هزاع البيل : الحوثي.. يخاف من سبتمبر
منذ 3 ساعات
هزاع البيل تزال ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ماثلة في وجدان اليمنيين، لا بوصفها مناسبة عابرة، بل كميلاد حقيقي لدولة اليمن الحديثة، وكصفحة فاصلة بين زمن العبودية الإمامية، وعصر الجمهورية والكرامة
تلك الثورة، التي فجّرها اليمنيون من قلب صنعاء، كانت ضد مشروع كهنوتي سلالي حاول أن يُقصي الشعب عن وطنه، ويختزل السلطة والدين والتاريخ في عائلة تدّعي امتلاك الحق الإلهي للحكم، ولم تكن معركة اليمنيين في سبتمبر مع سلطة سياسية، بل مع نظام استعباد استند إلى الجهل والتخويف والفرز الطبقي والمناطقي والطائفي
واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود، تعود الإمامة من جديد، ولكن هذه المرة بوجه آخر، أكثر تطرفاً ووحشية، فمليشيا الحوثي لم تأتي من فراغ، بل خرجت من ذات الجحر الذي خرجت منه الإمامة، تقول نفس الخطاب، ونفس النبرة، ونفس الاستعلاء على الناس، ونفس الفكرة القائمة على اختطاف الدين لخدمة مشروع سياسي عنصري
ولهذا، لا غرابة أن تعيش المليشيا الحوثية حالة رعب سنوية مع اقتراب ذكرى 26 سبتمبر، فالمناسبة التي يحتفل بها اليمنيون بكل فخر، تتحول داخل مناطق سيطرة الحوثي إلى تهمة تُعرّض صاحبها للاعتقال، ويتم فيها منع الأعلام، وحظر النشيد الوطني، وقمع أي مظهر من مظاهر الاحتفاء، والسبب واضح لأن سبتمبر يكشف حقيقتهم ويفضح مشروعهم الطائفي
المعركة اليوم لم تعد سياسية ولا حتى عسكرية فقط، بل باتت معركة وعي وذاكرة وهوية، فالمليشيا تراهن على تغييب الجيل الجديد عن تاريخه، وعلى استبدال رموز الجمهورية برموز سلالية طائفية دخيلة على نسيج اليمن، لكنها تراهن على وهم، لأن الذاكرة اليمنية ما زالت حية، والوعي الجمهوري في تصاعد مستمر
وفي مقابل مشروع الإمامة الجديد، يتجدد مشروع الدولة اليمنية، ويظهر جيل جمهوري عنيد، يرفض الانحناء، ويؤمن أن ما بدأه الثوار في سبتمبر لم يكتمل بعد، وأن مهمة الجيل الحالي أن يُسقط النسخة الحوثية من الإمامة
إن تمسك اليمنيين بسبتمبر ليس تعصباً لتاريخ، بل انحياز لقيم الحرية والمساواة والعدالة، ولهذا فإن أي مشروع سياسي لا ينطلق من روح سبتمبر ولا يؤمن بثوابته، سيبقى مشروعاً مشوّهاً، لا مكان له في وعي اليمن الجمهوري
ستبقى ذكرى 26 سبتمبر وقوداً متجدداً في معركة الشعب اليمني ضد الظلم، وستبقى الجمهورية خياراً لا رجعة فيه، لأن البديل عنها هو السقوط في زمن الكهوف، وعودة الإنسان اليمني إلى مربع العبودية، وهذا ما لن يقبله شعب ذاق طعم الحرية