موسى عبدالله قاسم : مدٌّ سبتمبري قادم
منذ 2 ساعات
موسى عبدالله قاسم في هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا الوطني، لا حديث يدور في خلَد اليمنيين سوى الحديث عن مدّ سبتمبري قادم
مدٌّ يُعيدُ للشعب حريته وكرامته، ولليمن ثورته وجمهوريته ولحمته الوطنية
خلال العقد والنصف الماضيين، دارت أحداث جسام على ساحتنا الوطنية، أسفرت عن انقسامات وصراعات أضعفت الدولة وأرهقت المجتمع
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع مآلاتها بالشكل الذي آلت إليه
حتى أولئك الذين ساهموا في تلك الأحداث، باتوا اليوم ينظرون إلى مرآة ماضيهم ويودون لو أنهم تجاوزوا خلافاتهم البينية، وغلّبوا مصلحة الوطن كياناً وكينونة على حساب مصالحهم الذاتية والحزبية والجهوية
إن جسامة الأحداث- كما يُقال- هي نار تصفّي كل شائبة، وتصقل كل صدأ، وبرغم استعار لهيبها، إلا أنها تجلو المواقف وتشذّبها، وتعيد لها جوهرها وبريق لمعانها، وتعمّق في الوعي الجمعي دروس الماضي وأخطائه، وممكنات الحاضر وتحديات المستقبل
خلال القرن العشرين، عاش اليمنيون مخاضاً عسيراً كي يستردوا آدميتهم وإنسانيتهم، وفجروا ثورة الـ 26 من سبتمبر الظافرة، الثورة التي مكنتهم من حكم بلدهم وولدت مجدهم بعيدا عن خرافات الدخلاء
واليوم، يعيشون مخاضاً وطنياً مماثلاً، لاجتراح مدّهم السبتمبري القادم، مع إيمان عميق وإصرار صادق، هذه المرة، على تجاوز كل أخطاء الماضي التي ساهمت بعودة الكهنوت العنصري، وعلى أن تكون مبادئ وأهداف ثورة سبتمبر وأكتوبر -بواحديتها نضالاً وتضحية- موجّهات وطنية لا انحياد عنها، والجمهورية الخالدة عقيدة سياسية لا تفريط فيها
نعلم يقيناً أن كل الخلافات في الصف الجمهوري كان يغذّيها أعداء الجمهورية منذ الأعوام الأولى لاندلاع ثورة سبتمبر، وأن تلك الخلافات ساهمت طوال عقود الجمهورية في تغييب قداسة الثورة كفكرة تحررية والجمهورية كعقيدة سياسية عن الوعي والمخيال الشعبي
لهذا، بدت الجمهورية في أذهان كثيرين مجرد مصطلح نقيض للإمامة أو (الملكية)، بدلاً من كونها مشروع دولة حديثة تفكك ماضي الكهنوت المظلم، وتبتني على أنقاضه مشيئة الشعب وعهده المُشرق
وبهكذا تسطيح ممنهج، تمكّن أعداء الأمة اليمنية من السطو على الدولة في لحظة خلاف جمهوري – جمهوري، وكان ما كان من هذا الدمار والخراب والتشريد والتجويع الذي نعيشه اليوم
تغييب قداسة الثورة والجمهورية عن الوعي الشعبي أوجد فجوة بين الجماهير التي وُلدت تحت شمس الجمهورية وبين الجمهورية كصيرورة نضالية تاريخية
لذا، كانت السنوات الأخيرة رغم ما حملته من أوجاع وآلام كفيلة بردم هذه الفجوة، وإعادة تعريف الجمهورية في الوجدان الشعبي من جهة وأنقاض الكهنوت السلالي التي قامت عليها جمهورية الشعب من جهة أخرى
هناك، اليوم، ثورة وعي حقيقية لدى عموم الشعب، ثورة وعي جمهورية تتجذر مجتمعيا يوما عن آخر، وتطغى بعنفوانها على الآلة الإعلامية الدعائية الضخمة للكهنوت السلالي العنصري
هذه الثورة الفكرية تتلخص في استحضار نضالات الحركة الوطنية اليمنية، والتشبّع بفكرها، وتلافي إخفاقاتها، والوعي بالماضي الحضاري لليمن كمدخل نحو التحرر الوطني الجذري، واستعادة روح وأهداف الثورة والجمهورية، كمشروع وطني جامع، يطوي صفحة الجريمة السلالية في اليمن، ويُعلي من قيم ومبادئ الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية
المدُّ السبتمبري قادم لا محالة، مدٌّ ينبثق من الوعي الجمعي للجماهير السبتمبرية، ويرتبط بهويتها الحضارية وقيمها الوطنية، دون الارتهان لأية مشاريع فوق وطنية أو دون وطنية
مدّ سبتمبري تقوده الجماهير الأقيالية العابرة لكل الانتماءات، عدا الانتماء لليمن الجمهوري، والمتجاوزة لكل الارتباطات، عدا الارتباط بالأرض والشعب، وهما الوطن، إذ من لا يرتبط بأرضه وشعبه فلا وطن له