مأرب: الريال يتحسن والإيجارات لا تنخفض
منذ 3 ساعات
مأرب- محمد الوجيهتشهد مدينة مأرب اليمنية أزمةً سكنيةً خانقة، تفاقمت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، بفعل الارتفاع الكبير في إيجارات المنازل
ممّا جعل امتلاك شقةٍ سكنية حلمًا بعيد المنال لشريحة واسعة من المواطنين، لا سيما أولئك الذين يعيشون أوضاعًا اقتصاديةً صعبة، وسط موجة نزوحٍ مستمرة من مناطق الصراع في البلاد إلى المدينة
منذ منتصف العام الماضي، سجّلت أسعار الإيجارات قفزات وصلت إلى ثلاثة أضعاف عمّا كانت عليه في السابق، متأثرةً بعدة عوامل، أبرزها التدفق السكاني المستمر إلى المدينة، بالإضافة إلى محدودية المعروض العقاري وتفاوت الرقابة على السوق من قبل الجهات المعنية، وكذلك التلاعب بأسعار صرف العملة الوطنية
هذه الظروف مجتمعة جعلت السكن في مأرب أزمةً متنامية، لا تمس فقط القدرة على الاستئجار، بل تلقي بظلالها على الاستقرار الاجتماعي والمعيشي للمقيمين والوافدين على حدٍّ سواء
تعيش محافظة مأرب موجة تضخمٍ سكاني غير مسبوقة، وبحسب تقديرات الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، بلغ عدد السكان نحو 3,070,904 نسمة، بينهم أكثر من نصف مليون من المجتمع المضيف
هذه الزيادة الهائلة دفعت الطلب على المساكن للارتفاع إلى مستويات تفوق العرض بكثير
يقول مدير مكتب “دليلك للتوظيف والخدمات العقارية” في مأرب، أسامة عبده، إن المدينة أصبحت تعاني من انفجارٍ سكاني نتيجة النزوح الكبير، يقابله عجز حاد في توفر الشقق والمنازل
ومع زيادة الطلب وقلة العرض، استغل بعض ملّاك العقارات هذا الوضع برفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، دون أي مراعاةٍ للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن
ويقول المواطن مفيد هزاع في تصريح لـ«المشاهد نت»: “ملّاك العقارات كانوا يرفعون الإيجارات بداية كل عام بشكل مضاعف، أما الآن ومنذ أن بدأ انهيار العملة الوطنية باتت هناك تحديثات في أسعار الإيجار، إن لم تكن محددة بالعملات الصعبة، مستغلين حاجة المستأجرين”
ويشير إلى أن مالك العقار الذي كان يسكن فيه طلب منه إيجار شقة مكوّنة من غرفتين بمبلغ 600 ريال سعودي شهريًا، متحججًا بأنها في وسط المدينة، بينما طلب على شقة بثلاث غرف 1000 ريال سعودي، بالإضافة إلى ضمانة تجارية وخمسة أشهر مقدمًا
رغم التحسن في سعر صرف الريال اليمني مقابل الريال السعودي والدولار، إلا أن هذا التغير لم ينعكس إيجابًا على سوق الإيجارات
فقد تجاهل معظم ملّاك العقارات هذا التحسن، واستمروا في فرض أسعار مرتفعة، بل وابتكروا أساليب جديدة للتحايل على المستأجرين
يقول المواطن سالم القحطاني إن بعض الملّاك عمدوا مؤخرًا إلى تثبيت الإيجارات بالأسعار السابقة، متذرعين بعدم استقرار السوق، رغم تحسن الريال اليمني
كما لجأ آخرون إلى إضافة رسومٍ جديدة تحت مسميات مختلفة مثل “خدمات إضافية” أو “صيانة دورية”، دون أن يكون لها وجود فعلي
ويقول القحطاني في حديثه لـ”المشاهد”: “كنا نأمل أن يؤدي تحسن الريال اليمني إلى تخفيف العبء علينا، لكن ما حدث هو العكس تمامًا
الملّاك أصبحوا أكثر تعنتًا، حيث يطلبون الإيجار بالدولار والريال السعودي مع إدراكهم لصعوبة الحصول على العملة الصعبة بسبب الإجراءات الحكومية الأخيرة”
سالم القحطاني، مواطن في مأرب: كنا نأمل أن يؤدي تحسن الريال اليمني إلى تخفيف العبء علينا، لكن ما حدث هو العكس تمامًا
الملّاك أصبحوا أكثر تعنتًا، حيث يطلبون الإيجار بالدولار والريال السعودي مع إدراكهم لصعوبة الحصول على العملة الصعبة
”مضيفًا: “وكأنهم يعيشون في سوق خارجي لا علاقة له بالواقع المحلي
أو أن يخيروك بالدفع بالريال اليمني على ما كان عليه الصرف قبل شهر من الآن”
هذا التحايل المستمر يُظهر أن أزمة الإيجارات في مأرب ليست فقط نتيجة عوامل اقتصادية، بل أيضًا نتيجة سلوكيات استغلالية ممنهجة، تتطلب تدخلًا عاجلًا من السلطات لضبط السوق وحماية المواطنين من الجشع العقاري
وكان مجلس الوزراء في حكومة عدن أصدر الاثنين الماضي، قرار بحظر استخدام العملات الأجنبية بديلًا للعملة المحلية في المعاملات التجارية والخدمة؛ بما في ذلك دفع الإيجارات ورسوم الدراسة وتذاكر السفر
وألزم القرار “وزراء الصناعة والتجارة، والعدل، والداخلية، ومحافظي المحافظات المحررة، اتخاذ الإجراءات الرقابية ومتابعة تنفيذ هذا القرار، وضبط المخالفين وإحالتهم الى الجهة المختصة وفقًا للقانون، وإحاطة رئيس مجلس الوزراء بمستوى التنفيذ أولًا بأول
”وكان مواطنون قد اشتكوا في أحاديث مع “المشاهد” نشرت في يناير 2024، عن طلب المؤجرين في مأرب الايجار بالريال السعودي أو ما يوازيه بالعملة المحلية
في ظل الانفلات الكبير في سوق الإيجارات، اضطرت بعض المكاتب العقارية مؤخرًا إلى وقف إعلاناتها تمامًا، في مشهدٍ غير مألوف يُعبّر عن حجم الأزمة السكنية المتفاقمة
مع استمرار بعض ملّاك العقارات في رفع الأسعار إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، وتقديمهم العروض بالعملة الأجنبية دون أي رقابةٍ أو ضوابط تردع هذا الاستغلال
يقول أسامة عبده: “وصلنا إلى قناعةٍ تامة أن استمرارنا في نشر إعلانات الإيجارات بهذه الأسعار الظالمة هو بمثابة مشاركة في معاناة الناس
لهذا السبب، اتخذنا قرارًا جريئًا بإيقاف نشر الإعلانات، كخطوةٍ رمزية لرفضنا لهذا الاستغلال البشع”
من جانبه يشير مصطفى القهالي، مالك مكتب مقاولات في مأرب، إلى أن النهضة العمرانية خلقت فرصًا استثمارية، لكنها لم تُواكبها خطة تنظيمية واضحة؛ مما أدى إلى فوضى في سوق البناء
ويضيف: “نحن نبني، لكن لا توجد خارطة عمرانية أو دعم حكومي لتوفير مساكن بأسعار مناسبة، وكل شيء يُترك للسوق الحر؛ وهو ما تسبب بكارثة نتيجة ترك التصرف الحر لملاك العقارات”
ويرى المحامي محمد أمين أن أزمة الإيجارات أصبحت عبئًا خانقًا نتيجة الطفرة السكانية والانهيار الاقتصادي
ويشير المحامي إلى أن القانون رقم (22) لسنة (2006) بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، كان من المفترض أن يضع إطارًا قانونيًا ينظم الإيجارات ويحدد المسؤوليات
لكن التنفيذ الفعلي لهذا القانون غائب؛ مما أدى إلى تفشي الممارسات الاستغلالية
عبدالرحمن محمود، نازح في مأرب: تكلفة استئجار شقة صغيرة مكوّنة من غرفتين تتراوح حاليًا ما بين 300 إلى 400 ألف ريال يمني شهريًا، ناهيك أن معظم العروض باتت بالريال السعودي، ما اضطرني إلى السكن، برفقة زوجتي وأطفالي الأربعة، في “كُنتيرة” تقع بمنطقة مفرق حريب
”ويضيف: “الأسعار تُحدد بعشوائية، دون ضوابط أو رقابة، وهو ما سمح بظهور ممارسات استغلالية تؤذي المواطن، خصوصًا النازحين من مناطق الصراع”
ويشير إلى أن سعر متر الأرض في مأرب ارتفع من 3,000 إلى أكثر من 85,000 ريال يمني، والآن بات يباع بالريال السعودي؛ ما انعكس على الإيجارات بشكل كارثي
توجه المواطن عبدالرحمن محمود برفقة عائلته إلى مدينة مأرب، في محاولة للاستقرار المؤقت حتى تهدأ الأوضاع في غرب مدينة تعز، التي تشهد منذ عشر سنوات معارك متقطعة بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي
جمع عبد الرحمن، المقيم سابقًا في حي حَذَران غربي تعز، ما تبقى لديه من مدخرات وحاجيات أساسية، وانطلق نحو مأرب بحثًا عن مأوى آمن، غير أن الواقع فاجأه، حد وصفه، بأسعار إيجاراتٍ مرتفعة تفوق قدرته المادية
وفي تصريح لـ”المشاهد”، قال محمود: “إن تكلفة استئجار شقة صغيرة مكوّنة من غرفتين تتراوح حاليًا ما بين 300 إلى 400 ألف ريال يمني شهريًا، ناهيك أن معظم العروض باتت بالريال السعودي، ما اضطرني إلى السكن، برفقة زوجتي وأطفالي الأربعة، في “كُنتيرة” تقع بمنطقة مفرق حريب، وهي من الأحياء النائية المخصصة لإيواء النازحين خارج المدينة
ويضيف: لا تتوفر في هذا المكان أبسط مقومات الراحة أو الخصوصية، فنحن نعيش في منطقةٍ معزولة عن المدينة، وتحت وطأة أصحاب الأرض، لكننا مجبرون على البقاء
العودة إلى ديارنا ليست خيارًا ممكنًا، فقد أصبحت مليئة بالألغام ووسائل الموت المتعددة
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير