واقع متأخر للرضاعة الطبيعية في اليمن
منذ 7 ساعات
تعز- عدي الدخينيفي الأول من أغسطس من كل عام يحتفل العالم بالأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، وهي مناسبة تهدف إلى رفع الوعي حول فوائد الرضاعة الطبيعية، وتعزيز الممارسات الصحية؛ لضمان صحة الطفل وسلامته
حيث يعد حليب الأم المصدر الأمثل والآمن لتغذية الطفل، لاحتوائه على أجسامٍ مضادةٍ تساعد على الوقاية من أمراضٍ عديدة
لكن وضع الرضاعة الطبيعية في اليمن لا يسر
فثمة مؤشراتٌ خطيرة تهدد صحة الأطفال
تروي “أم أمجد” تجربتها المؤلمة مع طفلها الصغير، الذي يبلغ من العمر عامًا واحد، وكيف اضطرت إلى الاعتماد على الحليب الصناعي بعد أن انقطع حليبها الطبيعي
تقول أم أمجد لـ”المشاهد”: “عند الولادة، تعرّض طفلي لحالة اختناق؛ مما استدعى نقله على الفور إلى المستشفى لتلقي الإسعافات اللازمة”
وأضافت بعد الولادة، تدهورت حالة طفلي الصحية، وقرر الأطباء بقاه في الحضانة لمدة عشرة أيامٍ لتلقي العلاج والرعاية الطبية، وخلال تلك الفترة كان يتم إطعامه الحليب الصناعي
وتُوضح أم أمجد أن طفلها، خلال اليومين الأخيرين قبل خروجه من المستشفى، بدأ يتلقى الحليب الطبيعي، ولكن ليس بشكلٍ مباشر منها؛ مما جعله يعتاد على طريقة الرضاعة غير الطبيعية، وعندما حاولت إرضاعه طبيعيًا لاحقًا، لم يتمكن من التأقلم مع هذه الطريقة
واختتمت أم أمجد حديثها بالقول: “بعد فترة من محاولاتي لإرضاع طفلي، انقطع الحليب عني تمامًا، وبالتالي اضطررت إلى الاعتماد بشكل كامل على الحليب الصناعي”
مشيرةً إلى أن هذا الأمر وضعها أمام تحدٍ جديد يتمثل في شراء عبوات الحليب لطفلها، وهو ما شكّل عبئًا ماديًا إضافيًا عليها
بصوتٍ خافت وألم يعتصر القلب، يروي زكريا ناصر، مواطن في مديرية جبل حبشي، غرب تعز، لـ”المشاهد” سبب عدم إرضاع طفلته الصغيرة البالغة من العمر ثمانية أشهر من أمها
يقول: “فقدتْ زوجتي حليب الرضاعة منذ أن ولدتْ بطفلتنا الأولى؛ بسبب خطأ طبي فادح أدى إلى انقطاع الحليب منها تمامًا؛ نتيجة إعطائها أدويةً من الحقن والمغذيات لإيقاف النزيف الذي واجهته أثناء وبعد الولادة”
ويضيف: “منذ أن وُلدتْ طفلتي، وأمها لم تتمكن من إرضاعها طبيعيًا، فكان الحليب الصناعي هو الخيار الوحيد أمامنا، وبدأتُ أُدرك بشكل عميق ما تعنيه تكلفة الرضاعة الصناعية، وتبعاتها الصحية على الطفل”
ويتابع: “في بداية الأمر كنتُ أشتري علبةً واحدةً من الحليب الصناعي بخمسة عشر آلاف ريال؛ ما شكل لي ولعائلتي عبئًا ثقيلًا، لكني حاولت التكيّف مع هذا الوضع كونه لا يوجد حل آخر”
يواصل ناصر حديثه لـ”المشاهد” قائلًا: لم يقتصر الأمر على شراء علبة حليب بخمسة عشر آلاف ريال، بل ارتفع سعر العبوة الواحدة من الحليب إلى عشرين آلاف ريال، في ظل استمرار تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية؛ مما ضاعف العبء
“كل شهر أجد نفسي مضطرًا لتخصيص مبلغٍ من 80 إلى 120 ألف ريال فقط لشراء الحليب لطفلتي الرضيعة، وهذا المبلغ وحده يساوي نصف أو أكثر من دخل كثير من الأسر، ومع متطلبات الحياة الأخرى، أصبح الحليب يشكل ضغطًا ماديًا ونفسيًا علينا”، حد قوله
ويشير إلى أن الحليب ليس ترفًا، بل هو حاجة أساسية لنمو الطفل وصحته
ومع ذلك، لا توجد أي جهة رسمية تدعم الأسر في هذا الجانب، ولا توجد رقابة على أسعار الحليب الذي يشكل عبئًا على الأسر، ولا حتى برامج إغاثية تستهدف من لا يستطيعون الإرضاع الطبيعي
في هذا السياق، يقول أخصائي تغذية علاجية واستشاري العيادة الاستشارية بجامعة الجند، الدكتور أسعد العامري، لـ”المشاهد” “إن الرضاعة الطبيعية تعد ضرورةً ملحةً للطفل، وتعمل على تحفيز إفراز هرمون الأوكسيتوسين؛ مما يعزز الرباط العاطفي، ويقلل التوتر، ويخفض احتمالات الاكتئاب بعد الولادة، بالإضافة إلى تقليل خطر الإصابة بأمراضٍ مزمنة، مثل السكري من النوع 2 وارتفاع ضغط الدم”
أخصائي تغذية علاجية واستشاري العيادة الاستشارية بجامعة الجند، الدكتور أسعد العامري: الرضاعة الطبيعية تعد ضرورةً ملحةً للطفل، وتعمل على تحفيز إفراز هرمون الأوكسيتوسين؛ مما يعزز الرباط العاطفي، ويقلل التوتر، ويخفض احتمالات الاكتئاب بعد الولادة، بالإضافة إلى تقليل خطر الإصابة بأمراضٍ مزمنة، مثل السكري من النوع 2 وارتفاع ضغط الدم
”ويضيف: “بعض الأمهات قد تعاني من مشكلاتٍ في إنتاج الحليب؛ نتيجة اضطراباتٍ هرمونية، مثل قصور الغدة الدرقية أو النخامية، إلى جانب “اكتئاب ما بعد الولادة” أو القلق المفرط أو الخوف من عدم كفاية الحليب أو من الألم أثناء الإرضاع، أو ربما تعرّضت لتجربةٍ سلبية سابقة في الرضاعة أثّرت في استعدادها النفسي”
ويشير إلى أن الطفل المحروم من حليب الأم يفقد الأجسام المضادة والعناصر الحيوية التي تقوي مناعته؛ مما يزيد من احتمالية إصابته بالأمراض المعدية مثل الإسهال والالتهابات التنفسية، ويعرّضه لخطر الوفاة في حال تحضير الحليب الصناعي بماءٍ ملوث أو في ظروفٍ غير صحية
وتعد الرضاعة الطبيعية شيئًا أساسيًا في حياة الأم لطفلها، حيث يقول الأخصائي التغذية العلاجية، علاء هاني، من تعز، “إن الرضاعة الطبيعية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز نمو الطفل وتقوية مناعته، وتساعده على توفير الكالسيوم الضروري له، وحمايته من العديد من الأمراض”
وأوضح أن تركيبة حليب الأم الطبيعية تختلف كليًا عن الحليب الصناعي، إذ تحتوي على سوائل غنية بالفيتامينات ومغذياتٍ تتفاعل بشكل مباشر مع احتياجات الطفل عبر التغذية الراجعة من حلمات الأم
وأشار هاني إلى أن الرضاعة الطبيعية تسهم بشكل كبير في وقاية الطفل من الإسهال الناتج عن البكتيريا؛ نظرًا لما يحتويه حليب الأم من هرمونات النمو التي تعد ضروريةً لصحة الطفل، والتي لا توجد في الحليب الصناعي، إضافةً إلى الفوائد الصحية على الأم، وتقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي، وتسهم في تقليل تعرض الطفل للأمراض المزمنة، فضلًا عن دورها في تنظيم هرمونات الجسم بين هرمونات الحليب وهرمونات الحمل، وتحقيق التوازن الأسري
وكشف هاني أن الأمهات اللاتي لا يتمكنّ من إرضاع أطفالهنّ غالبًا ما يعانين من مشاكل صحية، مثل الأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم ومشاكل المعدة، أو نتيجة لتناول الأدوية التي قد تتعارض مع الرضاعة، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل تشققات الثدي أو الحساسية التي قد تؤدي إلى انقطاع إفراز الحليب
لافتًا إلى أن تغذية الأم أثناء فترة الرضاعة تلعب دورًا حيويًا في تعزيز إنتاج الحليب بكمياتٍ كافية للطفل، مشددًا على أهمية تناول الفواكه والأطعمة المغذية
ووَفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن الرضاعة الطبيعية الخالصة عالميًا بين الأطفال دون سن ستة أشهر بلغت خلال 20204-2025، حوالي 48% وهي قريبة من تحقيق الهدف للعام 2025
وتقول المنظمة إن دعم وتحسين معدلات الرضاعة الطبيعية قد ينقذ حياة 820 ألف طفلٍ سنويًا على مستوى العالم
لكن في اليمن لا يزال معدل الرضاعة الطبيعية أقل بكثير من الوصول للهدف المحدد للعام 2025
حيث وجدت منظمة الصحة العالمية أن الرضاعة الطبيعية للأطفال في اليمن دون سن ستة أشهر لا تتجاوز 14 %، وهو أقل من المعدل العالمي بحوالي 36 %
وألقى هذا التأخر بظلالٍ وخيمة على صحة الأطفال ونموهم في اليمن
وقالت المنظمة: “لا يزال التقزم يمثل مشكلةً مثيرةً للقلق، وينتشر على نطاقٍ واسع في أكثر من 175 مديرية من مديريات اليمن البالغ عددها 333 مديرية، وَفقًا لتحليل بيانات مراقبة التغذية
وتواجه الأمهات المرضعات تحدياتٍ جمة، ومن هذه التحديات: عدم الوصول إلى الرعاية الصحية، وتقليص دعم التمويل المخصص لتنفيذ إجراءات التغذية الوقائية السليمة لهنّ
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير