ياسر الحسني : لماذا فضل الشيخ صالح حنتوس الكرامة على السلامة؟

منذ 4 ساعات

ياسر الحسني في قصة تمثل صمود الرجال وأبطال العلم والعزة، تبرز شخصية الشيخ صالح حنتوس، الذي اختار أن تكون الكرامة عنوان حياته، حتى على حساب سلامته الشخصية

فكيف كانت مسيرته؟ ولماذا رفض الشيخ صالح أن يترك منطقته رغم الضغوطات والمضايقات التي تعرض لها؟من يعرف الشيخ صالح يعرف لماذا يرفض الاستسلام

كان الشيخ صالح حنتوس شامخًا كجبال ريمة الشماء تلك الجبال التي ما زالت تحكي عن صمودٍ لا ينكسر، ورجولة لا تلين

نذر حياته لتعليم الأجيال، فكان منارة للعلم في منطقة السلفية

في كل يوم كان يُعلم طلابه قيم الشجاعة والكرامة والإقدام

ما كان يقوله لهم في أيام التدريس، طبقه واقعًا في حياته

فقد كان لا يؤمن بمفهوم الاستسلام أو التراجع، بل كان يربّي الأجيال على التمسك بالكرامة والمبادئ مهما كانت التحدياتالشيخ صالح حنتوس رجل التربية والاجتماعكان الشيخ صالح حنتوس المسئول التربوي الأول في محافظة ريمة، حيث كان يشغل منصب مدير المعاهد العلمية في المحافظة

بعد إلغاء تلك المعاهد في تلك الفترة، بدأ الشيخ بتأسيس “دار القرآن الكريم” في مديرية السلفية ليصبح الدار منارة علمية ودينية في المنطقة

لم يكن دور الشيخ صالح في مجال التعليم مقتصرًا على تحفيظ القرآن الكريم فقط، بل كان رائدًا في العمل الاجتماعي والإنساني في مديريته

منذ الثمانينات، ساهم الشيخ صالح بشكل كبير في بناء جيل كامل من المتعلمين والمثقفين في منطقة السلفية، حيث سعى إلى تعليم أبناء المنطقة وتثقيفهم رغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد، وخاصة بعد آثار الحرب الأهلية التي عصفت باليمن في تلك الحقبة

الفترات الصعبة: احتضان الأيتام في منزلهمنطقة السلفية كانت تعاني من آثار الحرب الأهلية، “حرب الجبهة” في الثمانينات، وكانت بحاجة إلى أبطال من نوع آخر، يتجاوزون الخلافات السياسية والمذهبية ويعملون من أجل رفعة المجتمع

فكان الشيخ صالح وزوجته الفاضلة، يقيمان في بيتهما مأوى لليتامى، حيث كانوا يقدمون لهم المأكل والمشرب والملابس والتعليم

هذا التوجه الإنساني لم يكن إلا تعبيرًا عن تفانيه في خدمة أبناء المجتمع، وخاصة في وقت كان فيه الناس بحاجة إلى دعم كبير

المضايقات الحوثية: الشيخ صالح يرفض الخضوعمنذ العام سنوات، وميليشيا الحوثي الإرهابية في مضايقة الشيخ صالح حنتوس

بدأت القصة عندما جاء مسلحون حوثيون للقاء الشيخ، وحاولوا أن يضغطوا عليه لإغلاق “السكن الداخلي” لطلاب دار القرآن الكريم من أبناء القرى المجاورة

أقيل من منصبه كمدير للدار، وطرد الطلاب

ومع مرور الوقت، أغلقت الميليشيا دار القرآن الكريم في السلفية بشكل كامل في عام 2022، وصادرت جميع المباني التي كان الشيخ قد بناها، وسلمت تلك المباني لمشرف حوثي، بينما تركوا المسجد للشيخ صالح ليبقى مسؤولًا عنه

رفض العروض والضغوطات: الشيخ صالح يرفض الاستسلامعلى الرغم من الضغوطات المتزايدة من ميليشيا الحوثي، سعى العديد من المشائخ وأعضاء وقيادات محلية إلى إقناعه بالخروج من منطقته أو تسليم نفسه

إلا أنه ظل رافضًا لكل هذه العروض

فقد كان على يقين أن مغادرته لمنطقته أو تسليمه نفسه يعني الرضوخ للظلم، وهو ما لا يمكنه قبوله

رفض الشيخ صالح تلك العروض بشدة، متمسكًا بموقفه الثابت في أن يظل في أرضه، يدافع عن كرامته ويستمر في رسالته في تعليم القرآن الكريم

لم يكن هذا الرفض مجرد مواقف كلامية، بل كان قرارًا حاسمًا يعكس التزامه الكامل بالمبادئ التي آمن بها طوال حياته

الصمود في وجه التهديداتفي الأشهر الأخيرة، استمر الشيخ صالح في رفض المغادرة، وقال “سأظل في بيتي ومسجدي”، متمسكًا بموقفه الراسخ، مظهرًا عزيمة لا تلين

على الرغم من المحاولات المتكررة من قبل العديد من المشائخ والوجهاء لإقناعه بالخروج، كان دائمًا يرفض بشكل قاطع

كان الشيخ صالح يعلم أن المغادرة تعني تسليم إرادته، فاختار أن يظل في مسجده يعلّم الناس القرآن الكريم واللغة العربية، مدافعًا عن القيم والمبادىء التي علمها لطلابه لعقود

لكن في المقابل، كان الحوثيون يظنون أن تهديداتهم وإرهابهم كفيلان بإجباره على الرحيل

يسمونها “المسيرة القرآنية”، لكنهم في الحقيقة كانوا يذبحون القرّاء على أعتاب المصاحف

لقد حاولوا إغلاق دار القرآن الكريم، وفرضوا سلطتهم على كل شيء، لكن الشيخ صالح رفض أن يكون جزءًا من تلك المسيرة التي تسيء لكل ما كان يقدسه

المضايقات تصل إلى عائلتهمع مرور الوقت، زادت الميليشيا الحوثية في مضايقة الشيخ وأسرته بأساليب شنيعة

آخر تلك الأساليب كانت إطلاق النار على أسرته أثناء ذهابهم للتسوق، وهي محاولة قذرة لإرهاب العائلة وإجبار الشيخ على الاستسلام

كما أن زوجته، في السبعين من عمرها، أصيبت جراء القصف الحوثي العنيف الذي طال منزلهما

الوضع الراهن: الاشتباكات مستمرة وزوجته مصابةالاشتباكات لا تزال مستمرة بشكل عنيف، حيث تحاصر الميليشيا الحوثية الشيخ صالح وزوجته في منزله، وتستهدفهم بالقصف المدفعي

الزوجة، التي كانت دائمًا سندًا للشيخ في محنته، أصيبت جراء القصف، ومع ذلك لا يزال الشيخ صالح يرفض الاستسلام أو مغادرة مكانه

اختيار الكرامة على السلامةقصة الشيخ صالح حنتوس ليست مجرد قصة رجل رفض أن يبيع كرامته، بل هي تجسيد حي لمفهوم الصمود والإباء في مواجهة الطغاة

اختار الشيخ صالح أن يكون درسه في الحياة للآخرين هو أن الكرامة أعلى من السلامة، وأن المبادئ لا يمكن أن تُفرَط مهما كان الثمن

لقد واجه الحوثيين في ظل إرهابهم، واختار أن يكون شوكة في حلوقهم، فلم تنجح تهديداتهم ولا محاولاتهم لثنيه عن مساره

هذا الرجل الذي اختار أن يبقى في قلب المعركة، يعلم جيدًا الثمن الذي قد يدفعه، لكنه جعل من الكرامة والتضحية فصولًا لم تنتهِ بعد

القصة التي لا تزال تُكتب بدماء الشرفاء والشجعان، ستظل في ذاكرة الأجيال، يُسجّلها التاريخ بمداد من عزّة وحرية

رغم الألم الذي تحمله الشيخ صالح، تظل قصته مصدر إلهام لكل يمني حر، ولكل جمهوري يسعى لاستعادة هويته وكرامته في مواجهة قوى الإرهاب والظلم

إن مواقفه تُمثّل درسًا حيًّا عن مقاومة القهر في زمن استشرى فيه الخنوع والجبن أمام مليشيا تستخدم الإرهاب سلاحًا لمن لا يؤمن بفكرها العنصري