معركة جديدة في اليمن ساحتها موارد الطاقة
منذ 2 سنوات
أثار الهجوم على مرفأ الضبة، لتصدير النفط، في محافظة حضرموت، شرقي اليمن تساؤلات حول الاتجاه الذي تسير إليه الأوضاع في اليمن بعد هدوء نسبي خلال الأشهر الستة الماضية منذ ثمان سنوات
حيث سمحت الهدنة بوصول منتظم لواردات الوقود لميناء الحديدة الخاضع لسلطات جماعة الحوثي (أنصار الله) كما أن الهدنة رفعت القيود جزئيا عن الرحلات التجارية لمطار صنعاء الواقع أيضا ضمن مناطق سيطرة الجماعة
لكن مساء الجمعة 21 أكتوبر وقع هجوم بطائرتين مفخختين استهدف ميناء الضبة في مديرية الشحر على ساحل حضرموت
في ذلك الوقت، كانت ناقلة النفط (NISSOS KEA) التي ترفع علم جزر مارشال في الميناء مستعدة لتحميل شحنة نفط، وغادرت الميناء مباشرة عقب الهجوم، بأمان
يشير الهجوم إلى تحول خطير في الصراع الدائر في اليمن منذ مطلع 2015 باتجاه موارد النفط التي تشكل مصدرالدخل الرئيسي للحكومة المعترف بها دوليا
ووصل إنتاج النفط في اليمن في ديسمبر 2021 حوالي 44
8 ألف برميل يوميا تصدر جميعها من ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة بمديرة الرضوم بشبوة
وصدرت اليمن16
6 مليون برميل نفط في 2021 بقيمة إجمالية 1
17مليار دولار، حسب موقع أكابس، الذي يقدم بيانات تحليلية للوضع الإنساني في اليمن
وفعليا الهجوم يعيق مساعي الحكومة بقيادة المجلس الرئاسي باتجاه استئناف تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف في شبوة الذي تخطط له الحكومة منذ سنوات
ويعد ميناء الضبة (الشحر) على بحر العرب المرفأ الرئيسي لتصدير النفط من حقول شبوة وحضرموت، وتم انشاءه عام 1993، كثاني ميناء مؤهل لشحن السفن بالنفط الخام، بمساحة 1،790 مليون متر مربع
أعلنت جماعة الحوثي (أنصار الله) مسؤوليتها عن الهجوم الذي وصفته بأنه “ضربة تحذيرية بسيطة”؛ لمنع سفينة نفطية كانت تحاول نهب النفط الخام
” وفق تعبيرها
وقالت على لسان متحدثها العسكري يحيى سريع في بيان نشره على حسابه بموقع التدوين المصغر تويتر، إن السفينة خالفت القرار الصادر عن الجهات المختصة بحظر نقل وتصدير المشتقات النفطية، محذرا بقية الشركات بضرورة “الامتثال لقرارات حكومة صنعاء والابتعاد عن المساهمة في نهب ثروة اليمن”
ولم ينجم عن الهجوم أي أضرار بشرية أو مادية، حسبما أفادت وزارة النفط التابعة للحكومة في بيان لها، موضحة أن لهذه الضربة تداعيات سابقة، حيث بعث الحوثيون رسالة عبر البريد الإلكتروني لمالك الباخرة اليونانية ماران كانوبوس، في العاشر من الشهر الجاري، تضمنت “تهديدات” باستهداف الباخرة ما دفع مالكها لعدم دخول ميناء الضبة وتعاقد الشركة المنتجة مع باخرة أخرى (Nissos Kea) تحمل علم دولة جزر المارشال ودخلت الميناء في تاريخ 18 من نفس الشهر
يأتي الهجوم على ميناء الضبة؛ بعد مرور يومين على هجوم مشابه استهدف فيه الحوثيون سفينتي “هانا” و”التاج بات بليو ووتر” الراسيتين في ميناء النشيمة بمديرية الرضوم بمحافظة شبوة، غرب حضرموت، في 18 و19 أكتوبر الجاري، بدون خسائر، وفق بيان وزارة النفط
يمثل هذا الهجوم أبرز تصعيد في الصراع اليمني منذ فشل تمديد الهدنة بين الحكومة وجماعة الحوثي مطلع الشهر الجاري
ومع انتهاء الهدنة، هددت الجماعة باستهداف الشركات النفطية العاملة في مناطق سيطرة الحكومة، ومنحتها مهلة للتوقف عن ما تسميه “نهب الثروات اليمنية السيادية”
وتعمل عدد من الشركات الأجنبية في قطاعي النفط والغاز في المحافظات الشرقية من اليمن، الخاضعة لسلطة الحكومة
يسعى الحوثيون من خلال تهديداتهم باستهداف السفن النفطية للضغط على الحكومة والتحالف للحصول على مزيد من التنازلات في مفاوضات تمديد الهدنة خصوصًا فيا يتعلق بصرف مرتبات الموظفين
وقال القيادي في الجماعة محمد البخيتي في تغريدة على تويتر، إنّ “العملية القادمة ستكون في السفينة نفسها حتى توقف دول العدوان نهب ثرواتنا ويتم تخصيصها للمرتبات والخدمات في كل المحافظات”، حسب تعبيره، محذرًا التحالف العربي الذي تقوده السعودية من أي تصعيد وأنه “سيواجه بالمثل بحرًا وبرًا”
الباحث اليمني المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، علي الذهب، يرى بأن دوافع الهجوم مرتبط بالهدنة واشتراطات الحوثيين لتمديدها ونظرًا لعدم “تحقق مرادهم لجأوا إلى العنف (…) مستغلين حاجه المجتمع الدولي للنفط والغاز و حاجته أيضًا للسلام”، حسب قوله
وانتهت الهدنة في الثاني أكتوبر الجاري، بسبب تقديم الحوثيين مطالب جديدة تتضمن دفع الحكومة اليمنية رواتب عناصرها من عائدات صادرات النفط
ويشير الذهب إلى أن هناك مناسبات كثيرة في المنطقة وأحداث تفرض على الستة الأشهر على الأقل القادمة بأن تكون فترة سلام
ويضيف الذهب بأن هذه الأحداث متعلقة “بتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وحاجة إدارة جو بايدن لورقة تلوح بها أمام الجمهوريين خلال الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم بأنه حقق شيء فيما يخص ملف اليمن وإحلال السلام ووقف الحرب”
يستبعد الذهب أن يرد التحالف العربي على هجمات الحوثيين لاسيما وأن مجلس التعاون الخليجي لديه مناسبة كأس العالم بالإضافة إلى إن السعودية تريد أن تخرج من هذه الحربويضيف للمشاهد أن “وضع الحوثيين مريح جدا ويستغلون كل هذه الظروف للضغط على الحكومة لتحميلها أعباء هم بالأحرى ملتزمون بها وفقا لاتفاق ستوكهولم وهي أعباء تسليم مرتبات الخدمة المدنية بما فيهم العسكريين وفقًا لكشوفات ما قبل 2014″
ولقي الحادث إدانات واسعة من دول ومنظمات غربية وعربية وأممية، واعتبرت في بيانات متفرقة الهجوم بأنه “تصعيدًا مقلقًا للغاية” و”تهديد صارخ للتجارة البحرية الدولية”؛ وسط دعوات للأطراف اليمنية إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس والتجاوب مع المساعي الدولية والإقليمية لتجديد الهدنة
وتضغط الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ من أجل تمديد وتوسيع نطاق الهدنة التي بدأ سريانها مطلع أبريل الماضي
وهنا، يرى أستاذ إدارة الأزمات الدولية نبيل الشرجبي، أن الهجوم لن يؤثر على المساعي الأممية لتمديد الهدنة، بل قد أنه قد يسرع أكثر في تقديم التحالف والأمم المتحدة تنازلات للحوثيين
والسبب باعتقاده أن “الأطراف المنخرطة في الملف اليمني تخوض أكثر من صراع وأزمة” مشيرًا إلى انشغال “الأمم المتحدة بالحرب في أوكرانيا والسعودية (تشهد) أزمة مع أمريكا بسبب النفط”
ومن وجهة نظره فإنه لا يوجد لدى الأطراف رغبة في الدخول بأكثر من صراع في وقت واحد وهذه المعادلة، “يدركها تماما الحوثيين ولذا جاءت هذه الضربة في مثل هذا التوقيت” كما يقول للمشاهد
ردًا على الهجوم الحوثي؛ أعلن مجلس الدفاع الوطني (أعلى سلطة دفاعية وأمنية في البلد)، اتخاذ قرارات “حازمة لردع الاعتداءات”، ومن ضمنها تصنيف جماعة الحوثي “منظمة إرهابية” في خطوة نادرة منذ اندلاع الحرب
وحذر من أن هذا التصعيد من شأنه إعفاء الحكومة من جميع التزاماتها تجاه بنود الهدنة المنتهية واتفاق ستوكهولم، والتسهيلات الخدمية الأخرى
وفي حال تخلت الحكومة عن التزاماتها؛ فإن هذا سيؤدي إلى منع وصول المشتقات النفطية إلى الحديدة والرحلات الجوية من مطار صنعاء والتي ما زالت سارية ضمن الهدنة المنتهية
ومن وجهة نظر، رئيس مركز أبعاد للدراسات (يمني غير حكومي)، الباحث عبدالسلام محمد، فإن قرار مجلس الدفاع تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية”، يُعتبر من “الركائز الأساسية لإسقاط الجماعة وقد اكتملت بهذا الإعلان”
ويقول في تغريدات على حسابه في تويتر، إن “الحرب معها سيكون ضمن مكافحة الإرهاب إلى جانب تمرد وانقلاب، وهذا يحتاج لتفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مع اليمن بهذا الخصوص”
ويضيف أنه للحكومة اليمنية أن تطلب رسميا دعم دولي من طيران مسير وصواريخ موجهة وأسلحة نوعية وتقنيات حديثة ضمن اتفاقيات مكافحة الإرهاب واستخدامها ضد جماعة الحوثي
وقد تكون الإجراءات الأخيرة بداية لعودة التصعيد بين أطراف النزاع من جديد ولكن هذه المرة ساحتها الموانئ والموارد النفطية
ليصلك كل جديد