وراثة المهن.. الأسرة مقابل الطموح
منذ 3 أشهر
عدن- محمد الوجيهوراثة المهن من الظواهر المتجسدة في العديد من العائلات، وتتميز بها الأسرة اليمنية، حيث تنتقل المهن من جيل إلى آخر
ورغم أن هذا التقليد يعزز من تماسك الأسر، إلا أنه يحمل في طياته انقسامًا بين الالتزام العائلي والطموحات الفردية للشباب
فبينما يسعى البعض للحفاظ على إرث الأسرة ومتابعة المهن التي نشأوا فيها، يسعى آخرون لكسر حاجز الإرث العائلي
ويبحث هؤلاء عن مساراتٍ أخرى تعكس تطلعاتهم وطموحاتهم الشخصية
وبات هذا النزاع يمثل جزءًا كبيرًا من حياة الشباب في مجتمعنا اليمني
يعاني الأبناء في بعض الأسر معاناةً كبيرةً نتيجة تدخل الوالدين في اختيارهم للتخصص أو المهنة التي يجب أن يعملوا بها
بحجة أن الأسرة أكثر حرصًا على مصالح أبنائها، وتوجيههم نحو ما يعتقدون أنه الأفضل لهم
ضغوط تجعل الكثير منهم يكبتون ميولهم ورغباتهم الشخصية إرضاءً لرغبات والديهم واحترامًا لهم
حيث باتت تؤثر هذه الضغوط على النمو الشخصي والمهني للأبناء
كما تمثل مشكلةً بكيفية التوازن بين الطموحات الفردية والالتزام العائلي، وخطوات بناء مستقبل الأبناء
يستعرض الشاب عمار ياسر تجربته، حيث كان يحلم بأن يصبح محاميًا، وفور بدء تحضيراته لدراسة الحقوق كان لوالده رأي آخر
فقد رأى في ابنه خياطًا -نفس مهنة الوالد- بحجة أنها مهنة تضمن له الاستقرار المادي بشكل أفضل
يقول عمار لـ«المشاهد»: شعرت بخيبة أمل كبيرة، كنت أطمح بشيء مختلف تمامًا
صحيح أنني تعلمت الكثير من مهنة الخياطة وأصبحت خياطًا جيدًا وماهرًا، لكنني لا أزال أشعر بشغفي تجاه القانون
وهو ما يسبب لي حزنًا شديدًا؛ كما يسبب لي تحديًا كبيرًا في حياتي اليومية
”الشاب عمار ياسر: شعرت بخيبة أمل كبيرة، كنت أطمح بشيء مختلف تمامًا
صحيح أنني تعلمت الكثير من مهنة الخياطة وأصبحت خياطًا جيدًا وماهرًا، لكنني لا أزال أشعر بشغفي تجاه القانون
وهو ما يسبب لي حزنًا شديدًا؛ كما يسبب لي تحديًا كبيرًا في حياتي اليومية
”تكشف كلمات عمار بوضوح الصراع الداخلي بين شغفه الحقيقي ومسار حياته الذي اختاره والده
تناقض يعكس الواقع المعاش للكثير من الشباب الذين يجدون أنفسهم في صراعات مماثلة بين الرغبة والالتزامات الأسرية
يواجه آلاف الشباب تحديات وصعوبات اقتصادية تحول بينهم وبين تحقيق آمالهم المستقبلية
مما جعل الكثيرين منهم يتركون الشغف وطموحهم بتحقيق مستقبل جامعي، والاكتفاء بالاحتفاظ بمهنٍ ورثوها عن آبائهم
ويرى الشاب محمد الشيباني أنه كان يخطط للتخصص في البرمجيات
لكنه بات اليوم أبعد ما يكون عن تحقيق رغبته بعد أن أجبرته الظروف المعيشية على الالتحاق بعمل والده
حيث يعمل والده في أحد المطاعم طاهيًا، منذ عشرين عامًا
ويضيف الشيباني لـ«المشاهد» أن عدم وجود مصدر دخل قوي لوالده جعله يتراجع عن مواصلة التعليم وتحقيق حلمه بأن يصبح مهندسًا
معتقدًا أن مهنة والده في الطهي فتحت له بصيص أمل بتعلم حرفة توفر له لقمة عيش، وتبعده عن البطالة
محمد الشيباني يمثل نموذجًا للكثير من الشباب اليمني الذين يعيشون في إحباط بسبب التخلي عن مواصلة التعليم
واكتفاء كثير منهم بمهنة آبائهم لتأمين متطلبات الحياة وإعانتهم على تحمل الظروف المعيشية المتزايدة
يتحدث الخبير في الشؤون الاقتصادية، الدكتور أحمد النهاري لـ«المشاهد»، عن التأثير الاقتصادي والمعيشي في تحديد مستقبل الشباب
قائلًا: “يعتقد الشباب أن مهن آبائهم لها عملاء مستقرون؛ ولذا يَأمنون ويطمئنون بأن هذه المهن ستوفر لهم مصدر دخل آمن
وذلك أفضل بكثير في اعتقادهم من المجازفة في مشاريع وتخصصات جديدة تحقق طموحاتهم
ويتابع النهاري: “من الواضح جدًا أن الوضع الاقتصادي في اليمن متقلب، لأسبابٍ أصبحت معلومة
وهذا التقلب أدى إلى فشل كثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة للعديد من الشباب الطموحين والساعين للحرية المالية
كما أن عدم توفر فرص عمل للكثير من خريجي الجامعات؛ انعكس على توجهاتهم بالإحجام عن المغامرة في تخصصات ومشاريع جديدة
واتجه معظمهم إلى إحياء مهن آبائهم كمصادر دخل تؤمن معيشتهم
لم يعد توارث المهن مقتصرًا على الحرف التقليدية فحسب، بل أصبح يشمل أيضًا الأعمال المدنية والتعليمية والمجالات التخصصية
فهناك الكثير من الأسر تتوارث العمل في تخصصات مثل القانون والطب والهندسة
ويتشارك الأبناء الشغف نفسه بمهن آبائهم ويسعون للتفوق فيها
يتجلى هذا الأمر بوضوح في كثير من الشركات العائلية
ويشير الشاب مهدي أمين إلى إن اختياره لدراسة الصيدلة كان برغبة وتشجيع كبير من والده الذي يعمل في ذات المجال
ويضيف في حديثه لـ«المشاهد» أن البيئة التي تربى فيها تعكس تقبله للأمر الذي فرضه والده
وساعدت مهنة والده في تنشئته على الخبرة والمعرفة في مجال الصيدلة
ودفعت هذه الظروف مهدي لقبول عرض والده وعدم المجازفة بتخصص آخر، ولو كان حلمًا
رغم أن توارث المهن قد يكون له جوانب إيجابية تتعلق باستمرار الخبرة والإرث العائلي
إلا أنه يواجه تحديات وضغوطًا خاصة عندما تتعارض رغبات وطموحات الأبناء مع متطلبات الأسرة
مما يتطلب توازنًا بين احترام الإرث العائلي وإعطاء الأبناء الفرصة لاختيار المسارات المهنية التي تعكس اهتماماتهم الشخصية
تعلّق أستاذة علم النفس، الدكتورة نجاح عبد الرحيم، على موضوع وراثة المهن عبر الأجيال
مبيّنةً أن لها تأثيرات إيجابية وسلبية
فمن الجوانب الإيجابية، أن المهن المتوارثة تستمر مع الزمن وتحافظ على التقاليد
أما من الجوانب السلبية، فقد يؤدي اختيار الأبناء لتخصصاتهم تحت ضغط الأهل إلى كره المهنة وعدم إبداعهم فيها
مما قد يفضي في النهاية إلى الفشل
”نجاح عبدالرحيم، أستاذة علم النفس: وراثة المهن عبر الأجيال لها تأثيرات إيجابية وسلبية
فمن الجوانب الإيجابية، أن المهن المتوارثة تستمر مع الزمن وتحافظ على التقاليد
أما من الجوانب السلبية، فقد يؤدي اختيار الأبناء لتخصصاتهم تحت ضغط الأهل إلى كره المهنة وعدم إبداعهم فيها
مما قد يفضي في النهاية إلى الفشل
”وأشارت الدكتورة نجاح في حديثها لـ«المشاهد» إلى الاختلافات بين الأجيال السابقة والحالية
موضحةً أن الجيل الجديد أصبح أقل قدرةً على تحمل متاعب بعض المهن التقليدية
خاصةً في ظل التطورات التكنولوجية والتغيرات في سوق العمل؛ لذا توجهت ميول الشباب نحو مهنٍ أخرى
مشيرةً إلى أن اكتساب الأبناء للخبرة من آبائهم قد يسهم في نجاحهم، إلا أن هذا الأمر ليس ضمانًا للنجاح
حيث يمكن للفرد اكتساب خبرات من تجاربه الشخصية في الحياة
واختتمت حديثها بالإشارة إلى أن مساعدة الآباء في توعية أبنائهم وتثقيفهم ومتابعتهم من العوامل الأساسية لتحقيق النجاح
ولكن الأهم هو عدم إجبار الأبناء على مهنٍ قد لا يرغبون بها
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير