نفوق الدلافين في سقطرى.. ادعاءات بلا أدلة لظاهرة طبيعية

منذ 3 ساعات

سقطرى- مازن فارسفي الثالث من يونيو/ حزيران 2025، شهد شاطئ “نيت” بمديرية قلنسية غرب محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية، الواقعة في المحيط الهندي، حادثة جنوح جماعي لعشرات الدلافين، أثارت تفاعلًا واسعًا في أوساط مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي

عقب الحادثة، سارعت حسابات على منصة “إكس” ومواقع إلكترونية لتفسير أسباب نفوق أكثر من 70 دلفينًا، معلّلة ذلك بتعرضها لمواد سامة، نتيجة ما وصفته بـ”العبث” الذي تقوم به السفن في مياه جزيرة سقطرى

في المقابل، أرجعت وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية في حكومة صنعاء التابعة للحوثيين، في بيان نُشر على صفحتها بموقع فيسبوك، أسباب الحادثة إلى تلوث كيميائي أو صوتي، مستبعدة فرضية أن تكون ناجمة عن أسباب طبيعية أو عرضية

وقد حظي بيان الوزارة بانتشار ملحوظ عبر المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي

ويُظهر البحث باستخدام محرك “غوغل” من خلال كلمات مفتاحية مثل: “نفوق الدلافين في سقطرى” و”صنعاء تحذر من كارثة بيئية في سقطرى”، أن التغطية الأوسع جاءت من المواقع الإخبارية، تلتها حسابات وصفحات عبر منصتي فيسبوك وإكس، والتي اكتفت بإعادة نشر البيان بصيغته الأصلية دون تحقق أو تمحيص للمعلومات

حظي بيان وزارة الزراعة والثروة السمكية في صنعاء عن سبب نفوق الدلافين في سقطرى نتيجة تلوث كيميائي أو صوتي بتداول واسع على المواقع الاخبارية

أثناء التتبع تبيّن أن عشرة مواقع إخبارية أعادت نشر البيان كما هو، فيما بثت قناة واحدة مضمونه على “يوتيوب”، وتداولته ثمانية حسابات وصفحات على منصّتي “فيسبوك” و”إكس”

وقعت حادثة جنوح الدلافين في شاطئ “نيت” على فترتين متتاليتين

بدأت الأولى عند التاسعة صباحًا بجنوح نحو 70 دلفينًا، وتكررت الثانية عند الساعة 11:50 صباحًا، ما تسبب بنفوق نحو 50 دلفينًا آخرين

ومع استمرار الجنوح حتى الساعة 1:30 ظهرًا، ارتفع عدد الدلافين النافقة إلى نحو 350، وفقًا لتقرير حصري صادر عن مكتبي الهيئة العامة لحماية البيئة والمصائد السمكية في سقطرى، حصلنا على نسخة منه

أفاد الفريق الحكومي الذي عاين جثث الدلافين بأنه لم يُلاحظ أي أثر لتلوث نفطي أو اصطدام بالسفن، كما لم تُشاهد آثار لشباك صيد

وقد اقتصرت الإصابات الظاهرة على جروح في الرأس والظهر والبطن، ناجمة عن اصطدام الدلافين بالصخور على الشاطئ

 كما أشار التقرير إلى أن المنطقة شهدت يوم الحادثة حالة بحرية غير مستقرة مع أمواج بلغ ارتفاعها 3

5 متر، ولوحظ تكدس للطحالب على الشاطئ، إضافة إلى وجود طحالب غير معروفة في عرض البحر

أفاد الفريق الحكومي الذي عاين جثث الدلافين بأنه لم يُلاحظ أي أثر لتلوث نفطي أو اصطدام بالسفن، كما لم تُشاهد آثار لشباك صيد

وقد اقتصرت الإصابات الظاهرة على جروح في الرأس والظهر والبطن، ناجمة عن اصطدام الدلافين بالصخور على الشاطئ

 وقد أجرى الفريق تشريحًا لإحدى الجثث النافقة، حيث وُجدت مادة خضراء في أمعائها، مما يعزز فرضية أن ازدهار الطحالب الخضراء أدى إلى نقص الأكسجين في المياه واختناق الحيوانات، ما تسبب في الهستيريا والجنوح الجماعي

يعد جنوح الحيتان والدلافين أمرًا شائعًا في العالم، وتشير اللجنة الدولية لعلوم المحيطات (IOC) التابعة لليونسكو، إلى أن أكثر من 50% من حالات نفوق الثدييات البحرية غير الاعتيادية ترتبط بتأثيرات الطحالب الضارة

اللجنة الدولية لعلوم المحيطات (IOC) التابعة لليونسكو: أكثر من 50% من حالات نفوق الثدييات البحرية غير الاعتيادية ترتبط بتأثيرات الطحالب الضارة

وهناك العديد من حوادث نفوق الحيتان والدلافين بسبب الطحالب الضارة، أبرزها ما حدث في مارس/ آذار 2025، حين شهد الساحل الجنوبي لولاية كاليفورنيا حادثة نفوق جماعي لعشرات الدلافين ومئات من أسود البحر نتيجة لتكاثر طحالب تنتج حمضًا سامًا يُعرف بـ”حمض الدومويك”، وهو مادة تتراكم في السلسلة الغذائية البحرية، وعند وصولها إلى الثدييات البحرية تُسبب نوبات عصبية حادة واختناقًا قد يؤدي إلى النفوق، وفقًا لما أفادت به الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)

في السياق ذاته، تشير رسالة بحثية صادرة عن مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية في الولايات المتحدة، إلى أن الطحالب الكثيفة يمكن أن تُقلل من مستويات الأكسجين المذاب في الماء، مما يُشكل ضغطًا على الكائنات البحرية

كما يُعد تغير المناخ من العوامل الرئيسة في ازدهار الطحالب الضارة، إذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة الناتجة عن الاحتباس الحراري إلى تحلل أسرع للمغذيات، مما يعزز نمو هذه الطحالب التي تستهلك الأكسجين وتخلق مناطق ميتة في المياه، وهو ما يشكل تهديدًا مزدوجًا للنظم البيئية والصحة العامة، وفق دراسة نُشرت في المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية الأمريكي (NCBI) عام 2019، ومقالة علمية نُشرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 على منصة Springer Nature، إحدى أكبر دور النشر الأكاديمية في العالم

وتتشابه حادثة سقطرى مع واقعة سابقة في 12 سبتمبر/ أيلول 2019، عندما نفق عدد كبير من الأسماك على ساحل خليج مانار بالمحيط الهندي، نتيجة لانخفاض مستويات الأكسجين في الماء

تُعتبر الحيتان الطيارة، المعروفة علميًا باسم (Globicephala macrorhynchus)، من الأنواع التي تتعرض بشكل متكرر لحوادث جنوح جماعي في مناطق متفرقة حول العالم لأسباب لا تزال غير واضحة

وفي أرخبيل سقطرى، تم تسجيل حوادث جنوح مماثلة لنفس النوع، منها في منطقتي زاحق عام 2020 ومحمية ديطوح عام 2017، وفقًا للتقرير الحكومي الذي أشار أيضًا إلى أن حادثة الجنوح الأخيرة التي وقعت في يونيو/ حزيران 2025 كانت أيضًا لنفس نوع الحيتان الطيارة

تتكرر هذه الظاهرة بشكل بارز أيضًا في مناطق أخرى من العالم؛ ففي أستراليا ونيوزيلندا، تجنح الحيتان الطيارة بأعداد تفوق أي نوع آخر من الثدييات البحرية

ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2022، جنحت نحو 500 حوت طيار في نيوزيلندا، بعد أقل من شهر من نفوق نحو 200 على شواطئ جزيرة تسمانيا الأسترالية

ظاهرة جنوح الحيتان ليست جديدة، بل وثقت منذ آلاف السنين، حيث عثرنا خلال إعداد هذا التقرير على صور توثق واحدة من أوائل حوادث الجنوح الجماعي لحيتان طيّارة تعود إلى عام 1902

وتتعدد الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة، وتشمل: التصادم مع السفن، الاحتجاز أو التشابك في أدوات الصيد، العدوى الفيروسية أو البكتيرية، تكاثر الطحالب الضارة، الأنشطة البشرية، بالإضافة إلى عوامل طبيعية مثل الأنماط غير المعتادة للمد والجزر، والمياه الضحلة، والاضطرابات المحيطية

بناءً على المعطيات الواردة في تقرير اللجنة الحكومية المكلفة بالتحقيق في حادثة نفوق الدلافين في سقطرى، ومقارنتها بحوادث مشابهة عالميًا، يتضح أن الادعاء بوجود “سبب غير طبيعي أو عرضي” وراء نفوق الدلافين – كما ورد في بيان وزارة الزراعة بصنعاء – يفتقر إلى أدلة علمية ملموسة

بل إن المؤشرات الميدانية، ومنها ارتفاع الأمواج، ووجود طحالب بحرية مكثفة، ووجود مادة خضراء في أمعاء أحد الدلافين، تدعم فرضية ازدهار الطحالب كعامل رئيس في التسبب بالجنوح الجماعي

بناءً على المعطيات الواردة في تقرير اللجنة الحكومية المكلفة بالتحقيق في حادثة نفوق الدلافين في سقطرى، ومقارنتها بحوادث مشابهة عالميًا، يتضح أن الادعاء بوجود “سبب غير طبيعي أو عرضي” وراء نفوق الدلافين – كما ورد في بيان وزارة الزراعة بصنعاء – يفتقر إلى أدلة علمية ملموسة

هذا النمط يتماشى مع ما سجلته تقارير علمية عالمية، تشير إلى أن الطحالب الضارة، التي يزداد تكاثرها بفعل التغير المناخي وتلوث المياه، تُعد من أبرز مسببات نفوق الثدييات البحرية، ومنها الحيتان والدلافين

 أنتجت هذه المادة ضمن مشروع “دعم الإعلام في اليمن” الذي ينفذه مرصد الحريات الإعلامية التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وبتمويل من الخارجية الهولندية

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير