نازحو “الحجب” بتعز بدون مأوى وغذاء
منذ 2 سنوات
يفترشون الأرض فحسب، بعدما أجبرتهم الحرب على مغادرة منازلهم الواقعة في منطقة الطوير في مديرية مقبنة غربي تعز، إلى جبل الحجب الواقع جنوب المديرية نفسها، لتصبح حياتهم بين جحيم الحرب وفقر النزوح
فقد غادروا ديارهم تاركين مواشيهم التي كانت المصدر الرئيسي في استمرار حياتهم تحت رحمة أفواه البنادق والقذائف هناك
تسببت المواجهات العسكرية بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًا، وجماعة الحوثي (أنصار الله)، التي اندلعت على الشريط الغربي لمحافظة تعز في مناطق الطوير والقحيفة والكويحة بمديرية مقبنة، في أوائل مارس 2021، بنزوح 300 أسرة، خوفًا من القذائف العشوائية التي تطال منازلهم بين حين وآخر
يقول محمد سيف الطويري، أحد النازحين في مخيم الحجب، في حديث لـ”المشاهد”، إن “جماعة الحوثي (أنصار الله) أصدرت إنذارًا، في 10 مارس 2021، لجميع المواطنين الذين يسكنون خطوط التماس، لإخلاء منازلهم خلال 24 ساعة فقط”
ويضيف الطويري، أن جماعة الحوثي باشرتهم بإطلاق النار على منازلهم بعد انتهاء المهلة، ما جعلهم يغادرون منازلهم، تاركين ممتلكاتهم المنزلية ومواشيهم التي كانت المصدر الرئيسي للاعتماد عليها
اتخذ النازحون جبل الحجب، جنوبي مديرية مقبنة، موطنًا للعيش، وهي منطقة قاحلة، وظلت القذائف تلاحقهم أيضًا
يتابع الطويري أن “القصف العشوائي كان مرافقًا لهم حتى في المخيم، لكن لا يوجد مكان آخر يستوعب الأسر التي هربت من مناطق الاشتباكات”
بنبرة يسيطر عليها الحزن، تتحدث فاطمة، إحدى النازحات، التي تقترب في العمر من 50 عامًا، في حديث لـ”المشاهد”: “كانت حياتنا مستورة الحال في منزلنا، نعيش حياة بسيطة، نعتمد على الأغنام والأبقار في تيسير العيش، لكن عندما وصلت الحرب إلينا، اضطررنا إلى مغادرة منازلنا خوفًا من الموت، وتركنا المواشي خلفنا”
وتضيف القول: الحرب دمرت حياتنا، جعلتنا مشردين في الجبال، أصبحنا بلا مأوى، لا أغنام وأبقار نعتاش منها، ننام على الأرض لا يوجد حتى فراش، ولا بطانية نتدفي بها”
وتتساءل الخمسينية: متى تنتهي الحرب، وتزول المعاناة، ويعود كل منا إلى منزله مكرمين ومستوري الحال، والعيش تحت سقفٍ يحمينا من الأمطار والشمس؟”
تعتبر المرأة في مخيمات النزوح من أكثر شرائح في المجتمع التي تعيش المعاناة بصورة يومية متكررة، وتحاول المرأة التأقلم مع واقع مأساوي لم تكن تتوقع أن تعيشه
ففي مخيم الحجب تتكبد النساء معاناة كبيرة في طبخ الطعام تحت أشعة الشمس لعدم توفير خيام للطبخ، وتعمل على جلب الحطب من مسافات بعيدة لطهي الطعام، الذي يعتبر البديل لمادة الغاز التي أصبحت معدومة شبه كليًا
وتقول أم محمد، في حديث لـ”المشاهد”: كنا نطبخ في بيوتنا، لكن الحرب أجبرتنا على مغادرة منازلنا، لنصبح مشردين في كل مكان، وأصبحنا نتعرض للبرد تارة وللشمس تارة أخرى”
وتضيف: كان نطبخ في غرفة تحجب النظر إلينا من أي مكان، لكن اليوم أصبحنا نطبخ في العراء أمام الآخرين، بل حتى الحطب نحصل عليه من مسافات بعيدة”
وطالبت أم محمد السلطة المحلية والمنظمات الدولية بالعمل على توفير المواد الغذائية، وخيام جديدة وفرش ومعدات للطبخ، حتى تعيش وعائلتها وبقية النازحين حياةً كريمةً في وضع مقبول إنسانيًا
أما عن الماء الذي يحصلون عليه بمشقة من المستنقعات، التي تسببت بإصابة المئات منهم بأمراض الحمى الفيروسية والكوليرا وأمراض الكلى، ولبعدهم عن المستشفيات وانعدام الرعاية الصحية، توفي العشرات منهم، والمئات في حالة صحية سيئة
يقول محمد سعيد، أحد ساكني مخيم الحجب، إن الحصول على الماء في هذه المنطقة (الحجب)، يعد أمرًا صعبًا، بل يتطلب السير بمسافة تستغرق ساعتين
ويضيف أن “المياه التي نحصل عليها غير صالحة للشرب”، مدللًا على ذلك بإصابة المئات من النازحين بأمراض عدة، كأمراض الحمى الفيروسية، والكوليرا، وأمراض الكلى، ومؤكدًا في الوقت ذاته وفاة ما يقارب 10 مواطنين بسبب عدم توفر المال لإسعافهم
وطالب مقبل عقلان، أحد سكاني المخيم، المنظمات الإنسانية والصحية بتقديم المساعدات الضرورية كالمأوى والمساعدات الإنسانية
تزداد معاناة النازحين في جبل الحجب مع دخول فصل الشتاء الذي يحمل معه بردًا شديدًا، بخاصة لمن لا يمتلكون أية وسيلة للوقاية من الأمراض الشتوية
يقول هلال توفيق، أحد النازحين: نعيش حالة من القلق على أطفالنا من إصابتهم بالأمراض الشتوية
ونحن لا نملك أي شيء لمواجهة الصقيع الشتوي، كالبطانيات والجاكتات وغيرها من الوسائل التي تقي أطفالنا من الأمراض المتفشية”
يقول صفوان الجبيحي، مُنسق ميداني للمنظمات الإغاثية بمخيم الحجب، في حديث مع “المشاهد”، إن هناك العديد من القرى الواقعة في مناطق التماس، نزح جميع سكانها هربًا من الحرب إلى مجاري السيول، داعيًا المنظمات الإغاثية إلى الإسراع في تقديم المساعدات الغذائية وإيواء النازحين لإنقاذهم والتخفيف من معاناتهم
وتعيش أكثر من 70 أسرة تحت الأشجار، فلا خيام ولا بطانيات ولا أدنى مقومات الحياة، يحاولون التكيف على واقع أجبرتهم الحرب أن يعيشوه
ووصف حسن طربوش أيامه وهو يعيش في مخيم الحجب: “أنا لدي ستة أطفال، وزوجتي، ونعيش جميعنا في خيمة واحدة لا تقينا من الشمس ولا من البرد، وعندما يكون هناك رياح شديدة تسقط الخيمة فوقنا”
وأشار طربوش إلى معاناتهم من صعوبة الحصول على لقمة عيش، ومن الأمراض التي كادت أن تفتك بهم كالأمراض الجلدية والحميات، لأنهم لا يستطيعون توفير المال الكافي للمعاينة وشراء العلاج، حسب تعبيره
يقول درهم السروري، أحد مندوبي منظمة إنترسوس (INTRSOS) في مخيم الحجب، إن كمية الدعم التي تصل المخيم أقل من عدد النازحين، ما يثير مشاكل بين النازحين وخلق فوضى، بل يقوم البعض بتهديد موظفي المنظمة، ما جعلها تغادر المخيم وتوقف الدعم
بحسب السروري وثلاثة نازحين آخرين طلبوا عدم نشر أسمائهم خوفا من الإنتقام فإن نافذين على علاقة بالقوات الحكومية يقومون بنهب المساعدات المقدمة للمخيم
حيث أن أحد النافذين قام بنهب 100 سلة غذائية في 24 نوفمبر الماضي وهذا يسبب نقصا في حجم المساعدات التي تصل للمخيم ويدفع المنظمات إلى العزوف عن مواصلة الدعم، حد قول السروري
ليصلك كل جديد