مصطفى الجبزي : عن فيلم معركة صالح الأخيرة

منذ 5 ساعات

مصطفى الجبزي أثار فيلم مقتل صالح الأخير الذي عُرض على قناة العربية ردود فعل لا يمكن تجاهلها

لم أشاهد الفيلم كاملًا، بسبب انشغالي من جهة، ومن جهة أخرى بسبب نفوري لما أحدثه في أوساط المتلقين، والذي كشف بدوره عن خلل خطير في كيفية تفاعل اليمنيين مع المادة الإعلامية

ومع ذلك، لا أستطيع أن أمنع نفسي من النظر إلى الفيلم من زاوية أخرى، هي زاوية التواصل

لسنوات طويلة، سيطر علي عبد الله صالح على فضاء الخطاب

فقد منحه عمره المديد في سدة الحكم سلطة الكلام شبه المطلقة، وسخّر وسائل إعلام ضخمة لنقل أقواله متلفزة ومسجلة

حتى بعد خروجه الاسمي من السلطة كانت قناة تلفزيونية في خدمته

كل ما كان يقوله نُشر تحت عنوان خطاب الرئيس، وتوالت بعده الكتابات والرسائل التي تناقش ما قيل وما لم يُقل

أسّس صالح سلطة عائلية تهيمن على إمبراطورية مكتملة الأركان، وقرّب إليها أفراد أسرته، واضعًا إياهم في قلب نظامه، دون أن يكونوا بالضرورة ناطقين

كان هو المتحدث الأوحد

 صحيح أن ابن أخيه، يحيى صالح، تحدث علنًا في مناسبات عديدة، لكن حديثه ظل على هامش المشهد، لا يُؤخذ على محمل الجد إلا بما يوفره من تسلية؛ كان أقرب إلى كوميدي العائلة

ثم رحل صالح، وترك خلفه ابنًا، حاكمًا منتظرًا أو موعودًا، لكنه صامت

وبغياب صالح، غاب المتحدث الفعلي باسم العائلة التي أصبحت تُعرف لاحقًا باسم عائلة عفاش

حتى طارق، هو ابن أخيه ايضا وشقيق يحيى، رغم ما آل إليه من دور سياسي وعسكري، لم يُعرف بكلامه، بل ربما كان الناس ينتظرون منه أن يفعل لا أن يقول

اى انه قال الكثير لكنه قال ذلك تحت ظلال جلباب صالح السياسي والشعبي

 في الحقيقة، لم يحتكر صالح الكلام فحسب، بل نسج حول نفسه هالة الزعامة، كما أراده محبوه الزعيم، وأغلق هذا اللقب عليه وحده

أما أفراد الأسرة الآخرون، فكانوا يُلقَّبون بـالقائد، وهي لفظة تُقال بتفخيم ولهجة صنعانية

ثم جاء مَديّن

صوت جديد من العائلة التي ارتبط حضورها في الذاكرة الجماعية بنبرة صالح الخاصة وطويلة العمر الإعلامي والسياسي

لذلك، فإن ظهور مدين في المقابلة الأخيرة كان رمزيًا أكثر من كونه محتوى فعليًا

ورغم أن حديثه يندرج داخل الدائرة الأوسع من أقرباء صالح الظاهرين في الفيلم، فقد بقي في نهاية المطاف حديثًا من وفي العائلة

مدين شاب في عمره وملامحه، يشبه أبناء هذا الجيل: مفتول العضلات، مرتاح الهيئة، مرتخي الوجنات، ملتحٍ، لامع العينين والأسنان

هذه هي اليوم معايير الشاب العالمي، لا اليمني بالضرورة

هيئته تعكس انتماءً عابرًا لا يحمل هوية محددة

 تحدث بكاريزما، لكنها لا تزال شخصية، لم تتحول إلى عملة سياسية بعد

لذلك، أستبعد أن يكون الفيلم جزءًا من مشروع ترويجي كما يذهب البعض

لأنه حين تحدث – وفقًا لما شاهدته من مقاطع متفرقة – تحدث بصفته شاهِدًا لا فاعلًا سياسيًا

كان لبقًا، متّسقًا، ومتدفقًا في حديثه، من دون نبرة خاصة أو لهجة مميزة

ولهجته لم تنتمِ إلى نمط لهجة السلطة الذي حاول صالح أن يرسّخه، أو إلى الصوت الخطابي الذي رُبط بالحكم في عهده

علاوة على ذلك، ربما الجديد في تلك المقابلة هو مدين نفسه، لا موضوع المقابلة

إذ لم يكشف الفيلم أسرارًا منتظرة، بل ساهم فقط في تعزيز السردية التي يتبناها محبو صالح حول شجاعته وبسالته

وبذلك، كشف الفيلم عن عمق الانقسام الحاد في الشارع اليمني — انقسامٌ لا يبدو أنه قابل للرتق في المستقبل القريب