشامل

 وخلال السنوات الخمس الماضية، تسارعت خطوات التحديث الزراعي في البلاد بوتيرة لافتة، من الحقول التجريبية إلى الأراضي الواسعة، ومن المختبرات إلى القرى الممتدة، وكان المحرّك الأساسي وراء هذا التحول هو الابتكار العلمي والتكنولوجي

 وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ مرارًا أن تحديث الزراعة يعتمد في جوهره على تحديث العلوم والتكنولوجيا الزراعية، وهو ما أثبتته التجربة العملية، إذ أصبحت التكنولوجيا اليوم المحرّك الرئيسي لتحقيق التنمية الزراعية العالية الجودة في الصين

وخلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة، تم تطوير منظومة الابتكار العلمي والتكنولوجي الزراعي بصورة شاملة، وتعزيز التنسيق بين مختلف الجهات المعنية

 وتمتلك الصين اليوم أكثر من 800 معهد ومركز بحثي زراعي يعمل فيها ما يزيد على 120 ألف باحث متخصص، يشكّلون شبكة متكاملة للبحث والابتكار تمتد من المستوى المركزي إلى المحلي، وتغطي جميع مراحل البحث والتطوير والتطبيق

 وقد ارتفعت مساهمة التقدم التكنولوجي في النمو الزراعي إلى 63

2%، لتصبح الصين ضمن الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال

وهذا الإنجاز لا يعكس فقط الارتقاء الشامل في القدرات العلمية والتقنية الزراعية، بل يجسد أيضًا تفوق النموذج الوطني الصيني في تعبئة الموارد لخدمة الابتكار العلمي وتطبيقاته العملية

وتظهر نتائج الابتكار العلمي بوضوح في أرض الواقع

فقد حققت حملة إنعاش صناعة البذور إنجازات بارزة تمثلت في تطوير أصناف جديدة من الأرز العالي الجودة والإنتاجية، والقمح الموفر للمياه والمقاوم للأمراض، وفول الصويا العالي الإنتاجية والغني بالزيت

 واليوم تأتي أكثر من 95% من المساحات المزروعة في الصين من أصناف محلية، وفي مجالي الثروة الحيوانية وتربية الأحياء المائية، نجحت الصين في كسر الاحتكار الأجنبي من خلال تطوير سلالات ممتازة مثل دجاج اللحم الأبيض وأبقار هواشي والجمبري الأبيض، مما عزز حصتها في السوق تدريجيًا

 وفي الوقت ذاته، شهدت الزراعة الصينية انتشارًا واسعًا للمعدات المتقدمة مثل الجرارات الثقيلة وآلات جني القطن والحصادات المتعددة الوظائف وآلات البذر الدقيقة، مما رفع كفاءة الإنتاج الزراعي وأحدث نقلة نوعية في أساليب الزراعة التقليدية

والأهم من ذلك أن النتائج العلمية لم تعد حبيسة المختبرات، بل انتقلت بسرعة إلى الحقول

فهناك أكثر من 400 ألف فنّي وخبير زراعي يعملون ميدانيًا على مدار العام، إلى جانب برامج الخدمة المبتكرة مثل المبعوثين التقنيين والأكاديميات الزراعية القروية ومراكز الخبراء في حديقة العلوم والتكنولوجيا الزراعية، التي تشكّل منظومة متكاملة لتطبيق التكنولوجيا الزراعية الحديثة

 وبفضل هذه الجهود، تم تعميم تقنيات فعالة مثل الزراعة الكثيفة المنظمة، والريّ والتسميد المتكامل، والمعالجة الشاملة بالمبيدات، ما حوّل الأراضي إلى حقول مزدهرة ومنتجة ومستقرة

وهكذا لم تعد التكنولوجيا مجرّد بحوث أكاديمية، بل أصبحت أداة عملية لزيادة الإنتاج ورفع دخل المزارعين وتحسين مستوى معيشتهم

ورغم هذه الإنجازات الملموسة، ما زالت أمام الزراعة الصينية مهام جديدة وتحديات متزايدة على طريق بناء قوة زراعية عظمى

ففي ظلّ التغير المناخي وشحّ الموارد، يتعيّن على الصين البحث عن حلول مبتكرة ضمن مسار التحول الأخضر منخفض الكربون

 ويُعد تطوير الزراعة الرقمية والذكية والدقيقة من أبرز الاتجاهات المستقبلية

فالتقنيات الحديثة مثل شبكات الجيل الخامس، وإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة تُعيد صياغة نموذج الإنتاج الزراعي: إذ تمكّن الآلات الزراعية الذاتية القيادة من تنفيذ العمليات بدقة متناهية، وتُسهم أنظمة الريّ الذكية في رفع كفاءة استخدام المياه، بينما تتيح تقنيات الاستشعار عن بُعد للمزارعين مراقبة نموّ المحاصيل لحظة بلحظة

هذه التطورات تجعل الزراعة أكثر كفاءة واستدامة وقدرة على مواجهة التحديات البيئية

وخلال فترة الخطة الخمسية الخامسة عشرة، ستواصل الصين تعميق التكامل بين الابتكار العلمي والتنمية الصناعية الزراعية من خلال تنفيذ مشاريع استراتيجية لتطوير شركات تكنولوجية زراعية رائدة ذات تنافسية عالمية

كما تشجع الشركات الكبرى على إنشاء تحالفات ابتكار لتعزيز التفاعل الإيجابي بين البحث العلمي والإنتاج، إلى جانب تعزيز حماية الملكية الفكرية وتوسيع نطاق التعاون الدولي، بما يعزز حضور الصين وتأثيرها على خريطة الابتكار الزراعي العالمية

لقد تجاوزت الزراعة الصينية اليوم مرحلة الاعتماد على الطقس والمطر (الظروف المناخية)، لتتحول إلى قطاع حديث نابض بالحيوية والابتكار

فالتكنولوجيا جعلت البذور أكثر جودة، والآلات أكثر ذكاءً، والإدارة أكثر دقة، كما جعلت جهد المزارعين أكثر قيمة وعائدهم أكثر استقرارًا

 وتشهد الزراعة الصينية اليوم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة؛ فبعد أن كان تحقيق وفرة المحاصيل يعتمد أساسًا على التقنيات الزراعية التقليدية، أصبحت الصين اليوم تبني حقولًا ذكية تُدار عبر أنظمة الحواسيب، ولم يعد المزارع يقضي معظم وقته في الحقول كما في الماضي، بل يعتمد بشكل متزايد على البيانات الضخمة لاتخاذ قراراته الزراعية بدقة وفعالية

وفي المستقبل، ستظل الابتكارات العلمية الدعامة الأساسية لتحديث الزراعة الصينية

فبفضل الابتكار والإنتاج الذكي والتنمية الخضراء، تمضي الزراعة الصينية بثبات نحو مرحلة أكثر كفاءة واستدامة وتنافسية

وكما قال أحد المزارعين: الزراعة اليوم لا تعتمد على العرق فقط، بل على الذكاء أيضًا

 هذه العبارة البسيطة تختصر بصدق مسيرة تحديث الزراعة في الصين، وتعكس الثقة الراسخة في بناء قوة زراعية حديثة تسهم في أمن الغذاء العالمي ورفاهية الشعوب