مصطفى غليس : مغالطات أبو عوذل

منذ 2 ساعات

نشر الناشط في المجلس الانتقالي صالح أبو عوذل مقالًا يبدو في ظاهره تحليلًا سياسيًا، لكنه في جوهره خطاب مناطقي إقصائي يقوم على مغالطات واضحة، ويسعى إلى تكريس سردية ما يسميه “التحشيد ضد الجنوب”، في محاولة لقلب الحقائق، وتجاهل طبيعة الصراع الذي يخوضه المجلس الانتقالي ضد أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، خصوصًا حضرموت والمهرة، وما رافق ذلك من انتهاكات وانعكاسات خطيرة على مستقبل اليمن وأمن محيطه

هذا الخطاب، الذي يعكس السردية الإعلامية للمجلس الانتقالي ورعاته الإقليميين، يعيد إنتاج الأزمة بوصفها مواجهة شمال–جنوب، رغم أن الوقائع تؤكد أن الصراع الحقيقي ناتج عن انقلاب مسلح قادته مليشيا الحوثي الإرهابية ضد اليمن كله، أعقبه مسار من الخيارات السياسية والعسكرية الخاطئة، وفي مقدمتها خيارات المجلس الانتقالي، الذي أُعلن بعد عامين من بدء عملية تحرير كانت تتقدم بثبات نحو صنعاء، قبل أن تؤدي تلك الحسابات الخاطئة والتدخلات الإقليمية إلى توقف التحرير، وتشتيت الجهد الوطني، وفتح جبهات داخلية لم تخدم في المحصلة سوى مليشيا الحوثي الإرهابية

وليس جديدًا لجوء المجلس الانتقالي إلى قلب الحقائق كلما ضاق أفقه السياسي، إلا أن اللافت في هذا الخطاب هو محاولته نقل الأزمة من صراع مع مشروع انقلابي سلالي إلى معركة وهمية ضد “تحشيد ضد الجنوب”، في تجاهل فج لسجل الوقائع منذ 2014

التشكيك في دور مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه الدكتور رشاد العليمي يتجاوز النقد المشروع إلى تزييف متعمّد لطبيعة الصراع، ومحاولة إعفاء الطرف الذي لم يخض معركة جادة باتجاه صنعاء من مسؤوليته، رغم أن دماء أبناء الشمال والجنوب وأبناء التحالف امتزجت لتحرير المحافظات الجنوبية، في حين جرى استنزاف الشرعية عبر فتح جبهات داخلية قدّمت للحوثي أعظم خدمة مجانية

منذ سقوط صنعاء بيد مليشيا الحوثي الإرهابية في 21 سبتمبر 2014، كان المطلوب توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي، لكن المجلس الانتقالي، منذ تأسيسه في 2017، اختار مسارًا مغايرًا، ففتح جبهات في عدن ولحج وأبين ثم شبوة، وصولًا إلى حضرموت والمهرة في 2025، وهما محافظتان لم تكونا ساحتي حرب، وتمتعتا باستقرار نسبي وسلطة محلية وأجهزة أمنية تعمل ضمن إطار الدولة

ما جرى في حضرموت والمهرة لا يندرج في سياق الخلاف السياسي فقط، بل يرقى إلى انتهاك صريح للدستور، وتجاوز لاختصاصات السلطة الشرعية، وفرض واقع أمني بالقوة، رافقته اعتقالات وملاحقات واقتحام مؤسسات وتهديد للسلم الأهلي، وهي أفعال مجرّمة قانونًا وتشكل تمردًا مسلحًا لا يسقط بالتقادم

كما مثّل هذا السلوك خرقًا لجهود الوساطة الإقليمية التي تقودها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقوّض التفاهمات الأمنية، وعرّض المدنيين لمخاطر مباشرة، وهدد النسيج الاجتماعي في محافظات عُرفت تاريخيًا بالاستقرار

أما الادعاء بأن ما يجري دفاع عن الجنوب أو حماية لساحل بحر العرب فلا يصمد أمام سؤال بسيط: من يسيطر منذ سنوات على الموانئ والمطارات والمعسكرات في عدن، ومن يمنع الحكومة المعترف بها دوليًا من ممارسة عملها، ومن يحتكر السلاح والقرار الأمني خارج إطار الدولة

الأكثر تناقضًا هو مطالبة أنصار الانتقالي رئيس مجلس القيادة بالذهاب إلى مأرب لقيادة الحرب، في وقت لم يقدّم فيه الانتقالي نموذجًا واحدًا لمعركة جادة ضد مليشيا الحوثي الإرهابية، ولم يتخذ موقفًا عمليًا يضعه في صف استعادة الدولة

وفي الوقت الذي لا يجوز فيه إنكار عدالة القضية الجنوبية بوصفها قضية سياسية وحقوقية حقيقية، فإن هذه العدالة لا تمنح أي طرف حق احتكار تمثيل الجنوب أو فرض خياراته بالقوة

فالمجلس الانتقالي لا يمثل الجنوب بكل تنوعه، وحل القضية الجنوبية لا يمكن أن يكون إلا حلًا سياسيًا تفاوضيًا عادلًا، ضمن مسار وطني شامل، وتحت سقف الدولة والقانون، لا عبر العسكرة وفرض الأمر الواقع

أما ما قيل عن اصطفاف مؤسسات الدولة مع ما يُسمّى “مشروع الجنوب”، فلم يكن تعبيرًا عن إرادة حرة، بل نتاج واقع مفروض بالقوة، وانتزاع مواقف تحت الضغط والترهيب، بما يُفقدها أي قيمة قانونية أو سياسية

وفي المحصلة، فإن أي خطاب يبرر فتح الجبهات الداخلية، ويشيطن الشرعية، ويحيّد مليشيا الحوثي الإرهابية عن مركز الصراع، لا يخدم الجنوب ولا الوطن، بل يقدم خدمة سياسية مباشرة للمشروع الانقلابي مهما اختلفت الشعارات

نشر الناشط في المجلس الانتقالي صالح أبو عوذل مقالًا يبدو في ظاهره تحليلًا سياسيًا، لكنه في جوهره خطاب مناطقي إقصائي يقوم على مغالطات واضحة، ويسعى إلى تكريس سردية ما يسميه “التحشيد ضد الجنوب”، في محاولة لقلب الحقائق، وتجاهل طبيعة الصراع الذي يخوضه المجلس الانتقالي ضد أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، خصوصًا حضرموت والمهرة، وما رافق ذلك من انتهاكات وانعكاسات خطيرة على مستقبل اليمن وأمن محيطه

هذا الخطاب، الذي يعكس السردية الإعلامية للمجلس الانتقالي ورعاته الإقليميين، يعيد إنتاج الأزمة بوصفها مواجهة شمال–جنوب، رغم أن الوقائع تؤكد أن الصراع الحقيقي ناتج عن انقلاب مسلح قادته مليشيا الحوثي الإرهابية ضد اليمن كله، أعقبه مسار من الخيارات السياسية والعسكرية الخاطئة، وفي مقدمتها خيارات المجلس الانتقالي، الذي أُعلن بعد عامين من بدء عملية تحرير كانت تتقدم بثبات نحو صنعاء، قبل أن تؤدي تلك الحسابات الخاطئة والتدخلات الإقليمية إلى توقف التحرير، وتشتيت الجهد الوطني، وفتح جبهات داخلية لم تخدم في المحصلة سوى مليشيا الحوثي الإرهابية

وليس جديدًا لجوء المجلس الانتقالي إلى قلب الحقائق كلما ضاق أفقه السياسي، إلا أن اللافت في هذا الخطاب هو محاولته نقل الأزمة من صراع مع مشروع انقلابي سلالي إلى معركة وهمية ضد “تحشيد ضد الجنوب”، في تجاهل فج لسجل الوقائع منذ 2014

التشكيك في دور مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه الدكتور رشاد العليمي يتجاوز النقد المشروع إلى تزييف متعمّد لطبيعة الصراع، ومحاولة إعفاء الطرف الذي لم يخض معركة جادة باتجاه صنعاء من مسؤوليته، رغم أن دماء أبناء الشمال والجنوب وأبناء التحالف امتزجت لتحرير المحافظات الجنوبية، في حين جرى استنزاف الشرعية عبر فتح جبهات داخلية قدّمت للحوثي أعظم خدمة مجانية

منذ سقوط صنعاء بيد مليشيا الحوثي الإرهابية في 21 سبتمبر 2014، كان المطلوب توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي، لكن المجلس الانتقالي، منذ تأسيسه في 2017، اختار مسارًا مغايرًا، ففتح جبهات في عدن ولحج وأبين ثم شبوة، وصولًا إلى حضرموت والمهرة في 2025، وهما محافظتان لم تكونا ساحتي حرب، وتمتعتا باستقرار نسبي وسلطة محلية وأجهزة أمنية تعمل ضمن إطار الدولة

ما جرى في حضرموت والمهرة لا يندرج في سياق الخلاف السياسي فقط، بل يرقى إلى انتهاك صريح للدستور، وتجاوز لاختصاصات السلطة الشرعية، وفرض واقع أمني بالقوة، رافقته اعتقالات وملاحقات واقتحام مؤسسات وتهديد للسلم الأهلي، وهي أفعال مجرّمة قانونًا وتشكل تمردًا مسلحًا لا يسقط بالتقادم

كما مثّل هذا السلوك خرقًا لجهود الوساطة الإقليمية التي تقودها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقوّض التفاهمات الأمنية، وعرّض المدنيين لمخاطر مباشرة، وهدد النسيج الاجتماعي في محافظات عُرفت تاريخيًا بالاستقرار

أما الادعاء بأن ما يجري دفاع عن الجنوب أو حماية لساحل بحر العرب فلا يصمد أمام سؤال بسيط: من يسيطر منذ سنوات على الموانئ والمطارات والمعسكرات في عدن، ومن يمنع الحكومة المعترف بها دوليًا من ممارسة عملها، ومن يحتكر السلاح والقرار الأمني خارج إطار الدولة

الأكثر تناقضًا هو مطالبة أنصار الانتقالي رئيس مجلس القيادة بالذهاب إلى مأرب لقيادة الحرب، في وقت لم يقدّم فيه الانتقالي نموذجًا واحدًا لمعركة جادة ضد مليشيا الحوثي الإرهابية، ولم يتخذ موقفًا عمليًا يضعه في صف استعادة الدولة

وفي الوقت الذي لا يجوز فيه إنكار عدالة القضية الجنوبية بوصفها قضية سياسية وحقوقية حقيقية، فإن هذه العدالة لا تمنح أي طرف حق احتكار تمثيل الجنوب أو فرض خياراته بالقوة

فالمجلس الانتقالي لا يمثل الجنوب بكل تنوعه، وحل القضية الجنوبية لا يمكن أن يكون إلا حلًا سياسيًا تفاوضيًا عادلًا، ضمن مسار وطني شامل، وتحت سقف الدولة والقانون، لا عبر العسكرة وفرض الأمر الواقع

أما ما قيل عن اصطفاف مؤسسات الدولة مع ما يُسمّى “مشروع الجنوب”، فلم يكن تعبيرًا عن إرادة حرة، بل نتاج واقع مفروض بالقوة، وانتزاع مواقف تحت الضغط والترهيب، بما يُفقدها أي قيمة قانونية أو سياسية

وفي المحصلة، فإن أي خطاب يبرر فتح الجبهات الداخلية، ويشيطن الشرعية، ويحيّد مليشيا الحوثي الإرهابية عن مركز الصراع، لا يخدم الجنوب ولا الوطن، بل يقدم خدمة سياسية مباشرة للمشروع الانقلابي مهما اختلفت الشعارات