ناقلة صافر.. كارثة مؤجلة
منذ 2 سنوات
تعز – مازن فارسيحل العام الجديد في اليمن محملًا بعدة ملفات مؤجلة، وسط آمال بأن يكون “الفيصل” في حسمها ووضع نهاية لأزمات عدة خلفتها سنوات الحرب الثماني
وكان عام 2022 شهد جهودًا دولية ومحلية لحلحلة ملفات ذات أولوية من الناحية السياسية والإنسانية والاقتصادية، لكنها تعثرت في نهاية المطاف، وظلت تراوح مكانها
“ناقلة صافر” تأتي في صدارة هذه الملفات التي أفرزتها تداعيات الحرب الدائرة في البلد، وباتت اليوم تشكل “قنبلة موقوتة” تهدد سواحل اليمن والبحر الأحمر بكارثة بيئية
ترسو الناقلة المملوكة لشركة النفط اليمنية الوطنية “شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج“، على بُعد 32 ميلًا بحريًا من ميناء مدينة الحُديدة اليمنية، ولم تخضع لأي أعمال صيانة منذ بدء الحرب في 2015، ما أدى إلى تدهور بنيتها الهيكلية
خلال الأعوام الأربعة الماضية، باتت “صافر” تتصدر اللقاءات والمواقف الدولية بشأن اليمن، وسط تصاعد التحذيرات من خطر انفجار الناقلة، لاسيما بعد أن تسبب انفجار أنبوب في إغراق غرفة المحرك بمياه البحر أواخر مايو/ أيار 2020
وتحتوي الناقلة التي يبلغ طولها 376 مترًا، على ما يقدر بـ1
14 مليون برميل من النفط الخام، وهو ما يعادل أربعة أضعاف كمية النفط المتسرب في صهريج النفط “إكسون فالديز” في ألاسكا، عام 1989
وأُنشئت السفينة صافر كناقلة عملاقة، عام 1976، وتم تحويلها لاحقًا إلى منشأة تخزين وتفريغ عائمة للنفط الخام القادم من حقول صافر في محافظة مأرب، شمالي شرق البلاد
خلال السنوات الماضية؛ استُخدم هذا الملف كورقة مساومة سياسية بين أطراف الصراع؛ إذ تشترط جماعة الحوثي بيع النفط المتواجد في الناقلة لصالحها، وهو ما ترفضه الحكومة اليمنية، ما جعل أزمة الناقلة مستمرة حتى الآن
وعلى مدى نحو عامين ونصف (2019-2021) لم تفلح جهود الأمم المتحدة في إرسال فريق فني لتقييم الأضرار على متن الناقلة التي تقع في نطاق سيطرة الحوثيين
ومع تسرب المياه إلى غرفة محركات الناقلة، وحدوث انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020، تزايدت التحذيرات من حدوث كارثة محققة في حال تعرض الناقلة لانسكاب النفط أو الانفجار
انفراجة غير مكتملةمع حلول مارس/ آذار الماضي، برزت بوادر انفراجة في هذا الملف؛ إذ وقعت جماعة الحوثي مع الأمم المتحدة مذكرة تفاهم تتيح للأخيرة تنفيذ خطة تصدٍّ لخطر انسكاب نفطي من الناقلة، بينما سيسهل الحوثيون العملية
تتكون الخطة من مسارين: “تشغيل ناقلة بديلة لتخزين النفط المنقول من صافر لمدة 18 شهرًا، في خطة طويلة الأمد للتعامل مع مخزون الناقلة، والتعامل مع الحالة الحرجة للناقلة عن طريق نقل النفط إلى سفينة مؤقتة آمنة لمدة أربعة شهور”
وتبلغ تكلفة الخطة الكاملة لإنقاذ الناقلة 144 مليون دولار، وحتى أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي؛ وصل إجمالي تعهدات الدول المانحة لدعم الخطة 75 مليون دولار، قالت الأمم المتحدة إنها كافية لتنفيذ المرحلة الأولى من العملية
وكان المفترض أن تبدأ عملية الإنقاذ الطارئة للناقلة في يونيو/ حزيران، لكنها أُجلت إلى أكتوبر/ تشرين الأول، ونظرًا لهبوب التيارات المتقلبة والرياح العنيفة في هذا الشهر، تم تأجيل البدء في العملية إلى مطلع العام الحالي
ولم يرد مكتب الأمم المتحدة على طلب لـ”المشاهد” تضمن تساؤلات بشأن موعد بدء العملية والخطوات التي تليها
“ابتزاز وتكسب”يرى الخبير العسكري والباحث في الشؤون البحرية، علي الذهب، أن ملف ناقلة صافر “قضية سياسية وقضية مال”، متهمًا الأطراف الدولية بتوظيف “النتائج الكارثية التي يمكن أن يُحدثها تسرب النفط من الناقلة، فذهبت لتضخيم كُلفة تفادي هذا التهديد، فوضعت مبلغًا خياليًا لم يكتمل جمعه حتى الآن”
يقول الذهب لـ”المشاهد” إن “القضية تحولت إلى ابتزاز للتكسب غير المشروع باسم حماية البيئة والخوف من التلوث ونتائجه، إلى تحقيق مكاسب وراءها عدة أطراف بما فيها الأمم المتحدة”
ويتوقع أن تبدأ عملية إنقاذ الناقلة في مارس/ آذار المقبل، في حال استكملت الأمم المتحدة جمع الأموال الخاصة بالعملية
بحسب الذهب، فإن “هناك جوانب غامضة في خطة الإنقاذ لم نستطع أن نفهم أين ستذهب السفينة بعد تفريغها، ولمن سيعود عوائدها، ومن سيستفيد منها؟ وهل سيدفع الحوثيون حصة من التبرعات لخطة الأمم المتحدة مثلما دفعت الحكومة المعترف بها دوليًا؟”
“مسألة مُعقدة”وكان الممثل المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ديفيد غريسلي، قال في مقابلة مع مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، في يونيو/ حزيران الماضي، إنّ النفط الذي على متن الناقلة “لن يُباع”، وأن التفاصيل المتعقلة بذلك وإلى من ستؤول العائدات “ستكون هذه مسألة سياسية معقدة من جملة أمور أخرى”
تقضي الخطة الحالية للمرحلة الثانية، وفق غريسلي، ببيع الناقلة الحالية كخردة، واستخدام عائداتها لتعويض تكاليف المرحلة الثانية
مع استمرار تعثر هذا الملف يظل خطر تسرب النفط أو انفجار الناقلة قائمًا، ما يهدد بحدوث كارثة إنسانية واقتصادية، وتضرر المنظومات البيئية في البحر الأحمر التي يعتمد عليها قرابة 30 مليون شخص، بمن فيهم ما لا يقل عن مليون و600 ألف يمني؛ فضلًا عن القضاء على التنوع البيولوجي والبيئي في أكثر من 100 جزيرة يمنية
التسرب النفطي -في حال حدوثه- قد يصل إلى الدول الأخرى المشاطئة للبحر الأحمر، بما فيها جيبوتي وإريتريا والسعودية؛ وسيؤدي إلى عرقلة حركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، وهو واحد من أكثر المسارات البحرية نشاطًا في العالم، بحسب دراسة لمنظمة غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (منظمة غير حكومية)
ليصلك كل جديد