مصطفى ناجي : ‏الانتقالي والزومبية السياسية

منذ 2 ساعات

مصطفى ناجي ‏أظنكم جميعًا سمعتم بكلمة زومبي (Zombie)

‏والمقصود بها كائن ميت أو فاقد للإرادة، يتحرك دون وعي أو تفكير، وتدل حركته على تحكّم خارجي

‏وللكلمة دلالات أخرى أكثر واقعية في عالم الطبيعة؛ إذ تقدّم دراسات الفطريات الاجتياحية أمثلة مدهشة على العلاقات الطفيلية بين الكائنات

‏في عام 2021، صادف فريق الوثائقيات Winterwatch التابع لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أثناء توثيقه حلقة في أحد كهوف أيرلندا الشمالية، حالة غريبة: عنكبوت تعلو ظهره ساق بيضاء

‏اتضح لاحقًا أن العنكبوت لم يكن سوى جسد خارجي لكائن آخر استولى عليه من الداخل

‏ثم ظهرت دراسة علمية تتناول كيف يقوم فطر بالسيطرة على عنكبوت وجعله خاضعًا له تمامًا

إنها ظاهرة zombification، أي “تحويل إلى كائن شبيه بالزومبي”، وهي ظاهرة مدهشة فعلًا

‏ولا يقتصر الأمر على الفطريات؛ فهناك أيضًا حيوانات طفيلية أخرى ذات تأثير زومباوي (zombifiant) تدخل حياة حيوانات أخرى، فتستولي عليها وتتحكم بسلوكها بما يخدم مصلحتها، إلى درجة تجعل من الحيوان المستولى عليه شيئًا خاصًا بها، فيتصرف وكأنه لم يعد هو نفسه، بل كائن آخر يعمل في خدمة كائن طفيلي مختلف

في بعض الحالات لا يموت الكائن المستولى عليه

 بل يبقى على قيد الحياة ويتصرف دون إرادته لأن الكائن الطفيلي استولى على جهازه العصبي وهكّره

 ‏وفي عالم السياسة، لدينا هذه الظاهرة أيضًا

تتجسد هذ الظاهرة كما تترجمها الحالة السياسية اليمنية منذ عشر سنوات بحدوث انقلابات ليست كالانقلابات التقليدية

إذا لا يذهب المنقلبون إلى الاستيلاء على السلطة وكنس النظام السابق

بل لديهم أسلوب جديد يتلخص في الاستيلاء على السلطة من بطنها  وإبقاء جثتها وجعلها تتحرك لصالح الانقلابيين

بدأ الأمر في لبنان بإرادة إيرانية عبر وكيلها المحلي حزب الله

 ‏تتبدى أول ملامح هذه الحالة الطفيلية الزومبية بظهور كتلة سياسية معطلة ثم تبدأ شيئاً فشيئاً بتعزيز نصيبها من الوظائف العليا والحساسة والسيادية وإصابة الحكومة بالشلل والاستيلاء على العقل الإداري والتحكم بالعاصمة

 ‏ ‏في اليمن في نهاية العام 2014 حاول الحوثي الاستيلاء على الحكومة في عهد الرئيس هادي، وتحويلها، من خلال الالتزام الحرفي بالخطوات الطفيلية المذكورة أعلاه،  إلى كيان زومبي يتحكم به من الداخل ليخدم مصالحه، لولا أن هادي أفلت من ذلك

‏وكان ثمن هذا السلوك الطفيلي في عالم السياسة أن انزلقت اليمن إلى حرب طحنت البلاد والعباد

 ‏ولدينا حالة أخرى ينفذها الانتقالي تدريجياً منذ سنوات خصوصا من العام 2022 بطريقة زومباوية؛ فوزراؤه ونواب الوزراء والوكلاء في الحكومة اليمنية يستمرون في العمل باسم الحكومة اليمنية، بينما يخدمون مشروع الانتقالي، لتغدو الحكومة اليمنية المعترف بها شرعيًا ليست أكثر من كائن زومبي خاضع لسيطرة كائن طفيلي آخر استولى عليه من داخله

‏ إن الصمت الذي تمضي فيه الحكومة اليمنية أمام أفعال انقلاب الانتقالي لا يدل إلا على أنها تحولت إلى عنكبوت أو نملة زومبي استوطنها كائن طفيلي آخر، وغدت جثة خادعة

‏فما هو الثمن المطلوب أكثر مما هو حاصل لهذه الحالة الزومباوية؟*من صفحة الكاتب على منصة إكس