متطوعات لسد “فراغ التعليم” بالريف اليمني
منذ 6 ساعات
تعز- فهمي عبدالقابضتعمل الكثير من نساء الريف اليمني كمتطوعاتٍ في حقل التعليم بلا مقابل، وبعضهنّ يعملن برواتب رمزية؛ بهدف الحفاظ على العملية التعليمية في ظل شحة المعلمين الرسميين بالمدارس
أنهار الشراجي (32 عامًا) تعمل منذ ثلاث سنوات كمعلمةٍ متطوعة، مربية صفٍ وحصصٍ لطلاب الثانوية، في مدرسة “الذخائر”، عزلة “البريهة”، بمديرية جبل حبشي، في تعز
تقول إنها تطوعت لتدريس الصفوف الأولى، كما تغطي أكثر الحصص لطلاب الثانوية منذ أن عانت المدرسة من غياب المعلمين الأساسيين، في ظل ظروفٍ صعبة، وبراتبٍ يتراوح ما بين 40 إلى 70 ألف ريال يمني، يتم تجميعها من الطلاب بشكل شهري، بالإضافة إلى دعم بعض المنظمات
وتضيف في حديثها لـ”المشاهد: “واقع عمل النساء كمتطوعاتٍ في التعليم، خصوصًا بالأرياف، صعب جدًا
كما أن الجهد كبير وطلاب الصفوف الأولى من الصعب التعامل معهم
لكن الضرورة تحتم على الجميع المشاركة في منع انهيار التعليم والحد من التسرب”
أنهار الشراجي، معلمة متطوعة: واقع عمل النساء كمتطوعاتٍ في التعليم، خصوصًا بالأرياف، صعب جدًا
كما أن الجهد كبير وطلاب الصفوف الأولى من الصعب التعامل معهم
لكن الضرورة تحتم على الجميع المشاركة في منع انهيار التعليم والحد من التسرب”
مدرسة “الذخائر”، هي إحدى المدارس الريفية التي تعاني نقصًا حادًا في توفر المعلمين
خصوصًا للمواد العلمية، سيما بعد رحيل طاقم المدرسة الأساسيين؛ إما للعمل في غير التعليم أو للسفر خارج تعز
أو التحول بالتوجيه، أو التقاعد أو تعذر حضورهم بسبب المرض
قبل الحرب، كانت المدرسة تضم قرابة 36 معلمًا ومعلمةً
أما الآن فعدد الملتزمين يصل إلى 22 فقط، منهم ثمانية متطوعين، معلميَين اثنين وست معلمات
وأكثر المتغيبين هم من مدرسي المواد العلمية، فتطوعتْ أنهار لتغطية بعض حصصهم
إضافةً لقيامها بتدريس الصفوف الأولى في الفترة الصباحية كمتطوعة، والفترة المسائية ضمن برنامج “التعليم التعويضي”
التعليم التطوعي هو عطاءٌ مجتمعي يفتح الأبواب أمام المحرومين من التعليم لظروفٍ معينة
وفي اليمن يعكس واقع التعليم التطوعي أزمة التعليم الناتجة عن الحرب وتوقف الرواتب ونزوح بعض المدرسين
وعزوف آخرين عن مواصلة التعليم بسبب ارتفاع الأسعار مقابل بقاء الرواتب دون زيادة
بالإضافة إلى تقاعد الكثيرين دون وجود إحلالٍ للدماء الجديدة، عبر التوظيف الرسمي، وهذا ما يفتح الباب أمام “التعليم التطوعي”
يقول مدير مكتب التربية والتعليم في مديرية مشرعة وحدنان في تعز، الدكتور عبدالعالم السبئي: “إن الظروف التي مرّ بها التعليم من حربٍ ونزوحٍ وتوقف الرواتب وإضراب المعلمين المتكرر؛ أفرزت حالةً من الفراغ بالمدارس
ما فتح الباب أمام التدريس التطوعي؛ إما بدوافع دينية أو بدوافع وطنية واجتماعية
وهذا ما خفّف من أزمة التعليم ودفع بتسيير العملية التعليمية ولو بالحد الأدنى”
ويضيف لـ”المشاهد”: “عدد المعلمين المتطوعين في مديرية مشرعة وحدنان 181 معلمًا متطوعًا، منهم 138 معلمةً متطوعةً، يعمل أكثرهم مجانًا
فيما بعضهم يعمل ضمن نشاط مجلس الآباء الذي يساعد بجمع مبالغ ماليةٍ رمزية من الطلاب والمواطنين والمغتربين، بما لا تقل عن عشرة آلاف ريال، ولا تزيد عن 30 ألف ريالٍ تعطى للمتطوعة الواحدة
ويشير السبئي إلى أن هذه الحلول تظل ترقيعيةً، لا تقوى على تخريج جيل يتطلبه الحاضر والمستقبل، وتسد -مؤقتًا- مسد المعلم الأساسي
وتعاني من إشكالاتٍ تتعلق بالجانب التعليمي والتربوي والتأهيلي، ورغم أنها مبادرات طوعية طيبة؛ لكنها ليست كافية
“ينبغي أن تتحرك الحكومة وتنتظم بصرف رواتب المعلمين وتصرف مستحقات وبدلات وعلاوات المعلمين
وتعمل حلولًا للمتقاعدين الذين ما زالوا محسوبين معلمين وهم لا يعملون في المدارس؛ ما يسبب فجوةً وحاجةً؛ ويفرض على الحكومة تفعيل التوظيف وإحلال موظفين جدد”
بحسب السبئي
فيما يقول مدير مدرسة الخير بمنطقة “ضرجح” في جبل حبشي بتعز، عارف هزاع: “إن التعليم التطوعي بات ضرورةً أفرزتها أوضاع البلاد، وانعكاسها السلبي على التعليم بشكل مباشر وكبير”
ويضيف لـ”المشاهد”: “غياب دور السلطات المحلية في إيجاد حلولٍ ملموسةٍ لمعالجة انهيار العملية التعليمية مخيف
وقد يصل في نهايته إلى كارثةٍ مجتمعية من الصعب حلها بسهولة، خصوصًا مع انعدام مخرجات الكادر التعليمي
في ظل عزوف الطلاب عن الالتحاق بكليات التربية والمعاهد التي كانت ترفد التعليم بكوادر مؤهلةٍ سنويًا؛ وذلك نتيجة لعدم الاهتمام بالمعلم”
“لو كان هناك انتظام بصرف رواتب المعلمين باستمرار؛ لما ترك المعلمون عملهم وبحثوا عن مصادر دخل أخرى لإعالة أسرهم
وهو ما أحدث فجوةً وفراغًا داخل المؤسسات التعليمية؛ فكان العمل التطوعي مشاركةً مجتمعيةً في إيجاد حلولٍ ترقيعيةٍ
وإن كانت غير ناجعة، لكنها تحفظ على الأقل إبقاء المدارس مفتوحةً، وتقدم خدمتها وفق القدرات المتاحة”
يقول هزاع
ويزيد: لديّ في المدرسة سبع معلماتٍ متطوعات يعملنّ إلى جانب 12 معلمًا ثابتًا
وتتقاضى المتطوعات مرتباتٍ لا تزيد عن 80 ألف ريال، ولا تقل عن 40 ألف
يدفع الطالب قسطًا منها وتستكمل بقيتها من مساعدات الخيرين
مدير مدرسة الخير بمنطقة “ضرجح” في جبل حبشي بتعز، عارف هزاع: لو كان هناك انتظام بصرف رواتب المعلمين باستمرار؛ لما ترك المعلمون عملهم وبحثوا عن مصادر دخل أخرى لإعالة أسرهم
وهو ما أحدث فجوةً وفراغًا داخل المؤسسات التعليمية؛ فكان العمل التطوعي مشاركةً مجتمعيةً في إيجاد حلولٍ ترقيعيةٍ
وإن كانت غير ناجعة، لكنها تحفظ على الأقل إبقاء المدارس مفتوحةً
”يشير تقرير أممي إلى أن أكثر من 4
5 مليون طفلٍ يمني في سن المدرسة (5 إلى 17 عامًا) لا يذهبون إلى المدارس
التقرير الذي نشرته منظمة “اليونسيف” في أغسطس 2024، قال: “خلال السنوات الماضية، ترك مئات الآلاف من الطلاب مدارسهم
ولجأوا إلى التسول أو مساعدة أولياء أمورهم في العمل أو في حقول الزراعة
بالإضافة إلى إجبار أولياء الأمور لأبناءهم على الخروج من منازلهم؛ كونهم غير قادرين على إعالتهم”
ولتحسين حضور الطلاب في جميع أنحاء اليمن، وبحسب التقرير
قامت وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع “اليونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة رعاية الأطفال، بتنفيذ مشروع “استعادة التعليم والتعلّم” وهو مشروع يمتد لثلاثة أعوام، بتمويل البنك الدولي والشراكة العالمية للتعليم، وكجزء من تدخلات “اليونيسف”
ويهدف المشروع إلى توفير التعليم الأساسي لأكثر من 560 ألف طالبٍ، من خلال تحسين ظروف التعلّم وتقديم مبادرةٍ شاملةٍ
تتضمن تقديم حوافز لـ 2,600 معلمٍ متطوعٍ؛ لتغطية نقص كادر المعلمين الأساسيين
يقول مدير مكتب التربية والتعليم في مديرية لودر، بمحافظة أبين، علي عبدالله ناصر: “إن منظمة “اليونسيف” كانت تدعم العاملين والعاملات كمتطوعين في التعليم خلال الفترة الماضية
لكن هذا الدعم توقف خلال العام الدراسي الحالي 2025-2026؛ ما فاقم معاناة هذه الشريحة”
ويطالب ناصر بعودة دعم منظمة “اليونسيف” التي سبق وموّلت هذا القطاع في المديرية خلال السنوات الماضية
كما طالب باعتماد مرتباتٍ وحوافز مالية للمتطوعات؛ نظير ما يقمنّ به من جهدٍ في سد فراغ غياب المعلمين الأساسيين
وتعويض الطلاب من الحرمان التعليمي حتى لا يتسربون من التعليم
ويضيف في حديثه لـ”المشاهد”: “مديرية لودر من أكبر مديريات محافظة أبين من حيث عدد المدارس والكثافة الطلابية ومنهم النازحين
إذ يصل عدد المدارس الحكومية في المديرية إلى 80 مدرسة
يعمل فيها قرابة 250 مدرسًا متطوعًا، منهم 85 من الإناث
ومع توقف دعم المنظمات أصبحت المديرية من أكثر المديريات معاناةً في توفير رواتب ومستحقات المتطوعات”
ويتابع: “المتطوعات يعملنّ كغيرهنّ من المتطوعين بدون مقابلٍ مالي
وقد يتوقفنّ عن التدريس في أي لحظة؛ ما سينتج عنه نقص شديد في عدد المعلمين بمدارس المديرية”
ويقول مصدر رفيع في وزارة التربية والتعليم بالحكومة اليمنية: “إنه لا توجد إحصائية حقيقية لعدد المتطوعات أو المتطوعين بشكل عام في التعليم باليمن، أو حتى على مستوى كل محافظة
وعزا ذلك إلى أن التطوع والتعاقد عمليةٌ متحركة، وقد تكون موجودة اليوم وغير موجودة غدًا”
ويضيف المصدر، طلب عدم ذكر اسمه، في حديثه لـ”المشاهد”: “هناك نسبة كبيرة للمتطوعين والمتعاقدين في بعض المحافظات تتجاوز 200 %، وبعضها أكثر وأقل من ذلك
بينما يرى أمين عام نقابة المعلمين في تعز، عبدالرحمن المقطري: “أن واقع التعليم التطوعي في اليمن مؤلم
وكثير من المعلمات المتطوعات لا يجدنّ فرص عمل؛ ما يضطرهنّ للعمل في التعليم التطوعي، مع أن بعضهنّ خريجات جامعيات، وبتخصصات غير تربوية”
ويكمل المقطري: “المجتمع يحتاج لهنّ لتغطية العجز في المعلمين والمعلمات
لكن المتطوعين يحتاجون إلى دوراتٍ تدريبيةً وتأهيلية ليقمنّ بالتدريس بالشكل المطلوب
ولا شك أن المتطوعين يجتهدون في ذلك، إلا أن ظروفهم المعيشية تجعلهم يعيشون في جوٍ من الإحباط
يضطر معظمهم للعمل بالمدرسة آملين ترسيمهم بالتوظيف الحكومي
أو أقرب فرصة تقدمها بعض المنظمات والجمعيات المهتمة بالتعليم؛ لإعطاء مكافأت مالية”
ويضيف لـ”المشاهد”: “التعليم التطوعي ساهم، ولو بشكل جزئي، باستمرار العملية التعليمية في بعض المناطق
وخاصةً عند الإضراب الشامل للمعلمين عن العمل خلال الفصل الدراسي الثاني من العام الماضي 2023 – 2024”
ويؤكد أن الحاجة للمعلمين والمعلمات المتطوعين قائمة، ليس في محافظة تعز وحدها
بل في كل المحافظات؛ لأن الكادر التدريسي الحالي قد بلغ الآلاف منهم أجل التقاعد أو العجز والوفاة
وليس هناك توظيف حكومي جديد منذ حوالي اثنا عشرة سنة
ويشير المقطري إلى أن النقابة تدرس إمكانية منح عضوية المعلمات والمعلمين المتطوعين للنقابة
وذلك لعدم استقرار المعلمين المتطوعين في الغالب بمدرسةٍ معينة لفترة طويلة
والذي ربما ينقطعون عنها في كثيرٍ من الأحيان؛ للبحث عن فرصة عملٍ في مكانٍ آخر
ويتابع: “هناك في الأصل قرابة ثمانية آلاف معلمة ومعلم متطوع في تعز وحدها
ويحصل المئات منهم على مبالغ مالية من الميسورين في مناطقهم وعن طريق مجالس الآباء
وهذه المبالغ بسيطة تتراوح ما بين 20 إلى 50 ألف ريال
ومنهم حوالي 1838 معلمًا ومعلمة متطوعة يحصلون على مبالغ مالية خلال العام الدراسي كمكافآتٍ من المنظمات بمقدار خمسين دولار شهريًا”
“بالإضافة إلى استهداف البعض من قبل المنظمات والجمعيات في مواسم شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى بالسلال الغذائية ولحوم الأضاحي
لكن كل ذلك ليس حلًا، وتظل القضية بحاجةٍ إلى معالجة حتى يشعر المعلم بالأمان، ويقوم بواجبه بهمةٍ ودافعية”
يقول المقطري
ويختتم حديثه: “يتحتم على والحكومة والمنظمات العاملة، وكل من يهمه أمر العملية التعليمية الاستفادة من المعلمين المتطوعين
وتأهيلهم وتحفيزهم ماديًا ومعنويًا”
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comاحصل على آخر أخبار المشاهد نت مباشرة إلى بريدك الإلكتروني
الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن