مصطفى غليس : بين إسرائيل وإيران.. لماذا لا نتعاطف أو نحزن حين يسقط الجلاد؟

منذ 5 ساعات

مصطفى غليس في لحظة كهذه، يسأل البعض:أين مشاعرنا؟لماذا لا نحزن على ما يحدث لإيران؟لماذا لا نهتف ضد إسرائيل؟والجواب – لمن ينتقدني، أو يسأل بصدق – مؤلم بقدر ما هو واضح: لأن الجلاد، حين يسقط، لا ينبغي أن يبكيه ضحاياه

نعم، إذا جاءت العدالة أحيانًا من باب لا نحبّه، فلا بأس أن نعتبرها عدالة مستحقة، طالما أن المجرم نال جزاءه

هذا ما أشعر به اليوم بالضبط

إيران تحصد ما زرعته من شرور على يد جلادٍ آخر

ما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل ليس مجرد جولة عسكرية اعتيادية

إنه فصل جديد من صراع طويل ألقى بظلاله على المنطقة منذ أربعة عقود وعبث بها، لكنه هذه المرة مختلف تمامًا؛ فحروب الطرفين التي ظلّت تُدار لسنوات بالوكالة، صارت مباشرة، وهي موجعة للطرفين بالتأكيد، لكن ليس لنا

أنا يمني، وكإنسان عربي مسلم، أحمل عواطف متعددة

لكنني أؤمن أن العاطفة الوطنية يجب أن تكون هي الركيزة الأولى، والبوصلة التي لا تختل

قد تتحرك مشاعري القومية مع فلسطين، وتتأثر عاطفتي الدينية حين تُستهدف أي دولة مسلمة، لكن هذه المشاعر لا يمكن أن تتفوق على إحساسي الوطني، ولا أن تُلزم ضميري بتعاطف مع من دمّر وطني بيده، وأحرقه بنيرانه

أنا لا أتعاطف مع إيران ويستحيل أن أفعل

هذا شعوري الطبيعي والحقيقي، لا عن حقد، بل عن قناعة، لأنها لم تكن يومًا معنا، بل ضدنا، وساهمت في خراب اليمن، وفي غيره من الدول العربية كلبنان وسوريا والعراق

وما تزال تطمح إلى الوصول إلى دول عربية أخرى لتدميرها

إيران، التي تذلها إسرائيل اليوم بضربات قوية ومتتالية، لن ولم تكن ضحية في وجدان شعوبنا، بل كانت – وما زالت – الآفة التي مزّقت أوطاننا، وزرعت الفوضى، وأشعلت الحروب التي أكلت أكباد أطفالنا

وما نراه اليوم ليس نهاية بريء، بل حصاد جلادٍ أسرف في الأذى، وتوهّم أنه فوق المحاسبة

ومن الذي يحاسبها اليوم؟ لا يهم من يكون، حتى لو كانت إسرائيل، طالما أنها تنال الجزاء، وتشرب من كأس مرير لطالما أجبرتنا قهرًا على الشرب منه

لقد شربت من دمائنا نحن اليمنيين والعرب، فلماذا نتعاطف معها؟هل كان اليمنيون والعرب والمسلمون عمومًا ليتشفّوا بما يجري لإيران، لو أنها كفّت عنا شرّها؟ لو لم تكن رأس الحربة في تفكيك المجتمعات، وتمزيق الدول، وتسليح المليشيات لتدمير الأوطان؟الإجابة بسيطة؛ تابعوا ردود الفعل في الشارع الإيراني نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها تابعوا ردود أفعال الشوارع العربية، من اليمن، مرورًا بالخليج، إلى المغرب العربي، وستجدون قاسمًا مشتركًا: ارتياح شعبي واسع لما تتعرض له طهران

فإيران لم تترك للناس خيارًا

نبذت نفسها من محيطها، حين جعلت من المذهب غطاءً للتوسع، ومن المقاومة شعارًا لانتهاك سيادة الدول وإسقاطها، ومن الفوضى والإرهاب وظيفة رسمية لوكلائها

في اليمن، نحن لا نحتاج إلى من يخبرنا عن نوايا إيران، فقد عشناها واقعًا

كل رصاصة أطلقت، وكل نفس أزهقت، وكل بيت خُرّب، وكل مؤسسة انهارت، تقف خلفها طهران، إما بالتمويل، أو بالتحريض، أو بالسلاح

وفق تقارير ميدانية ومستقلة، تسببت الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران في مقتل ما يزيد عن 300 ألف يمني، وتشريد الملايين، واختطاف وتصفية الآلاف، وتفجير المئات من المدارس ودور العبادة والمنشآت العامة

 فكيف يُطلب من الضحايا أن يتعاطفوا مع جلادهم؟إسرائيل، التي تخوض اليوم حربًا مع إيران ليست بريئة أيضًا

لقد ارتكبت - وما تزال - جرائم فظيعة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، من اغتيالات واعتقالات إلى حصار وتجويع وتنكيل يومي

هذه الجرائم أفقدتها – وبحق – أي تعاطف يمني أو عربي أو إسلامي أو حتى دولي، خصوصًا على المستوى الشعبي، حيث يتزايد الوعي بفظائع الاحتلال، رغم الصمت الدبلوماسي المريب في كثير من الأحيان

لكن الحقيقة أن فظاعة إسرائيل لا تبرر لإيران فظاعتها بحقنا، ولا يمكن أن نغسل بجرائمها المرتكبة في أخوتنا الفلسطينيين خطايا إيران، كما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُعيد إلى طهران ورقة أخلاقية فقدتها بتدخلها في أوطاننا

نحن لسنا مجبرين على منح التعاطف بالمناولة السياسية أو الانتماء الديني

ثم من هو هذا المجنون الذي قد يمنح تعاطفه لقاتله، حتى لو كان يُضرب اليوم بيد قاتلٍ آخر لا يتوافق معه؟إيران تُعاقب اليوم وهذا يُبهجنا، لا لأن إسرائيل عادلة في موقفها، أو على حق فيما تفعله، أو أيًا كان دافعها وهدفها، بل لأن طهران أسرفت في دمنا، وملاليها أباحوا قتلنا، واسترخصوا أرواحنا، وحاولوا طمس هويتنا ومحو عقيدتنا، فخسرت تعاطفنا

ومن جعل من الإرهاب دينًا، ومن الخراب عقيدة، فليتوقّع أن يموت بلا عزاء

بالمناسبة، وقبل الختام، ينبغي أن أشير إلى حقيقة مهمة كشفت عنها الأحداث الأخيرة

دقة العمليات الاسرائيلية في استهداف أهم وأكبر القيادات الإيرانية العسكرية في عمليات فجر الجمعة، وقبلها استهداف قيادات حزب الله في لبنان، والقضاء عليها بشمولية ودقة متناهية، يؤكد أمر واحد لا ثاني له، وهو أن القيادات الحوثية ليست عصية على إسرائيل ولا على أمريكا، ولكنها ماتزال ورقة ضغط ومساومة بيد القوى الدولية لابتزاز دول المنطقة