ممارسات عائلية تعمق “العنوسة” في اليمن
منذ 5 أشهر
تعز- أسامة الفقيه“أخواتي الثلاث تزوجن وأصبحن أمهات
كل واحدة منهن كونت أسرتها الخاصة، إلا أنا
أتذكر أن ثلاثة شباب في سنوات مختلفة تقدموا لخطبتي عندما كنت في العشرينات من عمري، لكن والدي رفضهم، وكان المبرر أنه يحتاجني لخدمته وخدمة أمي
”بهذه الكلمات تلخص أماني، 43 عامًا، من ريف تعز، معاناتها التي قد تلازمها حتى تفارق الحياة
اليوم، تتمنى أماني أن تغادر هذه الحياة قبل أبيها وأمها، لأنها لن تجد من تسكن معه بعد وفاتهم
تقول لـ “ماذا تفعل امراة دون زوج، وأبناء يهتمون بها في شيخوختها؟ ستكون عالة على الأقارب والجيران، وهذا ما أخشاه
”في اليمن، تمنع بعض الأسر الريفية الفتيات من الزواج، إذ تعتمد العائلات على الفتيات في أعمال البيت والزراعة، ورعي الأغنام، وجلب المياه، دون أي اهتمام لحقوقهن الشرعية والقانونية، ورغباتهن النفسية والفسيولوجية في الزواج والاستقرار
أماني ليست الوحيدة التي لا زالت دون زواج بسبب قرار أبيها، بل واحدة من الكثير من النساء في العديد من المحافظات اليمنية
في مطلع العام 2021، نشر مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث بحثًا عن ارتفاع معدل العنوسة في الوطن العربي، وصنف البحث اليمن في المرتبة (14) بنسبة تقديرية بنحو أكثر 30 في المئة، حيث تستمر حالة الحرب والصراع في رفع نسب تأخر سن الزواج
ثقافة سلبية ووعي ضعيف الناشطة الحقوقية وئام المقطري تقول لـ “المشاهد” إن استمرار ارتفاع نسبة العنوسة في اليمن يحدث لعدد من الأسباب، منها الحفاظ على القوى العاملة في الأسرة، والاستفادة من خدمات الفتاة في المنزل والأرض الزراعية، حيث تعد النساء بالنسبة للأسرة أيد عاملة مجانية، ومصدر لتحقيق دخل مادي
تشير المقطري إلى وجود قناعات موروثة تعمق العنوسة في اليمن، في ظل ضعف إدراك الأهل عواقب حرمان بناتهم من الزواج، وقلة وعي الفتيات بكيفية انتزاع حقوقهن الاجتماعية الشرعية والقانونية
على الرغم من أن اليمن من ضمن الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أن تطبيق تلك الاتفاقية لم يتحقق على أرض الواقع
ولا زالت الكثير من الفتيات، بخاصة في الريف اليمني، غير قادرات على الحصول على حقوقهن أو الدفاع عنها
تعمل العديد من منظمات المجتمع المدني في اليمن، لكن تلك المنظمات لا تنشط بشكل كاف لمساندة النساء اللاتي يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي
آمال محمد، ناشطة حقوقية في تعز، تقول لـ “المشاهد” إن منظمات المجتمع المدني تبدو كما لو كانت تتجاهل العمل حول هذه القضية، وتؤكد أنها لم تسمع عن منظمات عملت على هذه المشكلة، إذ تركز تلك المنظمات على زواج القاصرات
الانعزال عن المجتمعترفض الأربعينية سعاد علي الخروج إلى حفلات الأعراس في الأحياء المجاورة، لكي تتجنب الأسئلة المحرجة، مثل: “لماذا لم تتزوجي” إلى متى ستظلين دون زواج؟”
ولهذا السبب، تفضل سعاد ومثيلاتها الانعزال قدر الإمكان، هربًا من سخرية المجتمع
الأخصائية النفسية كريمة الصمدي تقول لـ “المشاهد”: “للمجتمع نظرة سلبية للمرأة التي دخلت ما يسمى بمرحلة “العنوسة
ولهذه النظرة المجتمعية اتجاهين: إما التعاطف بدرجة كبيرة يجعل المرأة التي لم تتزوج تشعر بالضعف ونقص الثقة في نفسها، وإما السخرية منها باعتبار إنها لم تنل إعجاب شريك حياة، ما يجبرها على الانسحاب من المجتمع
”إيذاء نفسي واجتماعيتمارس بعض الأسر العنف على الفتاة، ويتم حرمانها من الزواج وتكوين أسرة، لكي تتمكن تلك الأسر من تحقيق بعض المصالح، ما ينعكس سلبًا على نفسية وحياة الفتاة التي تجد نفسها وحيدة مقيدة
تقول الصمدي إن هذا القهر للفتاة يتسبب بتراكم المشاعر السلبية تجاه والديها، كونهما السبب في حرمانها من حقوقها، ويؤدي ذلك إلى إصابة الفتاة بالاكتئاب والتفكير بالانتحار، رغبة في التخلص من الحياة البائسة
تصبح المرأة أو الفتاة أكثر عدوانية تجاه المحيطين بها، وتصبح أكثر انفعالًا وعصبية إزاء أبسط الأشياء، وتفقد القدرة على تحمل الضغوط اليومية
هذا الأمر قد يدفع الفتاة إلى التفكير بطرق عدة للتخلص من دائرة القمع والحصار، كالتفكير في الهروب من أسرتها، وقد ينتهي بها الأمر إلى الانخراط في سلوك غير سوي، وفقًا للصمدي
الدكتور محمود البكاري أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، يقول لـ “المشاهد”: “إذا حاولت الفتاة التعبير عن حقها، تقابلها نظرة الاتهام من قبل المجتمع بأنها خالفت الآداب والأعراف، ويمكن أن تجد نفسها منبوذة أو محتقرة
ولذلك، ما على الفتاة سوى الامتثال والسمع والطاعة للأسرة وولي الأمر”
سواء كانت المرأة متعلمة أو أمية، فإنها تظل أسيرة لدى أسرتها في بعض المجتمعات
يضيف البكاري: “بعض أولياء الأمور يرفضون تزويج البنت إذا كانت موظفة، لأنهم يخافون فقدان الراتب الشهري الذي يحصلون عليه كل شهر، ويعد هذا عنفًا اقتصاديًا، يضاف إلى العنف النفسي
”رأي القضاةالزواج حق مشروع لكل فتاة بلغت سن الزواج، ولا يوجد مسوغ يمنع عنها هذا الحق في أي ظرف من الظروف
يقول القاضي محمد مهيوب أمين سر محكمة الخوخة، لـ ” المشاهد”: “المعلوم فقهًا وقضاًء وقانونًا أنه إذا امتنع الولي عن زواج من هي تحت ولايته، سواء كانت ابنة أو أخت أو أم أو أي من بنات الأخوة والأعمام اللاتي لا أولياء لهن سوى ذلك الولي أو لاعتباره صاحب المرتبة الأولى للولاية الشرعية مع أنه يتقدم لها من يرغب الزواج بها، فهذا يسمي قانونا عضل الولي”
وحول الطرق التي يمكن أن تتبعها المرأة في مواجهة هذه الحالة، يوضح القاضي مهيوب: “كفل القانون للمرغوب الزواج بها أن تختصم وليها بدعوى تسمى “دعوى عضل” أمام القاضي المختص؛ فإن امتثل الولي وحضر أمام المحكمة، فإنه يبين للمحكمة سبب عضله، وإذا كان السبب مقنعًا، فإن المحكمة ترفض دعوى العضل وتأخذ ضمان الولي بعدم إلحاق الأذى بتلك المرأة أو الفتاة
”ويضيف: “إن لم يأت الولي بأي سبب مقنع، فإن المحكمة تأمره بإجراء العقد أو تقرر نقل الولاية لولي آخر، كأن تنقل الولاية من الأخ الأكبر إلى الأخ الذي يليه، أو من الأب إلى الجد أو من الأب إلى الابن
وإذا تعذر ذلك لأي سبب، كوجود ولي واحد أو رفض من نقلت له الولاية إجراء العقد، يقرر القاضي نقل الولاية إليه وتزويجها لمن ترغب به … و يصدر حكما بذلك
”حلولتعتقد الناشطة الحقوقية آمال محمد أن هناك بعض الإجراءات التي يمكن أن تسهم في التخفيف من حرمان الفتيات من الزواج، وتقول: “يجب عمل دراسات بحثيه لمعرفة السبب الحقيقي لوجود هذه الظاهرة، ومعرفة إمكانية تصميم حملات مناصرة حول هذا النوع من القضايا، وكيف سيكون موقف ذلك الخطاب “الديني” المحرض ضد عمل المنظمات، وكيف يمكن التعامل معه حينها
”وترى الصمدي أهمية نشر التوعية بين الآباء وأولياء الأمور، وتوضيح الأمر بأن منع الفتاة من الزواج دون مبرر مقبول يعد عملًا مخالفا للشرع والقانون، وموجب للعقاب وتوضيح تبعات ذلك الحرمان وعواقبه ومدى الضرر الذي تعانيه الفتاه
تقترح الصمدي “إدراج الفتيات في برامج توعية حتى يتمكن من التصرف واتخاذ القرار المناسب في حال تعرضن لهذا النوع من الظلم، وكيف يمكنهن التحدث إلى أولياء أمورهن لتوضيح رغبتهن في الزواج دون حرج
”تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير