يوم الأربعاء ثقيل على الموظفين الحكوميين
منذ 2 سنوات
يشعر غالبية الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي “أنصار الله” بالضجر عند حلول يوم الأربعاء من كل أسبوع
فهذ اليوم صار يومًا إجباريًا لحضور جرعة “التعبئة والتحريض” لنشر فكر الجماعة بين العاملين في المؤسسات الحكومية
“إنه يوم ثقيل جدًا”، هكذا يراه الموظف الحكومي أمجد شرف (اسم مستعار)
ومثله الآلاف من الموظفين الذين يمقتون هذا اليوم، لأنه -حسب قول كثيرين- “يوم للتعبئة الطائفية والتنكر للثورة والجمهورية ودولة النظام والقانون التي ينشدها وضحى من أجلها كل اليمنيين”
تقوم جماعة الحوثي، عبر مشرفيها في المؤسسات الحكومية، بإجبار الموظفين على الحضور بشكل جماعي إلى صالة الاجتماعات للاستماع إلى محاضرة أسبوعية لزعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي
تبدأ المحاضرة الساعة الـ12 ظهرًا من كل أربعاء، وتنتهي الساعة الثانية ظهرًا، ويتم خلال هذا التوقيت إيقاف جميع معاملات المواطنين
ولا يخفي البعض القول الصريح “إنه أصبح يومًا للاستعباد، فيجبر حتى الموظفون من كبار السن والنساء من المرضى، على حضور فعالية الأربعاء التي تتضمن غالبًا خطابات ومحاضرات لزعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، وتعليمات طائفية، وتستمر إلى أوقات متأخرة من الدوام الرسمي، وهذا سبب إضافي للرفض لهذه الفعالية التي لا يقرها قانون أو لائحة”
وتكثف المواد المعدة لما يسمونه “اليوم الثقافي”، من جرعة التعبئة والتحشيد للقتال في الجبهات، وتشويه كل ما له علاقة بفكر الدولة ووظيفتها التي تنطلق أساسًا من الدستور والقانون
ومن هذا المنظور، تتجدد كل أربعاء موجة غضب واسعة في أوساط الموظّفين في المؤسسات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وكذلك الناشطين على مواقع التواصل، رفضًا لمثل هكذا فعاليات إجبارية، في وقت يعاني الموظف فيه من حالة فقر مدقع بسبب انقطاع الرواتب
يقول محمد عيسى، وهو موظف حكومي منذ 15 عامًا: “بصعوبة بالغة نستطيع الاعتذار عن حضور درس الأربعاء الإلزامي، فنتحجج بالمرض أو أي ظرف قاهر، لأن الأمر بالنسبة لهم معيار للولاء”
ويضيف عيسى: “نحن نرى الأمر قسريًا وتوجهًا تابعًا للحوثيين، لهذا نقاوم مثل هكذا توجه بالغياب ما أمكن”
فيما يقول حمود ناصر، اسم مستعار لموظف آخر: “جماعة الحوثي تريد من دروس الأربعاء في المؤسسات الحكومية، ترسيخ مبدأ الولاية لها عند الموظفين، لأنها لا تريد دولة بمعناها الحقيقي، لأن الدولة تعني النظام والقانون، وهذا ما لا يريدونه، بل أن يبقى الموظف مدجنًا بأفكار الطاعة العمياء، ولا يتحدث عن فساد أو ممارسات خاطئة وظلم وانتهاكات وقطع الرواتب في المؤسسات التي يديرونها”
يصف أكاديمي يعمل في حقل علم الاجتماع السياسي -طلب عدم ذكر اسمه- هذه الدروس الإجبارية المعممة على المكاتب الحكومية التابعة للحوثيين، بغير الأخلاقية، لأنها مفروضة بالإكراه، وتستغل حاجة الموظف للمعونات الغذائية التي يتحصل عليها كي ينجو بنفسه ومن يعول من موت محقق بسبب الجوع والأمراض التي لا يمتلك قيمة علاجها
ويضيف: إنها جريمة بحق الموظف والدستور والقانون، لأنها تهدف إلى استبعاد من لا يؤمن بالولاية، وحرمانه من حقه في المستحقات والترقيات”
ويقول: “إن يوم الأربعاء أشبه بدورة طائفية أسبوعية، يلزم جميع الموظفين بحضورها، وإلا سيف العقاب على رؤوسهم”
“ش
م” موظفة في إحدى الدوائر الحكومية بصنعاء، تتحدث بمرارة عن كبار السن الذين لا يُسمح لهم بالخروج قبل موعد الدرس، وتقول: “أمام عيني توسل موظف كبير في السن مدير الشؤون الإدارية للسماح له بعدم حضور الدرس، لأن السكر عنده منخفض، ويخشى أن يتعب أكثر، ليجيبه المسؤول بصلف: كنت عتغيب من الصبح وتهجعنا الدحس”
وزاد: “تشتوا تربية على الهوية الإيمانية من أول وجديد، لا بد من أن يستشعر كل موظف هدى الله”
محامي طلب عدم نشر اسمه اسمه خوفًا من بطش الجماعة، قال لـ”المشاهد”: نحن أمام قانون للوظيفة جديد تابع للحوثي يتمثل في “مدوّنة السلوك”، التي تمت صياغتها وفقًا لنهج الجماعة، وهو يكرس فكرة الولاية والهوية الجديدة لدولة الجماعة التي تحاول مصادرة الهوية اليمنية الأصيلة التي تستمد قوتها من الثورة والجمهورية، وربط الأمر بثقافة دخيلة ومستوردة لا تتواءم مع ثقافة اليمنيين وهويتهم
ووصف ما يجري بالإبادة الثقافية لكل ما هو يمني، وتكريس لهيمنة الخرافة بدل الانتماء الوطني من خلال ما يسمى اليوم الثقافي الذي حصيلته “مدونة السلوك “
تنص المادة الخامسة من دستور اليمن بأن النظام السياسي في اليمن قائم على التعددية السياسية والحزبية، وحظر “تسخير الوظيفة العامة أو المال العام لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين”
كما تنص المادة 12 الفقرة “أ” من قانون الخدمة المدنية اليمني، أن “الوظيفة العامة تكليف، والإخلاص فيها واجب وطني تمليه المصلحة العامة هدفها خدمة المواطنين بأمانة وشـرف وتغليب الصالح العام على الصالح الخاص تؤدى طبقًا للقانون والنظم النافذة”
بدوره، يطالب المحامي منير صالح (اسم مستعار) بإصدار قانون يحظر تأسيس أية جماعة أو حركة يمنية على أساس عنصري سواء أكان عرقيًا طائفيًا أو جهويًا
ويؤكد صالح أن هذا القانون “سيسهم في ترميم النسيج المجتمعي جراء ما لحق به من تهتك وعبث على يد جماعة الحوثي”
ليصلك كل جديد