هاجس الهجرة عند الشباب اليمني
منذ 2 سنوات
يتردد الشاب اليمني “محمد خالد” كثيرًا في حسم فكرة سفره إلى السعودية بحثًا عن فرصة عمل هناك، بعد أن أكمل تعليمه الجامعي في مجال المحاسبة
يشتد خالد ترددًا كلما تناهى إلى مسامعه شكاوي بعض المغتربين ممن خرجوا خروجًا نهائيًا من السعودية؛ نتيجة قوانين العمل هناك، وزيادة رسوم الكفالة وحق التنقل، إلا أنه لم يعد مقتنعًا بالبقاء داخل البلاد بعد عامين من تخرجه والبحث دون جدوى عن فرصة عمل
يقول لـ«المشاهد» ”إن فكرة الخروج من البلاد محسومة، لكن إلى أين؟ خاصة أن قصص العائدين تجعلني أغير رأيي”
ويضيف: “خالي خرج مع عائلته بداية الحرب من السعودية بعد غربةٍ أمتدت 30 عامًا، ضاع فيها عُمره، وخسر تجارته، وعاد إلى الوطن مثقلاً بالهموم والمآسي، باحثًا عن موطىء قدم، وفي النهاية فتح محل جوالات لأولاده في صنعاء لا يغطي مصروفاتهم”
ويواصل محمد خالد: ”الكثير من المغتربين يشكون ضيق الحال في السعودية، وهذا ما يجعلني أفكر أحيانًا بالسفر إلى عُمان، فكثير من الشباب سافر إلى هناك في الآونة الأخيرة، رغم أن فرص العمل في عُمان ضئيلة جدًا، كما يؤكد الجميع”
يعتقد الكثير من المغتربين في السعودية، ممن طالتهم قوانيين العمل، ولديهم رأس مال لا بأس به، أن عودته إلى البلاد لفتح مشروع خاص أفضل من الغربة وكربتها غير المنتهية، كما هو الحال مع ”فضل مصطفى” -اسم مستعار- العائد من السعودية بعد ثلاثة أعوام غربة لزيارة أهله، وكان ينوي فتح مشروع خاص وعدم العودة، لكنة لما أطلع على الوضع غير رأيه
يقول فضل لـ «المشاهد»: “كنت أفكر بعدم العودة وكان خروجي رسميًا؛ لضمان رجوعي، لكن الوضع في المدن اليمنية منهار للغاية، والأعمال فاترة إن وجدت، والحياة لا تطاق، حتى التجارة والاستثمار تمثل مغامرة غير مجدية في ظل انقسام العملة، وعدم استقرار سعر الصرف، وغياب البيئة الآمنة
قرر محمد عبد المغني -ناشط حقوقي- الهجرة نحو تركيا قبل سته أعوام واستقر به الحال في ألمانيا، بحثًا عن فرصة حياة جديدة بعيدًا عن الحروب والصراعات
تمكن عبدالغني من العبور بطرق رسمية لكنها لم تخلُ من المشقة والتحديات خلال رحلته واستقراره في أوروبا
يروي محمد لـ«المشاهد» قصة خروجه من صنعاء والذي لم يكن سهلًا، خاصةً كونه قادم من بلد يشهد حروبًا عسكرية وانقسامات سياسية، كما أنه وحيد ومحكوم بالضعف، في عالم جديد، وثقافة ولغة ومجتمع جديد
ويضيف: ”واجهتُ صعوبات كثيرة في المهجر متعلقة بإيجاد سكن، واللغة التي شكلت عائقًا كبيرًا، وفرص العمل لأن هناك تحديات في تطابق المهارات والخبرات السابقة مع سوق العمل في البلد الجديد، ومع ذلك كنت محظوظًا في الاستقرار في المهجر”
يبذل الكثير من اليمنيين كل طاقاتهم وإمكاناتهم للعبور نحو دول أوروبا، عبر محطات كثيرة قد تستمر لعدة أشهر، عادةً ما تكون العاصمة المصرية القاهرة محطتهم الأولى، وفيها يتواجد اليمنيون بكثافة، ويصل عددهم إلى نصف مليون مقيم، حسب تصريحات سابقة لمسؤول بالسفارة اليمنية
وجزء من أولئك يواصلون رحلتهم نحو أوروبا، عبر ”سماسرة مهربين” في رحلة محفوفة بالمخاطر، تنقلاً بين الدول المجاورة، يصل بعضهم بعد مشقة وعناء، فيما آخرون يفقدون حياتهم في الطريق
الكثير من القصص المؤلمة سجلتها رحلات الهجرة، كالغرق وفقد أشخاص وهم في طريقهم الى أوروبا، جميعهم يحملون مؤهلات علمية أقلها جامعية، كان من ضمنها وفاة الدكتور ضيف الله الذيفاني غرقًا في شواطئ سبتة المغربية، في مطلع ديسبمر الماضي، بعد محاولته الدخول إلى إسبانيا عبر البحر
وأعقب تلك الحادثة، وفاة ثلاثة آخرين في غابات أوروبا خلال محاولتهم الوصول إلى بولندا، في مطلع يناير الماضي، فيما يتعرض بعض المهاجرين اليمنيين على الحدود الشرقية لأوروبا -في بيلاروسيا تحديدًا- لعمليات نهب وسرقة من قبل عصابات تهريب ليواجهون مصيرًا مجهولًا
”في البلدان التي تعاني من ويلات الصراعات والحروب، يبرز الوضع الاقتصادي كدافع لغربة مواطنيها، لذا تكون ”الهجرة” فكرة مسيطرة على عقول الكثير من الشباب، بل وأرباب الأسر من كبار السن”
وفقاً لـ”منير الحاج” صحفي يمني مغترب
ويتحدث الحاج مع «المشاهد» عن أسباب كثيرة للغربة غير الوضع الاقتصادي
البحث عن الأمان والاستقرار خاصة لدى المبدعين والمثقفين أصبحت هاجس اليمنيين على مختلف مشاربهم وثقافتهم
ويرى أن المرء يعيش أحيانًا غربة روحية قبل كل شيء، وهو الحال السائد بالنسبة لليمنيين الذين اضطرهم الحرب للسفر نحو دول الخليج أو مصر أو الأردن أو أوروبا، في هذه الأوطان يظل المغترب فيها خائفًا ومحكومًا بقوانين تبدو في كثير من الأحيان أشبه بأسلاك شائكة تحيطك، على خلاف بلدك التي تشعر فيها بالحرية والأمان، رغم الحروب والأوضاع الأمنية غير المستقرة
في السياق يرى المحلل الاقتصادي ”وفيق صالح” أن الظروف الاقتصادية المتدهورة وانعدام فرص العمل وتراجع مستوى الخدمات المعيشية، سبب رئيسي لهجرة الشباب اليمني إلى الخارج بحثا عن غد أفضل بعد أن ضاق بهم الوطن
”ويوضح صالح لـ«المشاهد» أن فئة الشباب اليمني الذين يتطلعون لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، جراء استمرار الحرب وغياب أية حلول تلوح في الأفق، تدافعوا نحو الهجرة إلى أوروبا ودول أخرى
”تقول الاخصائية الاجتماعية والنفسية ”نونا سعيد” ارتباط الوضع الاقتصادي بالحرب وتأثيره نفسيًا واجتماعيًا خاصة على فئة الشباب الذين وجدوا أنفسهم أمام مستقبل مجهول والتكهن بقادم أسوأ أثر على طموحهم وأجهضت أحلامهم؛ ما اضطر الكثير منهم إلى خيار الهجرة والبحث عن مكان آمن يحققون فيه أهدافهم
”وتلفت الأخصائية النفسية في حديثها مع «المشاهد» أن البطالة في العادة تؤدي إلى عزلة إجتماعية للعاطلين عن العمل، ويفقد خلالها الكثير من أهميته وتقديره لذاته، وبالتالي يؤثر ذلك على حالته النفسية، ويسبب له القلق والاكتئاب والعدوانية تجاه المجتمع، وهذا ما يجعلهم يعتقدون أنهم سينجون من خلال السفر خارج البلاد
”ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير