محمد صالح المسفر : اليمن بين الوحدة والانفصال
منذ 2 ساعات
شهد اليمن، أي جنوب الجزيرة العربية، قيامَ دول لعبت دوراً في التاريخ العربي، وفيه كانت أول وحدة فيدرالية بين مكوّنات سياسية جمعت كلّاً من مملكة سبأ، مملكة معين، مملكة حضرموت، مملكة قتبان
وقد امتد نفوذ هذا الكيان إلى بلاد الرافدين وبلاد الشام وفلسطين وأجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية
هذا يؤكّد الحقيقة أنّ في الوحدة قوة، وفي التجزئة والتفكّك ضعف ومذلة
(2)يواجه اليمن العزيز، بكلّ مكوّناته، أزمةً حالكةَ السواد؛ تتجاذبه قوى انفصالية مقيتة وقوى سلالية موغلة في التخلّف، وسلطة موغلة في التبعية همّ معظم أفرادها تعظيم المصالح الذاتية، وأحزاب دفترية غير فاعلة في الأرض
منذ الثالث من ديسمبر/ كانون الأول الراهن، يشهد جنوب اليمن تطوّرات عسكرية وسياسية خطيرة يقودها عيدروس الزبيدي ظاهرياً، واستطاعت قوات ما يعرف بـالمجلس الانتقالي فرض سيطرتها في الجبهة الشرقية لجمهورية اليمن الشقيق، التي تشمل حضرموت: الوادي والهضبة، ومحافظة المهرة، وصولاً إلى حدود عُمان وشبوة، والاستيلاء على جميع المقارّ العسكرية والمؤسّسات الحكومية، كذلك فرضت سلطتها على العاصمة الثانية عدن، ونُزعتْ صور الرئيس رشاد العليمي وأُحلّتْ في مكانها صورة الزبيدي، وأُنزل علم الدولة المرفوع على قصر الرئاسة (المعاشيق)، واستُبدل به علم الانفصال، وأُخرجت الجماهير برغبة منها أو رهبة (نفاقاً أو اتفاقاً) إلى الشوارع رافعةً أعلام الانفصال، مناديةً بإنهاء الدولة الموحّدة التي تجمع شمال اليمن مع جنوبه
تبع تلك الأحداث العسكرية المؤلمة، كما جاء في وسائل الإعلام، إعلانُ وزراء في حكومة الوحدة الشرعية ومسؤولين كبار في الإدارة المدنية للسلطة الشرعية تأييدهم إجراءات المجلس الانتقالي (الانفصالية الشنيعة)، وأعربوا عن تأييدهم ما سُمّي إعلان دولة الجنوب العربي
ذريعة الزبيدي، قائد جحافل الانفصاليين، كما يبدو في انقلابه على مؤسّسات دولة الوحدة، أن الحكومات اليمنية المتعاقبة تهمّش المناطق الجنوبية سياسياً واقتصادياً
وقال أيضاً، متّهماً الحكومة الشرعية التي هو جزء منها بقيادة العليمي، إن حكومته وأجهزتها الرئيسة تنصّلت من واجبها الوطني في تحرير مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة الحوثيين
السؤال هنا: أليس عيدروس الزبيدي نائب رئيس الدولة رشاد العليمي؟ أليس المجلس الرئاسي الذي يرأسه العليمي يضمّ أربعة من أبناء الجنوب، و15 وزيراً بحقائب وزارية من أصل 24 وزيراً، وعشرة محافظين، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس مجلس الوزراء؟ هؤلاء كلّهم مسؤولون في الحكومة الشرعية، جنوبيون، وهناك عشرة محافظين جنوبيين من سقطرى إلى حضرموت مروراً بعدن، ورئيس مجلس القضاء الأعلى أيضاً من الجنوب، والسفراء في عواصم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي كلّهم من جنوب اليمن
ما المقصود بتهميش الجنوب كما يقول عيدروس؟ ولماذا لا ينحي باللائمة على هؤلاء الوزراء الجنوبيين، وعلى شخصه بوصفه نائباً أولَ لرئيس الجمهورية؟ ولماذا لم يهتمّ هو ورهطه بشؤون المواطنين في جنوب اليمن في إطار دولة الوحدة؟ وفيما أن الحكومة الشرعية تنصّلت من واجبها لتحرير الشمال من الحوثيين، كما يقول، فلماذا لم يأخذ المبادرة بنفسه، وبالقوة العسكرية التي أوصلته إلى حدود عُمان، فيتجه نحو تحرير شمال اليمن من قبضة الحوثيين، يعاونه في ذلك شريكه في الأهداف طارق صالح، المهيمن على الساحل الغربي ومضيق باب المندب، الذي اتخذ من مدينة المخا الساحلية مقرّاً له؟ وبذلك يحقّق الوحدة اليمنية، ويستردّ سيادة الدولة عليها
وفي يقين الكاتب، لو فعل عيدروس الزبيدي ذلك واتجه شمالاً لتحرير العاصمة صنعاء، بدلاً من التوجّه شرقاً، وأنجز المهمّةَ لاستعادة الشرعية، لأصبح من أبطال اليمن الخالدين، لكنّه أثبت بفعله ذلك أنه مسيّر لا مخيّر
(3)خوفاً على وحدة الجزيرة العربية وأمنها واستقرارها، يستدعي الكاتب التاريخ ليأخذ منه العبر، إذ غزا أبرهة الأشرم، حاكم اليمن في مملكة أكسوم الحبشية، مكّة ليهدم الكعبة ويرغم الخلق على الحجّ إلى كنيسة القليس التي بناها في صنعاء، لكن قريشاً وهذيل وكنانة وعرب الحجاز (جميعاً) تصدّوا له ولفيَلته الضخمة، ولم يتمكّن من تحقيق أهدافه، فعاد من حيث أتى
وهوجمت مكّة مرة أخرى بجحافل القرامطة القادمة من شرق الجزيرة العربية للنيل من المسلمين والاستيلاء على الحجر الأسود، وتصدى لهم عرب الحجاز المسلمين
واليوم تشهد جزيرة العرب، وأعني السعودية، من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، تهديدات بزعزعة أمن هذه المنطقة واستقلالها ووحدة أراضيها: مغول وقرامطة من الشرق، وأحباش ومرتزقة من الجنوب، تعينهم جميعاً إسرائيل على النيل من سيادة هذه الأرض الطيّبة واستقرارها
كلمة أخيرة، هل تدرك القيادات السياسية والفكرية في السعودية ما يحيط بهم من مخاطر؟ هل يدرك أهلُنا في الرياض أن ما يجري في اليمن اليوم يهدّد أمنهم واستقرارهم بل وجودهم؟ ودعوتي: لا تتركوا جرذان الجبال والسواحل اليمنية وقرودها تعبث بسدّ مأرب وقلاع صنعاء وناطحات السحاب في حضرموت، هُمّوا بهم قبل فوات الأوان، والوحدة اليمنية بلا جدال السدّ المنيع لحماية دول مجلس التعاون، وعلى وجه التحديد السعودية وسلطنة عُمان
*العربي الجديد