واقع ومخاطر سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على شرق اليمن - [ترجمة خاصة]

منذ 2 ساعات

بقلم: نبيل خوري*- هيمنت قوتان عظيمتان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، على منطقة الشرق الأوسط الكبرى خلال أيام الحرب الباردة

وما حدث من بلاد الشام وصولًا إلى اليمن وعبر شمال إفريقيا تأثر بشكل كبير، إن لم يكن محددًا بالكامل، بصراع المصالح والتنافس بين هذين اللاعبَين الدوليين الرئيسيين

أدى انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور مراكز قوة إقليمية إلى صورة أكثر تعقيدًا: فالأحداث على ساحات القتال في الشرق الأوسط أصبحت اليوم وظيفة لكيفية تحديد إيران وإسرائيل وتركيا والسعودية والإمارات لمصالحها وطموحاتها الوطنية

الولايات المتحدة، وعلى الرغم من مزاعم إدارة ترامب بتراجع اهتمامها، ما تزال لاعبًا رئيسيًا ومؤثرًا

وتشير التطورات الأخيرة في جنوب اليمن—حين وسع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا سيطرته على محافظتي حضرموت ومهرة—إلى تطلعات القادة اليمنيين والصراع على السلطة في الشمال والجنوب على حد سواء

ومع ذلك، فإن هذه الطموحات تتحرك فقط ضمن المساحة التي يسمح بها اللاعبون الإقليميون والدوليون الأقوى

فالأحجار على رقعة الشطرنج يمكن أن تتخذ خيارات، لكن فقط بالقدر الذي يسمح به اللاعبون خارج اليمن

التداعيات المحليةتشير خطوة المجلس الانتقالي إلى نهاية الهدوء النسبي الذي ساد جنوب اليمن منذ معركة مأرب عام 2021

كما يبدو أنها دمرت التحالف الحكومي الهش الذي تم تشكيله عام 2022 عبر اتفاق سعودي-إماراتي، حيث غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، عدن متجهًا إلى الرياض، ملقيًا اللوم على رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، في انهيار الاتفاق

إذا استمرت تقدمات المجلس الانتقالي في شرق اليمن، بحيث تضع الجنوب اليمني بأكمله تحت سيطرته، فسوف يترك مجلس القيادة الرئاسي بلا أي أرضية للتواجد

ومع أي استجابة من المجلس المدعوم سعوديًا أو المملكة نفسها، فإن المجلس الانتقالي قد سبق الجميع بالخطوة الأولى، ويبدو أن صراعًا وشيكًا على الأبواب

وفي يوم الجمعة 26 ديسمبر، اتهم المجلس الانتقالي الطائرات السعودية بضرب مواقع ومعداته، وأعلن أن قواته تتعرض لكمائن في حضرموت

وتشير التقارير إلى وجود نحو 20 ألف مقاتل من قوات الحماية الوطنية المدعومة سعوديًا على الحدود بين البلدين، ما يجعل احتمال اندلاع صراع واضحًا في المستقبل المنظور

تحديات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن لا تقتصر على مجلس القيادة فقط

فالصراعات الداخلية عديدة في المنطقة

ومن الناحية القبلية، ينتمي قياديو المجلس الانتقالي في الغالب إلى محافظة الضالع، مسقط رأس الزبيدي وقاعدته القوية

تاريخيًا، اندلعت توترات بين مجموعة الضالع-لحج (الطوغمة) ومجموعة أبين-شبوة (الزمره) في الجمهورية الديمقراطية الشعبية لليمن السابقة إلى حرب أهلية دموية عام 1986، وهي صراع قصير استمر أسابيع وأسفر عن آلاف القتلى ومهد الطريق للاتحاد مع الشمال عام 1990

ولا يزال الاستياء قائمًا اليوم بين مناطق الشرق (حضرموت ومهرة) والغرب (أبين والضالع) من الجنوب، ولا يندمج قادة القبائل في حضرموت ومهرة بسهولة في تحالف المجلس الانتقالي ويعارضون استيلائه على السلطة

ومع تصاعد هذا الاستياء، يمكن للمجلس الانتقالي توقع تحديات وهجمات ضد قواته من داخل المنطقة التي يسعى لتمثيلها

وحتى الآن، لم تتفاعل جماعة الحوثي، مفضلة مراقبة الاضطرابات في الجنوب مع إدانة أي تصاميم انفصالية من جانب المجلس الانتقالي

البعد الإقليميتصف كلمة أصدقاء أعداء العلاقة بين السعودية والإمارات بشكل دقيق

ففي البداية، بدا أن لهما أهدافًا مماثلة في الصراعات الإقليمية، من سوريا إلى السودان إلى اليمن، لكنهما انتهتا بدعم مجموعات متنافسة خلال الحروب الأهلية في هذه البلدان

في اليمن، كان الطرفان شركاء في التدخل عام 2015 ضد سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، لكن بمجرد توقف تقدم الحوثيين نحو عدن، اتخذ الشريكان مسارات مختلفة: ركز السعوديون على دعم الحكومة المعترف بها دوليًا وحزب الإصلاح، في حين بدأت الإمارات في تشكيل ميليشيات محلية ودعم المجلس الانتقالي

ومع اهتمام السعودية بالحفاظ على حدود آمنة مع اليمن وارتباطها التاريخي بمنطقة حضرموت، تبنت الإمارات نهجًا استراتيجيًا أكثر طموحًا للسيطرة على موانئ جنوب اليمن والجزر قبالة الساحل، خصوصًا أرخبيل سقطرى

علاوة على ذلك، نشأت شراكة استراتيجية بين إسرائيل والإمارات (الموقعة على اتفاقات أبراهام 2020)، وتجسدت في اليمن عبر قواعد ومدارج جوية على أرخبيل سقطرى والجنوب اليمني

وتتركز نقاط قوة السيطرة العسكرية للمجلس الانتقالي على الساحل، ما يضمن السيطرة على الموانئ ونقاط الوصول إلى سقطرى والبحر الأحمر لتعزيز النفوذ الإماراتي

قد تكون المنافسة في اليمن، حيث تتباين مصالح الشريكين الخليجيين بوضوح، على وشك الوصول إلى نقطة الانفجار، لا سيما بسبب قرب ساحات القتال من الحدود السعودية وما تعتبره الإمارات مصالح حيوية لها

وأكدت التصريحات الرسمية السعودية على ضرورة عودة القوات إلى مواقعها الأصلية، فيما أعادت الإمارات التأكيد على ذلك، ولكن بصوت منخفض

وفي 25 ديسمبر، أصبحت السعودية أكثر صرامة في مطالبتها للمجلس الانتقالي بسحب قواته، وهو ما رفضه المجلس صراحة

وربما يستطيع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد التوصل إلى حل يحفظ ماء الوجه للأطراف المحلية لتجنب حرب أهلية دموية أخرى في اليمن

وفقًا لعبد الغني اليرياشي، سيطرة المجلس الانتقالي قابلة للعودة بالوسائل السلمية

لدى المملكة العديد من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية لإقناع المجلس بالانسحاب، وللتعاون مع الإمارات في هذا الصدد

وبينما يخفي قادة المجلس الانتقالي نواياهم الانفصالية بشكل جزئي، فقد برروا توسعهم شرقًا لأسباب أمنية، زاعمين أن الدافع الرئيسي هو قطع الطريق أمام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتهريب الحوثيين في الجنوب

ومن الواضح أن الاستيلاء على حقول النفط والغاز في حضرموت يشكل هدفًا مهمًا

ومن الممكن، من الناحية النظرية، أن يعاد نشر قوات مجلس القيادة في المناطق المعروفة بممرات التهريب، ويتم تعويض المجلس الانتقالي عن التنازل عن المناطق الغنية بالطاقة بمشاريع أو دعم مالي في عدن والمناطق المجاورة التي تفيد السكان المتضررين

البعد الدوليشددت الولايات المتحدة رسميًا على ضرورة خفض التصعيد والعودة إلى الاستقرار

وقد شارك وزير الخارجية ماركو روبيو في محادثات مع قادة السعودية والإمارات، معبّرًا عن اهتمام واشنطن بوقف أي انقسام بين حلفائها، وما قد يؤدي إلى إضعاف التحالف المناهض للحوثيين داخل اليمن

ومع ذلك، فإن تعزيز النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن يتماشى مع أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية الأوسع، بما في ذلك توسيع اتفاقات أبراهام، وقطع طرق التهريب البحرية، وتأمين مدخل البحر الأحمر

وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى الفوائد التي يمكن أن تجنيها إسرائيل إذا نشأ جنوب مستقل بدعم إماراتي

وفي محاولة لكسب الدعم الأمريكي، ذكر عيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي، إمكانية انضمام جنوب اليمن المستقل إلى اتفاقيات أبراهام، ما يمنح إسرائيل حضورًا رسميًا في موقع استراتيجي، بالإضافة إلى الوجود غير الرسمي الحالي نتيجة التعاون مع الإمارات

أعربت تركيا عن مخاوف مشابهة للسعودية، داعية إلى ضبط النفس وخفض التصعيد، والقلق على وحدة واستقرار اليمن

كما وجهت إيران تحذيرًا للإمارات على دعمها للمجلس الانتقالي، مشيرة إلى أن الاضطرابات في جنوب اليمن تدعم أهداف التوسع الإسرائيلية

بينما تبدو روسيا والصين معارضتين للهيمنة الغربية، ولا سيما الأمريكية، في الشرق الأوسط، تتعاملان مع اليمن بشكل مختلف: تدعم روسيا الحوثيين صراحة، بينما تعتمد الصين نبرة حذرة وتقدم دعمًا دبلوماسيًا للحلول السلمية

وقد امتنع كلاهما عن التصويت على القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2801، معربين عن انتقادهم لمحاولات الغرب الضغط على الحوثيين على حساب السكان اليمنيين

ولم تعلق الصين بشكل محدد على توسع المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، مؤكدًة ضرورة إيجاد حل شامل للمشاكل السياسية والإنسانية

كما لم يتعد دعم روسيا الكلامي للحوثيين إلى دعم مادي أو عسكري مباشر، مفضلة الحفاظ على علاقاتها مع جميع الأطراف

الخلاصةلا يمكن النظر إلى الزحف العسكري للمجلس الانتقالي نحو شرق جنوب اليمن كعملية أمنية بحتة، بل هو تنفيذ انتهازي لرغبة طويلة الأمد لدى المجلس والعديد من سكان الجنوب في إقامة جمهورية مستقلة

ولا يمكن فصل السيطرة العسكرية عن الصورة الاستراتيجية الإقليمية والدولية الأوسع

بالنسبة لإسرائيل، فإن الحرب المستمرة على غزة، والهجمات على إيران من قبل الولايات المتحدة، والقصف اليومي على لبنان، والنظام الجديد في سوريا، كل ذلك يعطي شعورًا بالتفوق العسكري، ويتيح لليمين الإسرائيلي فرصة لتوسيع السيطرة

وبالنسبة للولايات المتحدة، وخصوصًا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فإن رؤيتها للشرق الأوسط الجديد تتماشى مع هزيمة إيران وحلفائها، وتوسيع اتفاقات أبراهام إلى دول عربية ومسلمة أوسع

يمكن للقادة والشعب اليمني، نظريًا، رفض كل التأثيرات الأجنبية والعمل على اتفاق داخلي لبناء دولة جديدة يشعر فيها جميع المناطق والفصائل بالراحة

ولكي يتحقق هذا الخيار، يجب على القوى الإقليمية الرئيسية، السعودية والإمارات، تجاوز طموحاتها القصوى والتوصل إلى تسوية تعزز الانسجام على حساب الصراع

في المقابل، يمكن للولايات المتحدة أن تتجاوز حساباتها القائمة على الكسب والخسارة، وتلعب دورًا دبلوماسيًا أقوى إلى جانب مبعوث الأمم المتحدة هانز جروندبرغ، للمساعدة في سد الفجوات الإقليمية والعودة إلى خريطة طريق للسلام الشامل، مما يقلل المخاطر على جميع الأطراف

وفي هذه الشبكة المعقدة، يعد الخيار الأسهل هو أن تبدأ القوى الإقليمية بالمبادرة لتسوية ضرورية، لتليها الأطراف المحلية والدولية في نفس الاتجاه

* نائب السفير الامريكي الاسبق لدى اليمن