ياسين التميمي : عن كشوف الإعاشة ودوافع تحييد ما تبقى من القيادات الوطنية 

منذ 6 ساعات

ياسين التميمي قبل الخوض أو التعليق حول كشوفات الإعاشة هناك حاجة إلى تأكيد أهمية محاربة الفساد على مبدأ أن لا انتصار بدون النزاهة والكفاءة، وهما أمران جرى تقويضها بالكامل عند إعادة بناء السلطة الشرعية وحقنها بغمار الناس وأقلهم شأناً و لا توجد بين بعضهم وبين الكفاءة والنزاهة والانتماء الوطني صلة من أي نوع

وثمة حاجة للتنبيه إلى المفسدة الكبرى التي حدثت في سبتمبر 2014 عندما جرى التواطؤ على الدولة وتمكين الجماعة الانقلابية الطائفية من وضع اليد على كامل مقدرات الدولة ومن بينها (4) مليارات دولار هي احتياطي البنك المركزي اليمني، والاستئثار بها في إشباع الجوع التاريخي لهؤلاء الانقلابيين وفئتهم الباغية في مقابل تجويع الشعب وحرمان مئات آلاف الموظفين من رواتبهم

فهم ذلك مهماً للغاية حتى لا ينشغل الناس بسفاسف الأمور عن الاستحقاقات الكبرى والحقوق المنهوبة والدولة المصادرة

 هناك أخطاء  كبيرة يتعين الانتباه إليها وتداركها فيما يتعلق بإثارة موضوع كشوف الإعاشة بالطريقة التي نراها اليوم

 لقد تحولت الإعاشة وهي عبارة عن مناورة ضيقة الأفق من جانب السلطة الشرعية ومن يتحكم بها، فهي ليست مرتبات واضحة وقانونية وملزمة بقدر ما هي تدابير مؤقتة وغير ملزمة قانونا، وها هي تتحول للأسف الشديد إلى واحدة من أداوات التطويع والتسقيط غير المقبولين للشرفاء والقادة والمناضلين من أبناء هذا البلد الذين اضطروا لمغادرته بعد أن تركهم الرئيس المنتخب مكشوفي الظهر بلا خيار ولا قرار ولا إمكانيات، إلى جانب أنها تساهم في حصارهم وفي تضييق خياراتهم وتدفعهم إلى الارتهان كما يريد ويخطط لذلك المتنفذون الخارجيون ومن يتعامل معهم من أصحاب المشاريع السياسية في الداخل

إن خطورة الاستمرار في الحديث عن الإعاشة بهذه الطريقة يساعد على إخفاء حقائق مهمة من أهمها: - أن مرتبات الإعاشة تُمول من الخزينة العامة للدولة اليمنية وتصرف بطريقة متقطعة وعلى مسافات زمنية متباعدة تُبقي المشمول بهذا الكشف منشغلاً بمعالجة تداعيات عدم كفاية هذه الإعاشة أصلاً والتأخير الطويل في صرفها أمام التزامات ضرورية من أكل وشرب وسكن في بلد المهجر الاضطراري

- على الرغم من التفاوت الكبير في حجم الإعاشة التي تصرف في الخارج مع المرتبات التي تصرف في الداخل، فإنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار  التفاوت المماثل تقريباً في مستويات المعيشة في الخارج عما هو عليه الحال في الداخل وهو تفاوت كبير يثقل كاهل المهجرين وعائلاتهم

- وجود أناس غير مستحقين في كشوفات الإعاشة الحكومية  يمثل ضربة قاصمة لمكانة الشخصيات المحترمة وذات الوزن السياسي والاجتماعي والوطني، وسيبقى هذا الأمر وصمة عار وأحد المؤشرات الحقيقية على الفساد إذ تنصرف هذه الأموال لمن لا يستحقها ولا فائدة منه بل أنّ بعضهم تحول إلى أداة تخريب للوحدة الوطنية وللتقليل من قدرة اليمنيين على استعادة وطنهم، وربما يراد من وراء هذه الحملة إلغاء الإعاشة الحكومية لدفع ما تبقى من الشرفاء للارتهان الكامل للإرادة الخارجية

- هناك مسؤولية مشتركة تتقاسمها السلطة الشرعية وداعموها الإقليميون الذين صعَّبُوا ووضعوا العراقيل الكثيرة والخطيرة أمام  عودة القيادات اليمنية إلى وطنهم والتموضع فيها والاشتغال ضمن المهمة الرئيسية المتمثلة في القتال سياسياً وعسكرياً من أجل استعادة الدولة، وهو أمر  يستدعي بالضرورة وجود  التغطية  المالية الضرورية بالريال اليمني، تفي بمتطلبات معيشتهم وتوفر لها الحد المطلوب من الكرامة الشخصية من موازنة الدولة ومواردها السيادية وليس من أي طرف آخر

- هناك إصرار على العبث بالنخبة اليمنية وإحداث هذا القدر من التشوه في مكانتها الوطنية إذ تبدو كخليط من الغث والسمين المرتهن للقوى الخارجية، وهو أمر يتسبب  بإساءة بالغة للمناضلين والشرفاء (وما أكثرهم)الذين حيل بينهم وبين واجب استعادة الوطن، بسبب الصعوبات التي يضعها أمامهم التأثير الخارجي وأجنداته

- لا أحد يفكر في التحول الخطير الذي طرأ على طبيعة تفكير الدول ومقارباتها، فلم تعد تعطي أولوية للثقل السياسي للأشخاص ولمكانتهم الاجتماعية والوطنية، قدر اهتمامها بالمؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأغلبهم من ذوي المواقف الرمادية وغير المشرفة أحياناً، إضافة إلى ما تمتلكه هذه الدول من سطوة إليكترونية للتحكم بالتأثير الإعلامي والدعائي في وعي الناس، مما يتيح لها ممارسة القتل السياسي للشخصيات التي تستعصي على التطويع وترفض الانكسار لحساب الوطن وقضايا وأولوياته

 - هناك مرتبات منتظمة تُصرف من قبل اللجنة الخاصة السعودية، وهي فرع استخباراتي معني باليمن منذ عهد الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله

ومرتبات اللجنة الخاصة، هي معيار لمدى رضا المملكة عن المستفيدين، ومن لم تشملهم كشوفات اللجنة الخاصة ومرتباتها المنتظمة فهم حتماً غير مرضي عنهم، وهذا ينعكس على فرصهم في تولي المناصب وفي حرية الحركة ضمن ما يفترض أنه المشروع الوطني لكل اليمنيين وهناك مرتبات منتظمة تصرف من دول أخرى لأناس تفرغوا لتهديد الدولة اليمنية وتقويض كيانها القانوني

 - مرتبات اللجنة الخاصة التي يستفيد منها البعض  وكثير منهم لا غبار على مواقفه الوطنية، يفترض أن تأتي كالتزام طبيعي استثنائي من جانب المملكة، في هذه الظروف  الاستثنائية التي خولت المملكة وبرضى المجتمع الدولي، التحكم بالقرار السيادي، وبقرار السلم والحرب

ومن غير المقبول  أن تتحول إلى عملة مغمسة بالذل ووسيلة للتطويع والتوظيف خارج السياق النضالي الوطني

- التركيبة الحالية لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة هي وصفة لقتل الدولة اليمنية من الداخل، والانشغال بالإعاشة الحكومية، يصرف الأذهان عن ملايين الدولارات التي تصرف لتغذية المشاريع المرتبطة  عضوياً بواحد أو أكثر من أعضاء مجلس القيادة، و تشكل خطراً محدقاً باليمن وتساعد على استدامة أسباب الصراع في جغرافيته، عبر إنشاء مراكز الاستقطاب المالي للنخب السياسة والبرلمانية والشورية، بمرتبات تفوق بأضعاف مبالغ الإعاشة الحكومية

- والله من وراء القصد،،