مجانية التعليم فعل ماض في صنعاء

منذ 2 سنوات

صنعاء – نبيل شايع:أمام مدرسة 26 سبتمبر الحكومية وسط العاصمة صنعاء، كان محمد الريعاني يصرخ بصوت مرتفع قائلًا: “رفضوا تسجيل أبنائي الثلاثة في المدرسة، لأني لا أملك فلوسًا حاليًا

أين الدولة؟ أين الوزارة؟ لماذا يصمتون عن هذا؟”

هكذا هو حال أغلب أولياء أمور طلاب المدارس الحكومية في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، حيث أصبحوا عاجزين عن تسديد رسوم تسجيل أبنائهم في المدارس هذا العام، بسبب ارتفاع رسوم تسجيل الطلاب في مختلف المراحل التعليمية، إذ تُعد هذا العام هي الأغلى مقارنة بالأعوام السابقة

في صنعاء، رفعت بعض المدارس الحكومية رسوم تسجيل الطالب الواحد في مرحلتي الإعدادية والثانوية إلى ثمانية آلاف ريال، وبعد أن تسبب هذا الارتفاع بسخط ورفض المجتمع، اضطر بعض مدراء المدارس الحكومية إلى تخفيض رسوم التسجيل إلى ثلاثة آلاف ريال يمني أو أقل

لكن مازال الكثير من أولياء الأمور يشتكون من عدم مقدرتهم على دفع تلك الرسوم، بسبب الفقر الذي يعانونه نتيجة عدم صرف مرتبات موظفي الدولة، وانعدام فرص العمل

في حديثه لـ”المشاهد”، يسرد عامر حميد، ولي أمر الطالبين علي وإياد، المعاناة التي لقيها خلال تسجيلهما في إحدى المدارس الحكومية هذا العام

ذهب عامر لتسجيل نجله إياد في الصف الرابع ابتدائي، وعلي في الصف الأول الابتدائي

استطاع تسجيل ابنه علي في مدرسة حكومية بمديرية معين، بعد أن دفع ما يزيد عن عشرة آلاف ريال

أما المعاناة التي لاقاها عامر عند تسجيل نجله إياد، فتمثلت بطلب المدرسة الحكومية شهادة ميلاد لنجله، إضافة إلى تعهد شفوي منه بشراء الكتب المدرسية، ودفع ألفي ريال كرسوم تسجيل، وثلاثة آلاف ريال تحت بند مساهمة لصيانة كراسي الصف الدراسي هناك

يقول عامر: “دفعت ما يقارب اثني عشر ألف ريال حتى تمكنت من تسجيل ابني إياد”

تعود مشكلة ارتفاع الرسوم الدراسية في المدارس الحكومية في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، إلى انقطاع مرتبات المدرسين والتربويين هناك منذ العام 2016

برغم المحاولات التي تبذلها المنظمات الدولية والمحلية المعنية بقطاع التربية والتعليم في اليمن، لإيجاد حلول للمشكلة، إلا أنها ماتزال مستمرة حتى وقتنا الراهن

عقب انقطاع المرتبات، فرضت وزارة التربية والتعليم الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، رسومًا دراسية على الطلاب تحت مسمى “المشاركة المجتمعية”، ويقول الحوثيون إنها تذهب لدعم المعلمين في المدارس لتشجيعهم على البقاء في التدريس

بعض المدرسين يقولون إن ما يتقاضونه في المدارس الحكومية هناك لا يزيد عن عشرة آلاف ريال، وهو مبلغ زهيد لا يفي بالمتطلبات المعيشية لغالبية المدرسين

أكثر من 170 ألف معلم في مناطق سيطرة حكومة صنعاء لم يتسلموا رواتبهم بانتظام منذ أواخر عام 2016

يدفع الطلاب الرسوم في المدارس الحكومية برغم وجود القانون الذي ينص على مجانية التعليم

وتشير المادة (8) من قانون التعليم الصادر سنة 1992، إلى أن التعليم مجاني في كل مراحله تكفله الدولة، وتحقق الدولة هذا المبدأ تدريجًا وفق خطة يقرها مجلس الوزراء

قبيل سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء لم يكن يدفع أولياء أمور الطلاب أي رسوم مالية نظير تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية، إذ إن الدولة كانت تتكفل بدفع القرطاسية ولوازم عملية التسجيل، إضافة إلى تخصيص ميزانية مالية للمدارس ومكاتب التربية كنفقات تشغيلية تُستخدم للأنشطة المدرسية والمعامل العلمية وللجوانب التربوية

إقبال متزايد على التعليم الخاصيحرص بعض أولياء أمور الطلاب على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، برغم الظروف المادية الصعبة، لأنهم يعتقدون أن التعليم في المدارس الحكومية هناك لم يعد مجديًا بسبب فرض المناهج والأنشطة الطائفية على الطلاب، إضافة إلى مشكلة عزوف المعلمين عن تدريس الطلاب بسبب عدم حصولهم على المرتبات الشهرية

إقبال بعض أولياء أمور الطلاب على تسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية والخاصة في صنعاء، ضاعف من مشكلة ارتفاع رسوم التسجيل، إذ وصلت رسوم تسجيل الطلاب فيها إلى أرقام غير مسبوقة

جميل الرصابي، ولي أمر، اضطر إلى إخراج نجله من المدرسة الأهلية التي كان يتعلم فيها خلال المرحلة الابتدائية، بسبب غلاء الرسوم التي لا تتناسب مع راتبه الشهري الذي يتقاضاه من إحدى الشركات التابعة للقطاع الخاص في صنعاء

يقول الرصابي لـ”المشاهد”: “رفعت المدرسة الخاصة التي كان يدرس فيها نجلي، الرسوم بنسبة 50%، حيث كنت أدفع العام الفائت مائة وخمسين ألف ريال شاملة رسوم الكتب المدرسية، و هذا العام طلبوا مني دفع مائتين وثلاثين ألف ريال”

من السبب؟ينفي المسؤولون في وزارة ومكاتب التربية والتعليم الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، اتهامهم بالتسبب في رفع أسعار رسوم التسجيل، أو عرقلة العملية التعليمية في المدارس الأهلية والخاصة

علي المهدي، مدير مكتب التربية بالأمانة، يقول إن “العدوان (التحالف العربي) يسعى في كل عام دراسي إلى عرقلة العملية التعليمية سواءً في المدارس الحكومية أو الخاصة، من خلال افتعال مشكلات عبر الإعلام، وتحريض المعلمين على العزوف عن أداء أدوارهم التربوية”

لكن الحكومة اليمنية في عدن تقول إن جماعة الحوثي لا تهتم بالعملية التعليمية، وتسعى فقط إلى نشر أفكارها من خلال المدارس والطلاب

في مطلع هذا الشهر، قال وزير الإعلام معمر الإرياني، في تغريدة، بأن “جماعة الحوثي عمدت منذ انقلابها على الدولة، إلى استغلال العملية التعليمية والمدارس والمناهج الدراسية، لغسل عقول مئات الآلاف من الطلبة والطالبات، وتفخيخها بالأفكار الظلامية المتطرفة الدخيلة على بلدنا ومجتمعنا، والمستوردة من إيران، وتحويلها إلى أوكار لاستدراج وتجنيد وتدريب الأطفال”

قبل اندلاع حرب اليمن، كان الطلاب الفقراء يذهبون إلى المدارس الحكومية للتسجيل بلا عناء، دون أن يفكروا في مبلغ الرسوم الدراسية، أو شراء الكتب

اليوم، لم يعد التعليم في المدارس الحكومية مجانًا، وأصبح فرض الرسوم سببًا لمنع الطالب الفقير من الحصول على التعليم، أو سببًا لعبء مادي إضافي على الأسر الفقيرة

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير