مصطفى الجبزي : حبيت من خاب فيه الظن..!
منذ 4 ساعات
مصطفى الجبزي كنتُ طالبًا في الإعدادية، وكان صديقي في مرحلة الثانوية
ندرس ويعمل كلٌّ منّا في متجره في باب شعوب
نلتقي أثناء النهار هنيهات، لكننا نجتمع مساءً في ذات العِزبة
كان صديقي يغرق في أغاني أم كلثوم وأيّوب طارش حدّ الثمالة
تأخذه أيّ أغنية إلى عالمٍ بعيد، يحفظ كلماتها، ويتلذّذ بألحانها كأنها كُتِبت وغُنِّيت لأجله
وذات مساء، حين كانت إذاعة صنعاء تبثّ في الهزيع الأخير من برنامجها الإذاعي سهرة الليلة — وهي سهرة مخصصة لفنانٍ أو فنانةٍ لمدة ساعة ونيّف، تقدّم فيها الإذاعة باقةً من الأغاني — تشكّلت معها ذائقتي الفنية وذاكرتي الغنائية
في ذلك المساء، كانت السهرة مع أغاني أيوب طارش
كنا نستعد للنوم بعد نهار طويل وشاق، وعلى ضوء خافت، وعندما بدأت أغنية حبيت من خاب فيه الظن بفاتحتها اللحنية العذبة الأليمة، اعتدل صديقي في جلسته
دخل في طقسٍ خاص
دقائق من التباريح ومحاسبة النفس في تلك الأغنية، دقائق من تقليب دفاتر القلب، والمكاشفة، وتصفية الحساب
فإذا بصاحبي يبكي بصمت، تنهمر الدموع من وجهه
خَيَّم علينا صمتٌ ثقيل
كنتُ أعرف معظم أغاني أيوب طارش، لكن حتى تلك اللحظة لم أكن أعلم أنها بهذا التجلّي، وأنها يمكن أن تكون شأنًا شخصيًا، وقصةً ذاتية، وتجربةً فردية
هذه الأغنية، من كلمات عبد الله عبد الوهاب نعمان، التي تناولت موضوعًا تقليديًا في الحكايات العاطفية — الإخلاص من طرف واحد — وضع فيها أيوب طارش صوتًا كسيرًا، مكابرًا
يتناوب فيها اللحن بين مستويين: وِتَريٍّ ناعم، وحادّ، يحاكيان انفعالات الوجدان، وتأثّر المغدور، وقراراته الغاضبة والصارمة
اضمأت زرعك وزرعيواحرقت ما كنت ربيتهذه الصورة البسيطة، الواقعية جدًا، مفعمةٌ بالتورية عن الحبّ، ذاك الذي يُلقى في الأرض زرعًا بانتظار الحصاد الهنيء
لكن العناد، والغرور، واللامبالاة
تُنهي كلَّ ذلك