موقف علماء اليمن المجتهدين الذين عاصروا محمد بن عبدالوهاب [مؤسس الدين السعودي الجديد] (ابن الامير الصنعاني والشوكاني أنموذجا)

منذ 2 سنوات

■ موقف علماء اليمن المجتهدين  الذين عاصروا محمد بن عبد الوهاب [مؤسس الدين السعودي الجديد] ! ( ابن الامير الصنعاني والشوكاني نموذجا ] ■◇ منذ بدايات القرن العاشر الهجري كانت اليمن تعيش في أوج التجديد العلمي والتفكير الفقهي الاجتهادي

حيث رعى  المذهب الزيدي الاجتهاد الفقهي من خلال الانفتاح على الرصيد المعرفي للمدارس الإسلامية الأخرى

  فقد كانت مدينة صنعاء تزخر  بجماعة من العلماء الذين  شذوا عن النسق الفكري السائد في العالم الإسلامي ، ومما ميزهم عن غيرهم  كما ذكر الإمام الشوكاني بأنهم كانوا  «يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة، ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية

ولا يرفعون إلى التقليد رأساً

»

لقد كان المنطلق الاساسي لحركة الإصلاح والتجديد التي شهدها اليمن في العصر الحديث ، هو دحض دعوى غلق باب الاجتهاد؛ التي كانت نذير شؤم ليس على الفقه وعلوم الشريعة فحسب، بل على مختلف أوجه النشاط والحياة الفكرية والعلمية والأدبية والسياسية الإسلامية

 ولقد مثّل هذه الحركة التجديدية شخصيات  عملاقة كان لها أكبر الأثر في تشكيل الأفق المعرفي، وبلورة معالم التجديد الفكري عامة والفقهي خاصة لدى المجتمع اليمني ومن أبرز القامات العلمية المجتهد المطلق محمد بن إبراهيم الوزير (ت 840هـ) الذي زاحم - حسب رأي الشوكاني- أئمة المذاهب الأربعة

 ثم تلاه في القرن الحادي عشر الهجري المجـتهد الحسن بن أحـمد الجـلال (1014هـ/1084هـ)  ، وايضا العلامة صلاح بن مهدي المقبلي (1040هـ/1108هـ)

ثم تسلّم راية  هذه الحركة في القرن الثاني عشر الهجري محمد بن إسماعيل الأمير والذي وصفه الامام الشوكاني بأنه من الأئمة المجددين لمعالم الدين

أما الإمام محمد بن علي الشوكاني فقد ورث مدرسة الأمير، وكان آخر السلسلة الذهبية لأولئك المجددين، تبنى الدعوة إلى الاجتهاد، فكانت القضية المحورية في فكره وفقهه، كما واصل الدفاع عن السنة وخدمة علومها، حتى لقّب بإمام أهل السنة في عصره

ورغم تأثر الامام الشوكاني  بهؤلاء الرواد، فقد تميّز عنهم بعطائه العلمي، وأساليبه الإصلاحية

إذ مكّنه النفوذ السياسي الذي حظي به من أن يوسّع ويعمّق الآفاق التي فتحها بن الأمير الصنعاني ، حيث جعل برامج الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أحد الموضوعات الفقهية والإصلاحية الهامة التي عالجها وأشرف على تطبيقها، وبذلك استطاع الإمام الشوكاني أن يخرج الفقه الإسلامي من دائرة المُدارسة النظرية إلى حيّز البرامج الميدانية التي تسوس الحياة

ولقد جمعت تلك  الشخصيات  قواسم مشتركة تمثّلت بشكل أساس في الدعوة إلى الاجتهاد وبلوغ أرقى درجاته، والنفور من التقليد والتعصب المذهبي

 يظهر ذلك في مؤلفاتهم التي كانت بمثابة ثورة علمية على التقليد، الذي أصبح قاعدة أصولية تحكم كل إنتاج فقهي

● بينما كانت اليمن تعيش ذلك التجديد والتنوير العلمي والفكري  كانت بلاد الحجاز وشبه الجزيرة العربية كما يصفوها بأن نجداً كانت  محل فتن وحروب بين القبائل والبلدان، وخوف في الأوطان، ونقص في المعايش والأرزاق

ورغم تأكيد جمهور الباحثين على ندرة المعلومات المدونة عن تاريخ نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا أن علماء ومؤرخوا الوهابية يسعون الى تصوير بلاد الحجاز في السنين التي سبقت قيام حركتهم ، بأنه كان يغلب فيها الضلال والجهل والظلم، والفتن كقطع الليل المظلم، والقتال بين أهل كل بلد عدواناً وحمية جاهلية، وتحالف وتفازع وعصبية، وكل بلد فيها رئيس فأكثر لا يزال يقع بينهم الشرّ، تارةً يتقاتلون، وتارةً يتسالمون

◇ ولكن الحقيقة تقول أن هناك أمر مستور وتاريخ مبتور إذ كيف يجوز لنا أن نسلم لهم بأن بلاد قبلة المسلمين ومهوى قلوب الموحدين ومنبع الرسالة وبلاد أحفاد الصحابة قد صاروا مشركين ولا يعرفون معنى لا اله إلا الله كما يصور ذلك ابن عبد الوهَّاب حيث نقل عن أعراب نجد انهم كانوا  يكذبون بالبعث والنشور، وينكرون الشرائع! بل جزم بذلك بن عبد الوهاب فقال : إن علماء نجد - آنذاك - كانوا لا يعرفون معنى لا إله إلا الله

فإذا كان علماؤهم لا يفقهون كلمة التوحيد فما بالك بالعامة والدهماء؟!ومن خلال النظر في ما قاله ابن عبد الوهاب واتباعه في  تصويرهم لحال بلاد الحجاز بهذة الصورة القاتمة والغير واقعية تجعلك كمسلم وعاقل تستغرب وتتساءل اذاً  كيف عرف ابن عبد الوهاب التوحيد وكيف عرف علوم القرآن والتفسير والفقه والنحو والصرف والبلاغة وأصول الفقه وبقية العلوم التي تؤهله ليكون عالماً وإماماً مجتهداً لدعوة يسعون لنشرها في كل الأقطار

فالحقيقة أن هناك تاريخ مبتور ، طمس معالمه اتباع الوهابية ودفنوا تراثه وقتلوا رواده  لهدف التبرير لنشأة الوهابية التي لا مفسر لها حسب توصيفهم إلا أنه نبي جديد جاء والناس على ضلالة وبدع ومنكرات  وجهل بمعالم الدين فعلمه شديد القوى ليقوم في الناس بشيرا لمن اتبعه وسيفاً مصلتا لمن خالف دعوته ورفض اتباع منهجه

■ موقف علماء حركة التجديد في اليمن من دعوة محمد بن عبد الوهاب ، روافد مدرسة ابن تيمية وابن القيم الاجتهادية ■ لقد عاصر الإمامين المجدديين العلامة محمد بن إسماعيل الأمير وتلميذه الامام محمد بن علي الشوكاني نشأة دعوة محمد ابن عبد الوهاب

ولذلك عندما ظهرت دعوة محمد بن عبد الوهاب كتب الأمير الصنعاني إليه بالقصيدة الشهيرة المسجلة في ديوانه يمدحه بها سنة 1163هـ مطلعها :سلام على نجد ومن حل في نجد ¤¤ وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

لكن سرعان ما وصلت وفود نجد وبعض علمائها يخبرون بحقيقة مذهب الوهابية ، فتراجع الامام الصنعاني عن مدحه، بعد أن طارت القصيدة في كل البلاد، وبعد أن غضب العلماء على الصنعاني وردوا عليه وبينوا له حقيقة مذهب ابن عبد الوهاب، يقول عن ذلك في كتابه إرشاد ذوي الألباب (إلى حقيقة أقوال ابن عبد الوهاب) يقول العلامة ابن الأمير : [ كان قد وصل إلينا الشيخ عبد الرحمن لعله سنة 1165 بعد بلوغ الأبيات، وذكر لنا حسن حال ابن عبد الوهاب، وتحريه واقتصاره على أدلة الكتاب والسنة، ثم فارقنا وبقي سنتين، ثم عاد إلينا مخبرا بتغير أحوال ابن عبد الوهاب إلى ما ذكرناه من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرناها، من سفكه الدماء، ونهبه الأموال، وتجاريه على قتل النفوس ولو بالاغتيال، وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار، فبقي معنا تَرَدُّدٌ فيما نقله،وطلب مني أن أضع رسالة في بطلان ما ذهب إليه، من سفكه الدماء، ونهبه العباد، وغير ذلك من الإفساد، وكان هذا الشيخ عبد الرحمن تقيا صائما نهاره قائما ليله، كثير الذكر إلا أنه قليل الدراية بالعلم، فلذا ترددتُ فيما قاله،  حتى وصل الشيخ العالم مربد بن أحمد وله نباهة، ووصل إلينا ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في وجه تكفيره أهل الإيمان، وقتلهم ونهبهم، وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله، ثم وصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أمورا عجيبة، من سفكه الدماء، وتكفير كل أهل الدنيا، وأخرج صحبته من رسائله ما يحقق ما نقله عنه، من تكفيره للأنام، وسفكه للدم الحرام، ونهبه للأموال، وسبيه للحُرم المسلمة والأطفال

فرأينا أحوال محمد بن عبد الوهاب أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ،ولم يمعن النظر، ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية، ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها، بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ أبي العباس ابن تيمية، ومؤلفات تلميذه ابن قيم الجوزية, وقلدهما من غير إتقان، مع أنهما يحرمان التقليد

ولما حقق لنا أحواله، ورأينا في الرسائل أقواله، وذكر لي أنه عَظُمَ شأنه بوصول الأبيات التي وجهنا إليه، وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه، وَحل ما أبرمناه، وكانت أبياتنا هذه قد طارت كل مطار، وبلغت غالب الأقطار، وأتتنا فيها جوابات من مكة المشرفة، ومن البصرة، ومن غيرهما، إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف، وبعضها كلام من غير معرفة لما أردناه، فجوابٌ وفد من بندر المخا، كله خصام، وذم لقائل النظام، وبيننا وبين الجميع يوم يقوم الناس لرب العالمين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، فما ندم الناصح من يؤمن برب العالمين

ولما أخذ عليا الشيخ مربد ذلك تعين علينا، لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور، التي ارتكبها ابن عبد الوهابفرأيت أنه يتعين علينا إزالة ذلك، وبيان قبح ما سلكه من تلك المسالك

فرأيته يتعين ما قال، وتأكد عندي ذلك المقال، فبنيت أبياتا رددت فيها أدلة رسالته، وأبنت فيها قبيح مقالته، وشرحتها شرحا شافيا، وأرسلتها صحبة الشيخ مربد، وفارقنا في عشرين من شوال، سنة سبعين ومائة وألف، وأول الأبيات:رجعت عن النظم الذي قلت في النجدي¤¤فقد صح لي عنه خلاف الذي عنديظننت به خيرا وقلت عسى عسى¤¤نجد ناصحا يهدي العباد ويستهديفقد خاب فيه الظن لاخاب نصحنا¤¤وما كل ظن للحقائق لي مُهديوقد جاءنا من أرضه الشيخ مِربد¤¤فحقق من أحواله كل ما يبديوقد جاء من تأليفه برسائل ¤¤يكفر أهل الأرض فيها على عمدِولفق في تكفيرهم كل حجة ¤¤تراها كبيت العنكبوت لدى النقدِتجارى على إجرا دما كل مسلم ¤¤ُمصلٍّ مُزكٍّ لا يحول عن العهدِوقد جاءنا عن ربنا في براءة

¤¤براءتهم عن كل كفر وعن جحدِوإخواننا سماهم الله فاستمع ¤¤لقول الإله الواحد الصمد الفردِ

 والقصيده هذه مشهورة عند أهل اليمن يعرفها صغار طلبة العلم، وقد ذكر الشوكاني شيئا منها في الدر النضيد، وهي مسجلة في هجر العلم ومعاقله للقاضي الأكوع، ومسجلة في الوشي المرقوم للقنوجي ومعروفة لا نحتاج إلى الإطالة في ذكرها

وقد تابع الامام محمد بن علي الشوكاني العلامة ابن الامير الصنعاني في موقفه من التحذير من الدعوة الوهابية بحجة انها  ارتكبت خصلتان كبيرتان :الأولى : تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها

والثانية : التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان

 ● الخلاصة : ■ لقد ساهم انفتاح المذهب الزيدي على المذاهب الأخرى، وبخاصة المذهب الشافعي والحنفي، والحرية فـي الأخـذ أو الاتفاق مع أيّهما، الأمر الذي جعل علماءه أكثر تحرراً واستفادة، ومن ثم أكثر إنتاجاً وأعمق نظراً

وكان نتيجة ذلك الانفتاح انه أوجد أإئمة التجديد والاصلاح الداعين إلى الرجوع إلى كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، المحاربين للتقليد الأعمى، والذين لا أحد يشكُّ في سلامة معتقدهم ، فكثيرٌ من علماء اليمن المجتهدين كانوا ممن اتَّجه هذا الاتجاهَ الحميد للدعوة الإصلاحية، ولبعض أئمة اليمن من الزيديين جهودٌ مشكورة في ترسيخ هذه العقيدة بهدم القباب، والنهي عن البدع والخرافات، كلُّ هذا من الأمور البدهية التي لا يماري فيها إلا مَن أعمى الله بصيرتَه

وهكذا كان رواد حركة التجديد في اليمن وعلمائها الأفذاذ  ابتداء بابن الوزير وانتهاء بالعلامة بن الأمير والامام الشوكاني  والذين حذرا من الدعوة الوهابية ونبها على خطورتها في ذلك العصر وحتى يومنا هذا

 ■ لقد جدد أولئك النخبة من المجتهدين معالم المدرسة  السلفية برؤية علمية فقهية تحررية مبنية على أخذ العلم من مصادره وثني ركبهم أمام العلماء حتى استفاضوا علماً ونبوغاً ومعرفة أثرت المكتبة الإسلامية ورفعت اسم اليمن عاليا حيث أصبحت مؤلفات أولئك النخبة تدرس في شتى بقاع العالم العربي والإسلامي

 أفلا يحق لنا أن نتخذهم سلفا وندع ما سواهم وكيف يجرؤ سفيه بثنينا عن اتباعهم وترك سلوك منهجهم القويم المبني على العلم بالحق واللطف بالخلق ولزوم جماعة المسلمين

====================================