هاجس القرية في أعمال “محمد عبدالوكيل جازم”
منذ شهر
تعز – وفاء فرحان محمد عبدالوكيل جازم، قاص وشاعر وروائي وناقد يمني، من أبرز كتّاب القصة الحديثة في اليمن
يذكر في مقدمة كتابه “الأعمال القصصية الكاملة” -صادرة عن أروقة للدراسات والنشر (2022)- بأن حياته مع الكتابة كانت صراعًا حقيقيًا
وقال جازم إنه صارع أمواج اللغة وبحرها الهائج، لاسيما وأنه وظّف طبيعته الداخلية، برؤاها ومعتقداتها وتجاربها لوصف الخارج إنسانًا وطبيعةً
وصفٌ يحاكي الداخل أيضَا؛ بدافع السعي إلى المعرفة، بأسلوب تجريبي يحمل هم الوطن والقرية، متناولًا قضايا إنسانية، ومحاولًا فهم الوجود
وذلك من خلال أربع مجاميع قصصية
ينتمي جازم إلى جيل التسعينيات، ولكنه دشن مجاميعه القصصية مع بداية الألفية
فأصدر مجموعة “حجم الرائحة” عام 2001 عن نادي القصة اليمنية، وألحقها بـ“البرد” في 2006
ثم “الضباب أتى
الضباب رحل” 2007، عن دار نجاد للنشر والتوزيع، ثم “قليل من الدفء يكفي” في 2022 عن أروقة
ينتمي جازم إلى جيل التسعينيات، ولكنه دشن مجاميعه القصصية مع بداية الألفية
فأصدر مجموعة “حجم الرائحة” عام 2001 عن نادي القصة اليمنية، وألحقها بـ“البرد” في 2006
ثم “الضباب أتى
الضباب رحل” 2007، عن دار نجاد للنشر والتوزيع، ثم “قليل من الدفء يكفي” في 2022 عن أروقة
يقول جازم عن نفسه: “إنه يصارع أمواج اللغة وبحرها الهائج، لاسيما وأنه وظّف طبيعته الداخلية، برؤاها ومعتقداتها وتجاربها لوصف الخارج إنسانًا وطبيعةً”القرية هي اللبنة الثقافية الأولى لدى الكاتب، تشربت واختلطت في كيان جازم امتزاج النفس بالجسد، وكانت أحد تسريبات الروح إليهما
ومن خلال مجموعته الأولى “حجم الرائحة” ناقش الكاتب المشاهد الواقعية لمجتمع القرية
مفردًا صفحاته للشخصيات التي تتحرك بشكل دراماتيكي وبخفة فوق تضاريس مألوفة خبرها القاص جيدًا
مجسدًا ما يمكن التقاطه بسهولة أحيانًا وما لا يمكن التقاطه بالعين المجردة
مضيفًا إلى ذلك ثقافته المحلية الواسعة التي اكتسبها من الناس، مظهرًا المشاعر بشقيها الخيّر والشرير، وما ورائهما كالموت والجنون
بالإضافة إلى قضايا أخرى إنسانية تخص المجتمع اليمني، مثل الغربة المتأرجحة كبندول بين اليأس والأمل في عودة المحبوب من عدمه
مستندةً على خيط الحنين الذي لربما يعزى مصدره الأول إلى عالم قبَلي (ما قبل القرية)
وجمِّعت هذه المجموعة في قنينة ليكون للرائحة حجم واشتعالات، لا سيما في متن “الجدة” التي تمثل الاستقرار ورمز الأصالة والارتباط
وبكل ما يتبعها من روائح الأرض وحظائر الماشية المتخمرة، والأصوات الدافئة للحيوانات وللطبيعة التي لا تزعج الأذن والأغاني المرتبطة بالأسلاف وبالأرض
وترتبط بالآلآم وإلى “ما يسير باتجاه القلب” وما يتجلى في الواقع المادي كنبات الزرع، وعيون النوافذ
أما المجموعة الثانية، فسمَاها البرد 2006؛ وحكت عن مرحلة انتقالية اضطرارية انتقل فيها الكاتب من مجتمع القرية إلى مجتمع المدينة
ووظِّف البرد هنا ليأتي متوازيًا مع الارتجاف الذي أعقب خروجه من أجواء القرية
كما تشير مجموعته السابقة، ولا شك أن المناخ الشتوي في مدينة (صنعاء) ألقى بظلاله على المجموعة
رغم المدخلات التكنولوجية المدعمة بالحديد وملحقاتها لم تكن لتصل بذلك إلى حيوية الطبيعة في القرية بل وتصدر كثيرًا من الضوضاء
القرية هي اللبنة الثقافية الأولى لدى الكاتب، تشربت واختلطت في كيان جازم امتزاج النفس بالجسد، وكانت أحد تسريبات الروح إليهما، ومن خلال مجموعته الأولى “حجم الرائحة” ناقش الكاتب المشاهد الواقعية لمجتمع القرية، مفردًا صفحاته للشخصيات التي تتحرك بشكل دراماتيكي وبخفة فوق تضاريس مألوفة خبرها القاص جيدًا
مجسدًا ما يمكن التقاطه بسهولة أحيانًا وما لا يمكن التقاطه بالعين المجردةولاشك بأن هذه المجموعة كانت صدمة قصصية في “الأعمال الكاملة” فقد تضمنت حالة من الانفصال، ومن ثم الاستيقاظ
وأصبح شبح الرواة فيها مصابًا بالتشتت وبقلة الدفء، ورغم تكدس المدينة فاتحًا عينيه على مجتمع أكبر، به مسميات حداثية جديدة
وما أصابه من الجفاف وبه مابه من بقايا الحضارة التي كانت في جوهرها وعي القرية
وتربع مشاكلهما المعيشية والوطنية والسلطوية على مشاهد الخوف من الحياة بأقسى آلامها
وفي كل مرة وجّه فيها جازم انتباهه صوب المدينة كانت تراوده القرية وما تحدثه من حنين حضاري إلى الذكريات الجوهرية
كـ”شجرة الغريب” مثلًا، وبقايا ذاكرة سبأ بأعمدتها الروحية الشبيهة بالملائكة الواقفون في جبل صبر، ويحملون قلعة القاهرة، وكأنها ختام رقصه
وفي مجموعة “الضباب أتى
الضباب رحل” تسابقت وعادت القرية بقوة إلى القلب العاشق
تخللتها مساحة عمّقت الصورة بحنينها لدى “جازم”
وكان الضباب مفتاح القصص الأثيري، يزين القرية ويغازلها كما يفعل في ذهنه وحواسه عندما يستكشف ماحوله من خلال الهالة الأدبية
وينتقل من الأرض إلى الأشجار سيدات الأرض
إلى العلاقة بين الإنسان والحيوان، كما في “صرخات لكبش سيدة الهوبي”
ثم إلى الدار وما يقوم عليه من أعمدة طينية وروحية، وما يجتمع فيه من الطبيعة والحيوان والإنسان
والانتقال إلى خارجه في الصدام مع المحيط ولا سيما التصادم البشري والذي يكمن فيه الشر الأخطر
المجموعة الثانية، التي سمَاها البرد 2006؛ حكت عن مرحلة انتقالية اضطرارية انتقل فيها الكاتب من مجتمع القرية إلى مجتمع المدينة، لكنه عاد إلى القرية في مجموعة “الضباب أتى
الضباب رحل”، التي تسابقت وعادت فيها القرية بقوة إلى القلب العاشق، تخللتها مساحة عمّقت الصورة بحنينها لدى “جازم”كما عبّر في إحدى قصصه وهي “ريح في القرية” كيف أن دماء أحدهم تمخضت بالزرع والأرض
وذلك بمغبة القتل في نظام “السلسة الغذائية الفكرية والمادية” مع وجوب الاستمرارية في الوجود رغم كل التناقص والموت
عادت القرية التي لم تفارق الكاتب في المجموعة الثالثة ولكنها عادت هنا وقد اكتسب مفاهيم جديدة، فظهرت مساحات في شخوصه تتجاوز الصدمة، والأرض تشكو في هذه المجموعة من انتهاك بكارتها بالآلات ترجو شفائها بضماد الغائبين والأصالة
لمجموعة القصصية الأخيرة “قليل من الدفء يكفي” صدرت عن دار أروقة في القاهرة 2022
وعبّرت عن محاولات للامتزاج بين مجتمعي القرية والمدينة في القصص الكاملة
وبرز الحنين القروي بخشونة بداوته، وبانسيابية خطواته وبنبل موسيقيته، ومع ظهور الثقافة المدنية بتعدد نكهاتها كقطع ملونة مرصوصة “أيقونة القمرية”
ولكن سرعان ما انتشر فيها البرد بوخزات مشكلاته المدنية والوطنية
ثم بدت لغة شاعرية جديدة بالظهور فيهما تحاكي التداخل والتناغم بين المجتمعين في حياة الكاتب
حيث بدأ من خلالها النظر للحياة بأسلوب مدمج مدركًا للتحولات التي تحدث
وفي المجموعة الرابعة ظهر وجه الإنسان الذي أرهقته القرية بغربتها وشوقها وحنينها، والمدينة بجفافها وبرودتها
كما لو أن شخوص القصص وأبطالها يبحثون عن النجاة والفرار من أشواك الأشجار وجرأة العيون المكفهرة بالمادية
وقد رسم للحب لوحات جديدة ولكنه كان مراوغّا في هذه المجموعة، فهل أصابه الحنين إلى القرية مرة أخرى؟
وفي المجموعة الرابعة ظهر وجه الإنسان الذي أرهقته القرية بغربتها وشوقها وحنينها، والمدينة بجفافها وبرودتها، كما لو أن شخوص القصص وأبطالها يبحثون عن النجاة والفرار من أشواك الأشجار وجرأة العيون المكفهرة بالماديةيقول محمد عبدالوكيل جازم في كتابه: يغالبني الشعر فأثنيه منتصرًا للسرد لكن السرد يخونني
يتملص ويذهب إلى أحضان الشعر، وتغيم الشاعرية فتتضبضب الرؤية أمامي، فأهرول من أجل إخراجها من مراوغة الغموض والتكلف
وكما يقال “هو أعلم بشعاب قصصه القصيرة” التي استخدم فيها أسلوبًا حداثيًا مفعمًا بالمشاعر
آخذًا القصة اليمنية لضفاف جديدة بقاموس لغوي جديد وصور تنزاح إلى الكثيف؛ لـ”اكتشاف خصوبة المعركة داخل فضاءات الجمال والحرية والبهجة”
رغم مرارة قضاياه؛ الأصل
السكون
الأرض
الشجرة
الدين
الموت وما بعده
الحياة وما فيها، السلطة، الوطن والمرأة
يذكر أن الروائي القاص محمد عبدالوكيل جازم، أحد كتّاب موقع “المشاهد”
ويمتلك العديد من المقالات الأدبية والفنية في الموقع
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير