ما الذي يدور في مجالس القات النسائية؟

منذ 22 أيام

تعز – موسى المليكي “جلسات القات النسائية التي أحضرها فيها مرح وأغاني ولا يمر يوم دون أن أجتمع مع صديقاتي في الحارة”

هكذا تصف وجدان حمادي-من سكان منطقة بئر باشا، بمديرية المظفر شمال مدينة تعز- جلسات القات التي تحرص على حضورها في ظل تزايدها خلال السنوات الأخيرة

لا تقتصر جلسات النساء على مضغ القات فقط، بل إن هناك جلسات نسائية تكون فيها الشيشة حاضرة

وهو ما تؤكده وجدان والتي تقول: “إن جلسات القات التي تقضيها مع زميلاتها، كل يوم في منزل زميلة من زميلاتها، ويتم تجهيز احتياجات جلسة المقيل بالشيشة

الغالبية الأكبر من اليمنيين يمضغون القات

وتقول دراسة نشرتها المجلة العربية للآداب والدراسات الإنسانية، عام 2020، إن حوالي 75% من سكان اليمن يمضغون القات

تصل النفقة الشهرية لبعض السيدات في اليمن على شراء أغصان القات نحو 77 دولارا أمريكيا، حسب تقرير سابق للمشاهد

 ما يقارب خمس ساعات تقضيها بعض النساء في جلسات المقيل بعضهنّ بشكل يومي والبعض الآخر بشكل أسبوعي

تبدأ جلسة المقيل النسائي من الساعة الثالثة عصرًا وحتى السابعة مساء، وأحيانًا تمتد إلى الساعة التاسعة في حال كان هناك مناسبة اجتماعية

  لكن ما الذي يدور في مجالس القات النسائية؟ تقول نجود أحمد -اسم مستعار- لإحدى السيدات، التي تعمل موظفة حكومية في تعز: “الساعات التي تقضيها مع صديقاتها يستمعنّ فيها للأغاني ويتحدثنّ في مشاكلهنّ وأحيانًا يتم التطرق لمواضيع سياسية لها علاقة بالأوضاع التي يعيشها الناس

وتضيف نجود: النقاش في قضايا سياسية بجلسة القات تتحول فيها النساء الحاضرات إلى محللة سياسية، إذ يحتدم النقاش بين مؤيدةٍ ومعارضة وكأنهنّ في مجلس النواب، حسب وصفها

وتصف نجود هذه الجلسات بأنها “فضاء حر” للتعبير عن مختلف المواضيع، وتوفر لها ولصديقاتها أجواءً تشعرهم بالسعادة

من جانبها تقول أم غصون صالح، ربة بيت، من مديرية المظفر بتعز، لـ”المشاهد”، إنها تحضر جلسات قات نسائية، وأغلب ما يدور من حديث مع زميلاتها هي نقاشات عن مشاكل اجتماعية تعاني منها بعض النساء الحاضرات في الجلسة

وتضيف: “نحن في جلساتنا النسوية نناقش مشاكلنا، وكل واحدة تطرح ما يؤرقها ويكدر خاطرها”

ولا ترى أم غصون مشكلة في أن تتحدث المرأة عن مشاكلها، حتى مع زوجها؛ لأنها قد تخرج بنصائح من تجارب صديقاتها، تساعدها على تجاوز مشكلاتها

أم عبد الكريم الصبري، من مديرية صبر الموادم بتعز، تعتبر جلسات القات النسائية فرصة لتسويق منتجاتها، فهي تجد حضورها فرصةً لتسويقها للنساء الحاضرات

وتتابع أم عبد الكريم في حديثها لـ”المشاهد” أنها منذ ثمان سنوات   تحضر جلسات مقيل النساء، وتستغل حضورها لبيع منتجات نسوية تقوم هي بتحضيرها، مثل البخور والعطور

وحول حديث النساء في جلسات المقيل تشير أم عبد الكريم إلى أن الحاضرات في الجلسة تتنوع أحاديثهنّ، ما بين السياسة وتارة عن المسلسلات التركية، وأخرى عن المشاكل الزوجية، و”النميمة والغيبة”، حسب تعبيرها

هناك من يرى -من منظور اجتماعي- أن جلسات القات النسائية “سلبية”، فالمرأة تمضغ القات وتتعاطى الشيشة أكثر من خمس ساعات، ولا تعرف شيء عن أولادها، الذين بحاجة إلى رعاية متواصلة

  وفي ظل غياب الأم عنهم يتعرضون لتعلم سلوكيات سيئة من الشارع، ولا يجدون من يمنعهم أو يراقب تصرفاتهم

تقول أشجان عبد الكريم، وهي تربوية من مدينة تعز، إن مجالس القات النسائية لها مخاطر اجتماعية، ففي بعض هذه المجالس يتم إفشاء أسرار زوجية، وهذا يؤدي إلى عواقب اجتماعية غالبًا ما تكون وخيمة

أما فاطمة أحمد، موظفة في السلطة المحلية، تعز فتكشف أنها “هجرت جلسات القات النسائية؛ لأن الحديث فيها يتركز أكثر عن مشاكل زوجية خاصة لا يجب أن تخرج عن إطار غرفة النوم

”من جانبها تقول سامية العمدة -اسم مستعار- معلمة في مديرية القاهرة بتعز: “إن أغلب الجلسات النسائية لا تخلو من النميمة والخوض في السياسة

  فبحسب توجه الزوج تجد الزوجة نفسها تتبنى ذات الاتجاه السياسي والحزبي لزوجها

ولذلك حين يكون الحديث في السياسة فإنها تدافع عن ذلك الحزب، وتذم الحزب المنافس، حتى يصل الأمر أحيانًا إلى المشادة الكلامية والألفاظ القبيحة بين النساء، وتنتهي الجلسة بخلافات”

من جانبها، ترى أم عمران، معلمة في تعز، في حديثها لـ”المشاهد” أنها قاطعت جلسات القات النسائية باعتبارها إهدارًا للوقت، و جوٍ سلبي؛ بسبب الحديث عن خصوصيات الناس بطريقة مسيئة”

وتضيف: “تفرغت للاهتمام بمسؤولياتي تجاه بيتي وزوجي، وتطوير نفسي، والبحث عما هو جديد بالنت، ووفرت على نفسي المشاكل، وتمتعت براحة بال”

يقول المهندس علي حزام من منطقة الأشرافية، إن غياب الحدائق والمنتزهات أدى إلى انتشار مجالس القات النسائية في مدينة تعز وغيرها من المدن اليمنية، خصوصًا انشغال الأهل والاقارب في الأعمال خارج المحافظة وعدم عودتهم إلا في المناسبات والأعياد؛ لذا تعتبر مجالس القات النسوية شيء طبيعي

ويضيف حزام أن الرجال هم من ساعدوا على انتشار مجالس القات وهم من يعطون لزوجاتهم المبالغ المالية لكي يقمنّ بشراء القات والشيشة حتى يبقينّ في المنازل بدون الحاجة إلى النزهات في الأماكن البعيدة

 بدوره يقول فؤاد العسوئي، رئيس قسم التربية الخاصة في كلية التربية، بجامعة تعز: “إن الحرب ساهمت في انتشار جلسات القات النسوية، وأصبح مضغ القات في مجالس النساء عند البعض وسيلة للهروب من الواقع وتخفيف التوتر والقلق”

تلجأ النساء لمجالس القات، بحسب العسوئي، باعتبارها فرصة للتواصل الاجتماعي وتبادل القصص والنصائح بين النساء

وتوفر هذه الجلسات بيئة يشعرنّ فيها بالدعم والتفاهم”

وأضاف العسوئي في حديثه لـ”المشاهد” أن تزايد النساء العاملات في مختلف مجالات العمل قلص دورهنّ التقليدي الذي يأخذ منهنّ أغلب الوقت في العمل المنزلي ورعاية الأطفال

وأصبح الآن لدى النساء العاملات وقت في تخصيصه لمجالس القات

اجتماعيًا فإن تأثير مضغ القات على النساء للقات كثيرة، وفقًا للعسوئي، منها صعوبة النوم أو النوم ابمتقطع بعد جلسات القات؛ بسبب تأثير المادة الفعالة فيه (الكاثينون)

وتابع: قضاء النساء ساعات طويلة في مضغ القات ينعكس على تراجع في اهتماماتهن الاسرية وهذا يسبب لهنّ مشاكل كثيرة أسريًا

صحيًا، وحسب ورقة بحثية نشرتها مجلة طب الأسرة والعناية الأولية، عام 2022، فإن مركب الكاثينون منبه مشابه للإيمفيتامينات وعند مضغ القات يؤدي إلى زيادة ضغط الدم

وتسارع ضربات القلب، ويزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية

وتضيف الورقة أن مضغ القات يسبب تسوّسًا للأسنان، والتهاب اللثة، وتقرحات الفم، ونزيف اللثة، وتغيرات في لون الأسنان، كما يزيد من خطر الإصابة بسرطان الفم؛ بسبب التأثيرات المؤكسدة والورمية

وبحسب المصدر نفسه فإن مضغ القات يسبب فقدان الشهية، التهاب المعدة، الإمساك، البواسير، زيادة خطر الإصابة بسرطان المعدة والاثنا عشر، بالإضافة إلى تسمم الكبد وتليف الكبد

أما تأثيرات القات على الحمل والمواليد فتقول دراسة نشرتها مجلة فرنتايرز بشأن الصحة العالمية للمرأة، في مايو 2024، إن مضغ القات أثناء الحمل مرتبط بزيادة خطر الولادة المبكرة، وتمزق الأغشية المبكر، وفقر الدم لدى الأم

وانخفاض وزن المولود عند الولادة، زيادة وفيات الأجنة، ومضاعفات الولادة مثل النزيف بعد الولادة وتمزقات العجان

كما يؤثر القات على تدفق الدم إلى المشيمة مما يعيق نمو الجنين

 ختامًا، يدعو فؤاد العسوئي إلى إيجاد حلول ومعالجات لإدمان النساء مضغ القات، وتتمثل في توفير دعم نفسي للنساء

وفتح مساحات آمنة للنساء للتعبير عن مشاعرهنّ ومشاركة تجاربهن

وتوفير بدائل للترفيه، مثل أندية نسوية مجتمعية تتيح لهنّ تنفيذ أنشطة رياضية وثقافية، فنية

بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية إعلامية موجهة للنساء حول مخاطر تناول القات وأضراره صحيًا واجتماعيًا

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير