مصطفى الجبزي : من يمثل مَن؟ العديني والإصلاح في منظور الأزمة اليمنية

منذ 12 ساعات

مصطفى الجبزي يتمدد عبد الله العديني كشكل من أشكال السلطة الرمزية المنفلتة، انطلقت من منبر مسجد تدعمه عائلات تجارية، في ظل فراغ السلطة المحلية داخل مدينة محاصرة، ليتوسع لاحقًا إلى فضاء حزبي وطني يتقاطع فيه بوضوح مع خصوم الدولة الحديثة واليمن الديمقراطي التعددي

لم يكن العديني ظاهرة مستحدثة، بل كان صوتًا نشازًا تخفيه مناورات حزب الإصلاح السياسية داخل الفضاء اليمني

كان صغيرًا لأن الماكينة السياسية اليمنية أكبر منه، وكان صغيرًا لأنه عاش في ظلال من هم أكثر تشددًا وأمضى سلطة داخل الإصلاح نفسه

لكنه أصبح كبيرًا مستفيدًا من عناوين المرحلة: خطيبًا في فراغ الخطاب، برلمانيًّا داخل المسجد، حارسًا للفضيلة في زمن الموت والحصار

يأتي العديني خارج المواقيت، ويخلق موعده الخاص، متكئًا على صفة الشيخ، منطلقا من المسجد، وعلى خضوع الناس لسلطة المتديّن

سأتناول هذه الظاهرة المهمة على شكل أسئلة ومحاولات للإجابة عليها

بدأ العديني صوتًا اعتبره البعض حرًّا وشفّافًا ومتسقًا مع قناعاته، بينما رآه آخرون تهديدًا لفكرة المدنية والحريات الاجتماعية، ونقيضًا لما تبقى – في ظل الحرب – من شبكات تضامن محلية، تقودها منظمات المساعدات في مدينة ترزح تحت نير العوز

قدّم نفسه كحارس لقيم التشدد، يوزّع الاتهامات شمالًا ويمينًا، مستفيدًا من تهاون الأحزاب – وعلى رأسها حزب الإصلاح – في الدفاع عن الحريات الفردية والاجتماعية، في مدينة كانت ذات يوم إحدى نوى النظام الجمهوري، قبل أن تجتاحها الحركة الحوثية

كثيرة هي الكتابات عنه وعليه

لم تكن مقالاتنا تنتشر بسهولة؛ بل إنني أرسلت مقالًا إلى صحيفة عربية محسوبة على التيار الإسلامي، تناولت فيه خطورة خطاب العديني، لكنه لم يُنشر

كانت الردود باهتة تدعم حقه في حرية التعبير مع انه ينتهك حقوق الآخرين الدستورية ويتلفظ بما لا يليق ويسمم المناخ العام بالشكوك

 تقاعست السلطة المحلية عن اتخاذ موقف حازم تجاه سلوك العديني وبذاءاته في بعض الأحيان

لم يكن العديني حالة فردية عابرة، بل هو نتاج تربية أيديولوجية تقع في قلب المشروع الإسلامي الحركي

تجمّد العديني حركياً في لحظة العام صفر، بينما مضت الحركة الإسلامية اليمنية في مسارات متعددة: بعضها اختار أن يكون حركة سياسية لا دعوية صرف، جماهيرية لا تنظيمًا جهاديًا، نصيرة – ولو في حدودها الدنيا المشروطة بالشريعة – للحريات والحقوق، لا شرطة اجتماعية

اصبح العديني أخر القطبيين في الحركة الإسلامية او الاخوان المسلميين بين هاجر الآخرون إلى فضاءات السياسية او السلفية الرمادية

 فمن خذل الآخر؟أصبح العديني اليوم لا يهدد السكينة العامة من خلال تفريخ عدد غير قليل من المتطرفين في مدينة مخنوقة بالفقر والعجز والنسيان فحسب، بل بات خطرًا على الحياة السياسية في كامل البلاد

فهو صدى للحوثية باسم الحركة الإسلامية النقية، ولغمٌ قابل للانفجار داخل حزب الإصلاح

انفجار العديني بهذا الخطاب المشحون يمثّل ناقوس خطر على الحياة الحزبية برمتها؛ لأنه يهدم السياسي لصالح الجهادي، ويُسفّه العقد الاجتماعي لصالح عقد قسري، أفضل تجسيد له هو سلطة عبد الملك الحوثي

فهل العديني مشكلة إصلاحية؟ أم تعزية؟ أم يمنية شاملة؟إصلاحيًا – أي داخل حزب الإصلاح – لا يمكن فصل الشكل عن المضمون

قد يقول أي إصلاحي إن العديني كان نائبًا برلمانيًا عن الحزب في إحدى دوائر تعز، ثم أعلن خروجه منه، وبالتالي لا يمثل إلا نفسه

لكن الحزب لم يفصله، ولم يشمله بأي مجلس تأديبي، كما فعل مع نواب آخرين

ربما لم يسمح سياق الحرب بتفعيل هذه الآلية التنظيمية، لكن هناك أدوات فقهية داخل الحزب كفيلة بردم الخلل واحتواء الشطط

الواقع الأكثر تعقيدًا هو أن حزب الإصلاح، شأنه شأن بقية الأحزاب اليمنية، يمر في خضم الحرب بأزمة شرعية (داخلية أيضًا)، وأزمة فاعلية تنظيمية

وهو ليس بمنأى عن التصدعات، خصوصًا بعد وفاة الشيخ عبد المجيد الزنداني

وهذه نقطة تستحق التوسع لاحقًا

تتمظهر هذه الأزمة بأشكال متعددة: صراعات أجيال، وصراعات داخل الجيل الواحد، وتنافس بين الأقطاب، وتنازع بين الأجنحة

تعطلت ماكينة الضبط التنظيمي في لحظة ما، ولأن الحياة الحزبية تجري وفق وتيرة الحرب، فقد تحوّلت إلى آلة طرد مركزي

إصلاحيًا أيضًا، لم يعُد هناك من يتساقط على طريق الدعوة، بل هناك من يسقط على طريق النضال السلمي والعقل السياسي، لينحدر نحو التطرف والانتحار الفكري

تضخم العديني هو إحدى أعراض المرض الاصلاحي  تنظيمياً وفكرياً في زمن الحرب

 لكنه مشكلة وشيكة تعزية وهو عنوان للمستقبل المتشدد يمنياً

 بالدستور يمكن ضبط هذا الانتفاخ وطنياً

ويعلم الإصلاح كيف يضبط الساعة الحركية فقهياً وتنظيمياً