هل يستعين قضاة اليمن بأدوات الذكاء الاصطناعي؟

منذ 8 ساعات

صنعاء- غادة الحسينيفي بلد ما تزال مؤسساته القضائية مثقلة ببطء الإجراءات والسجل الورقي، يبدو الحديث عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مربكًا

  لكن حين يتعلق الأمر بالقضاء، فإن العدالة لا تُقاس بالسرعة وحدها، بل بالإنصاف وفق ثبوت الأدلة وتطبيق القانون

 ماذا لو لم يعد القاضي هو من يكتب الأحكام، بل آلة ذكية؟ يقف القضاء اليمني أمام تحدي وفرص التحول إلى عدالة رقمية في حال تم تطوير البنية التحتية اللازمة

لا يوجد حتى الآن مسح يوثق أحكامًا قضائية تم الاستعانة في كتابتها بأدوات الذكاء الاصطناعي

لكن المحامي خالد الدبيس قال في منشور له على صفحته بـ”الفيسبوك” في 26 أغسطس الماضي: إنه اطلع على حكم قضائي استعان القاضي في كتابة حيثيات الحكم على الذكاء الاصطناعي

وبحسب الدبيس فإن القاضي بنى حكمه في الحيثيات على مادة في قانون المرافعات بصيغة ليست موجودة في القانون وحالات من محكمة العدل الدولية ومفردات ومصطلحات باللغة الإنجليزية

هناك مبادرة في وزارة العدل التابعة لحكومة جماعة الحوثي في صنعاء تتضمن بناء نظام معلومات داخلي للوزارة والمحاكم التابعة لها لتسهيل الرقابة والمتابعة إلكترونيًا

لكن يبقى السؤال هل سيكون الذكاء الاصطناعي أداة لإنقاذ المحاكم من التراكمات، أم مدخلًا لنسف الثقة بالأحكام القضائية؟

في تقرير الهيئة الأوروبية لكفاءة القضاء (CEPEJ) الصادر في فبراير 2025، تم حصر 125 أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ تهدف لتحسين كفاءة العدالة وإتاحتها ضمن قاعدة بيانات الموارد الإلكترونية التابعة للـ CEPEJ

  تشير النتائج إلى أن هناك استخدام متزايد لتقنيات مثل تعلّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية في المحاكم، لكن لا يوجد حتى الآن “نظام قضائي ذكي” يعمل بشكل مستقل دون إشراف بشري

يتحدث القاضي محمد المرادي، عضو نيابة المواسط والمعافر بمحافظة تعز  لـ”المشاهد” عن إدخال الذكاء الاصطناعي في العمل القضائي، والاستفادة منه، ويقول: “إنه يُعد خطوةً استباقية؛ كون الواقع العملي الراهن يشير إلى أن المحاكم والنيابات ما زالت تعمل في إطار العصر الورقي، وتدار السجلات والإجراءات بإمكانات ما قبل عصر الكمبيوتر والإنترنت، حيث تُدوَّن محاضر الجلسات بخط اليد، وتُحفظ القضايا في ملفات ورقية مكدسة، فلو دخل أحد محكمةً يمنية، لظن أنه دخل متحفًا للوثائق القديمة؛ لذلك فإن الحديث عن إدخال الذكاء الاصطناعي في المحاكم أو النيابات لا بد أن يسبقه بنية تحتية رقمية للعدالة، ويتطلب إصلاحًا تدريجيًا يبدأ من إدخال أنظمة الكمبيوتر في إدارة الجلسات والقضايا، وتدريب الكوادر القضائية والإدارية على استخدام التكنولوجيا والأنظمة الذكية، ورقمنة السجلات القضائية وأرشفتها إلكترونيًا، واستبدال الورقة بالشاشة، والقلم بلوحة المفاتيح، والملفات المكدسة بقاعدة بيانات إلكترونية”

القاضي محمد المرادي، عضو نيابة المواسط والمعافر بمحافظة تعز: إدخال الذكاء الاصطناعي في العمل القضائي، والاستفادة منه يعد خطوةً استباقية؛ كون الواقع العملي الراهن يشير إلى أن المحاكم والنيابات ما زالت تعمل في إطار العصر الورقي، وتدار السجلات والإجراءات بإمكانات ما قبل عصر الكمبيوتر والإنترنت، حيث تُدوَّن محاضر الجلسات بخط اليد، وتُحفظ القضايا في ملفات ورقية مكدسة، فلو دخل أحد محكمةً يمنية، لظن أنه دخل متحفًا للوثائق القديمة؛ لذلك فإن الحديث عن إدخال الذكاء الاصطناعي في المحاكم أو النيابات لا بد أن يسبقه بنية تحتية رقمية للعدالة

”ويضيف المرادي: “أما بخصوص مواءمة التشريعات والقوانين اليمنية السارية للذكاء الاصطناعي، فمعظم التشريعات والقوانين اليمنية صدرت قبل عصر الرقمنة، ولم يصدر حتى اليوم أي قانون ينظم صراحة استعمال وحماية البيانات الرقمية، وبالتالي يغيب أي تقنين واضح للذكاء الاصطناعي أو طريقة استخدامه في القضاء

 ويشير المرادي إلى أن أقصى ما تسمح به القوانين الحالية لاستيعاب أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل محدود، هو في مرونة نصوص حرية الإثبات في قانون الإجراءات الجزائية التي تمنح القاضي حرية تقدير الأدلة، بما فيها الرقمية، وهو ما يشكل غطاءً مبدئيًا لإدخال هذه الأدوات، لكنها لا تحتوي على نصوص مباشرة لتنظيمها، هذا الوضع يجعل أي تجربة لتوظيف الذكاء الاصطناعي رهينة الاجتهاد الفردي للقضاة، لذلك فإن التشريعات الحالية غير كافية، وهناك حاجة ملحة لقوانين حديثة تواكب التطور الرقمي وتنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء اليمني، خصوصًا في ظل الثورة التقنية المتسارعة

في خضم هذا الجدل الذي يثيره دخول الذكاء الاصطناعي إلى ساحة القضاء، تبرز رؤية أهل الميدان أنفسهم؛ فالقُضاة الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية العدالة هم الأقدر على استشراف حدود هذا الدور الجديد

يقول القاضي أنس المجاهد، عضو نيابة همدان الابتدائية في محافظة صنعاء لـ”المشاهد”: “القضاء اليمني يعمل بمرونة عالية يدور حول فكرة العدالة في كثير من أحكامه، بل وعندما تتعارض العدالة مع الأحكام القانونية الإجرائية نجده يغض الطرف عن تلك الأحكام رغم أن لها تأثير كبير جدًا على النتيجة؛ لهذا من الصعب جدًا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في صياغة وكتابة الأحكام، ولا يمكن الاعتماد عليه أو أن يحل محل القاضي، ولكن يمكن أن يساعده في بعض التحليل عند الحاجة إليها”

ويضيف: “للذكاء الاصطناعي تأثير على مبدأ استقلالية القضاء؛ لأنه قد يشكل أحد عناصر التأثير على إرادة القاضي؛ لذا يجب على القاضي الذي قد يلجأ لخدمات الذكاء الاصطناعي أن يعي جيدًا أن نتيجة الاستعانة بهذا الذكاء قد لا تكون صائبة كونها نتيجة موضوعة مسبقًا أو نتيجة استمداد البيانات من مصدر معين له توجه ورأي يعبر عن الجهة صاحبة الرأي”

ويقول المجاهد: “إنه يجب على القضاء إدراك أن الذكاء الاصطناعي مثله مثل وسائل التأثير الأخرى، كالإعلام وغيرها مع فارق في القياس باعتبار أن ما ينقله الذكاء الاصطناعي عبارة عن بيانات ومعلومات ونتائج لتحليلات، بينما وسائل الإعلام تنقل الرأي والأخبار؛ بيد أن نتيجتهما تتقارب في التأثير

ويختم حديثه: “عندما يدرك القاضي ويعي جيدًا فإنه سيكون محصنًا من ذلك التأثير؛ لأنه لن يوليه الاهتمام الكبير في تحديد مصير القضية، فالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى وسائل وطرق معينة لاستخدامه الاستخدام الأمثل؛ ولذا فإن استخدامه بطريقة خاطئة سيفتح المجال بلا شك لأخطاء لا حصر لها في الأحكام القضائية عند الاستعانة به فيها”

إذا كان حضور الذكاء الاصطناعي في ساحة القضاء يثير نقاشًا حول دوره، فإن البُعد القانوني يظل الأكثر حساسية ودقة، إذ يتعلق بشرعية الأحكام وصحتها وإلزاميتها

يقول أستاذ القانون بجامعة صنعاء، الدكتور عبدالرشيد عبدالحافظ لـ “المشاهد”: يمكن أن تكون الأحكام الصادرة بواسطة الذكاء الاصطناعي كلية -أي دون تدخل بشري- صحيحة وملزمة إذا أجاز القانون ذلك”

ويضيف: “يمكن مواءمة استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء من خلال صدور قوانين جديدة تتيح استخدام الذكاء الاصطناعي في النطاق الذي تحدده هذه القوانين”

ويشير إلى أن هناك مخاطر حقيقية حول سرية المعلومات المتعلقة بالقضايا وهي أحد أسباب التعامل الحذر مع الذكاء الاصطناعي في القضاء، وتعتبر مسألة تقنية ربما تجد لها حلاً في المستقبل

 ويؤكد أن التشريعات الحالية ليست قادرة على استيعاب هذه التقنية، ولا بد من إصدار قوانين جديدة، ولكن في إطار القوانين الحالية يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في جوانب كثيرة تتعلق بالأعمال الإدارية والتحضيرية في العمل القضائي

ويختم حديثه: “لا شك أن تقييم نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي في الدول التي بدأت باستخدامه يوفر خبرةً إنسانية في هذه المسألة يمكن الاستفادة منه، ومما لا شك فيه أن استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء، ابتداءً من الإجراءات الأولية وحتى إصدار الأحكام القضائية وعلى الأقل في بعض أنواع من القضايا هو مسألة وقت فقط

” أستاذ القانون بجامعة صنعاء، الدكتور عبدالرشيد عبدالحافظ: “لا شك أن تقييم نتائج استخدام الذكاء الاصطناعي في الدول التي بدأت باستخدامه يوفر خبرةً إنسانية في هذه المسألة يمكن الاستفادة منه، ومما لا شك فيه أن استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء، ابتداءً من الإجراءات الأولية وحتى إصدار الأحكام القضائية وعلى الأقل في بعض أنواع من القضايا هو مسألة وقت فقط

”مع كل ما يثار من جدل قانوني وقضائي حول الذكاء الاصطناعي، يظل البعد الأمني هو الأكثر خطورة وإلحاحًا، فالقضاء بطبيعته يتعامل مع بيانات حساسة وأسرار بالغة الأهمية؛ ما يجعل إدخال الذكاء الاصطناعي إلى هذه المنظومة رهين بوضع معايير صارمة للأمن السيبراني

يقول فهمي الباحث استشاري في الأمن والسلامة الرقمية لـ”المشاهد”: “إدخال الذكاء الاصطناعي في القضاء قد يبدو خطوة نحو التحديث، لكنه في السياق اليمني محفوف بمخاطر كبيرة، فالقضاء يتعامل مع بيانات حساسة، وأي ضعف في البنية التحتية السيبرانية سيجعل هذه الملفات عرضة للاختراق أو التلاعب، الأخطر أن يتم تزييف أحكام قضائية أو التأثير في سير العدالة عبر ثغرات تقنية، وهذا يؤثر بثقة الناس في السلطة القضائية”

فهمي الباحث استشاري في الأمن والسلامة الرقمية: إدخال الذكاء الاصطناعي في القضاء قد يبدو خطوة نحو التحديث، لكنه في السياق اليمني محفوف بمخاطر كبيرة، فالقضاء يتعامل مع بيانات حساسة، وأي ضعف في البنية التحتية السيبرانية سيجعل هذه الملفات عرضة للاختراق أو التلاعب، الأخطر أن يتم تزييف أحكام قضائية أو التأثير في سير العدالة عبر ثغرات تقنية، وهذا يؤثر بثقة الناس في السلطة القضائية

”ويشير الباحث إلى ضرورة وضع معايير صارمة مثل التشفير الكامل للبيانات، ضوابط وصول متعددة، مراجعة دورية للخوارزميات، وضمان أن يكون دور الذكاء الاصطناعي مساعدًا لا بديلًا عن القاضي

 أما في ظل الوضع الأمني والتقني الراهن في اليمن، فإن الحديث عن تطبيق الذكاء الاصطناعي في القضاء سابق لأوانه، والأولوية يجب أن تكون لتأمين الأنظمة الحالية وبناء قدرات وطنية في مجال الحماية الرقمية

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير