ياسين التميمي : هذه هي قناة بلقيس التي سنفتقد بثَّها الفضائي

منذ 3 أيام

ياسين التميمي بمشاعر مختلطة بالأسف والألم والفخر تابعتُ آخر مشهد من بث قناة بلقيس الفضائية، تلك القناة التي وُلدت في ظروف النزوح الكبير لخيرة أبناء اليمن داخل وطنهم وبعيداً عنه

أطلت المذيعة الرائعة أفنان توركر في الدقائق الأخيرة من البث لتقرأ بيان إغلاق القناة، الذي أوضح ملابسات إغلاقها، وأكد في الوقت نفسه أن رسالتها ستستمر عبر منصاتها الرقمية، التي ستعمل —على الأرجح— بطاقم محدود وبإمكانات أقل

تُعدّ أفنان توركر واحدة من طاقم متميّز من المذيعين والمذيعات الذين تخرّجوا من مدرسة بلقيس المهنية، وأضافوا إلى مهاراتهم الأكاديمية والتأسيسية خبرةً واسعةً في العمل التلفزيوني؛ من خلال ما أتاحته لهم القناة من ممارسة وظهور وأداء وتحرير وإنتاج ومونتاج، وفي مختلف أشكال العمل التلفزيوني والبث الفضائي

لقد دفعت قناة بلقيس أثماناً ميدانية باهظة؛ من مضايقات، وإغلاق مكاتب، وتضييق على المراسلين، وانتهاءً بقتل بعضهم

معظم الأطراف اليمنية التي أنتجها المال السياسي المُحرِّك لماكينة الحرب ناهضت قناة بلقيس وحاربتها

وكان قدر قناة بلقيس أنها واحدة من الأفكار الشجاعة للناشطة الحقوقية والسياسية العالمية توكل كرمان؛ ولهذا فإن أحد أهم أسباب العداء الذي تكنّه هذه الأطراف يعود إلى الدور السياسي والحقوقي والثوري لتوكل كرمان، بالرغم من أن آرائها لم تنعكس —في أي حال— على محتوى القناة أو منصاتها

لقد تعرضت القناة لامتحانات صعبة، لكن أصعب هذه الامتحانات تلك التي جاءت من مواقف بعض الدول الإقليمية الحادة والمتطرفة تجاه توكل كرمان ومواقفها السياسية، وهي مواقف كانت —ربما— تحتاج إلى قدر أكبر من ضبط النفس، حتى تتحرر القناة من الضغوط السياسية والمادية

وهذه المسؤولية تتحمل توكل كرمان جزءاً أساسياً منها، لا قناة بلقيس التي لا توجد قناة إخبارية يمنية تضاهيها قوةً وكفاءةً ومهنية

سيجد أهم وأفضل طاقم صحفي وإعلامي في اليمن نفسه أمام تحدٍّ معيشي صعب لا يطيقه أحد؛ لأن الأمر يرتبط بالعيش في مدينة تعاني ارتفاعاً كبيراً في كلف السكن والمعيشة والتنقل والتعليم خارج المنظومة الرسمية التركية

إنّ مدينة إسطنبول، التي نحتفظ لها ولتركيا وحكومتها، بالود والوفاء والتقدير، أصبحت الملاذ الذي يعتمد المعايير العالمية في التعامل مع المهاجرين واللاجئين، بل ويضيف إلى ذلك روح القانون بما تحمله من حرص إنساني على عدم التسبب بنكبات إضافية للقادمين من بلدان النزوح والحروب

قناة بلقيس —لمن يصفق اليوم لإغلاق بثها الفضائي— كانت الساحة التي واجه فيها أنصار القضية الوطنية، دون خوف، المشاريع المحدقة بحاضر اليمن ومستقبله

وكانت الفضاء الذي عاش فيه حلم استعادة الدولة، عبر الجهد الإعلامي والصحفي المتميز لطاقمها عالي الكفاءة، ومراسليها وضيوفها والمتحدثين إليها، وبفضل تقاريرها وحكاياها وحقائقها المخفية والمغموطة

وقد دفعت القناة ومنتسبوها الثمن الذي فرضه منطق الغلبة وجحيم السياسات الإقليمية

وأنا على يقين بأن الكوادر عالية التأهيل التي فقدت وظائفها في قناة بلقيس الفضائية ستجد طريقها نحو آفاق أوسع وأرحب

فهؤلاء لا تميزهم الكفاءة فقط، بل يشكلون نموذجاً محترماً لتعايش الكوادر المهنية من خلفيات سياسية متنوعة، موزعة على رقعة الصراع والخصومات والمكائد السياسية، ومع ذلك ظل هؤلاء أوفياء لمهنتهم ولمبادئهم ولرفاقتهم

أتمنى لكم —أصدقائي— مستقبلاً أفضل